أوباما يكشف عن جبريته في السياسة الخارجية

نشر في 17-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 17-01-2016 | 00:01
 فريد حيات عاد الرئيس أوباما في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد إلى التفاؤل الذي جسده خلال حملته الأولى، إلا أنه اكتفى بتطبيقه على الولايات المتحدة. أما في كلامه عن سائر العالم، فبدا متشائماً، حتى جبرياً، كما لو أن الطريقة الوحيدة التي استطاع من خلالها تقبل إخفاقه في سورية والكارثة الإنسانية الواسعة، التي لا تزال تتفاعل هناك، إقناع نفسه بأن الإخفاق محتم وأنه سيتكرر مرات عدة.

أعلن أوباما: "يمر الشرق الأوسط بتحول سيستمر لجيل، وهو متأصل في صراعات تعود إلى آلاف السنين... وسيتواصل عدم الاستقرار لعقود في أجزاء كثيرة من العالم: في الشرق الأوسط، وأفغانستان، وأجزاء من باكستان، وأجزاء من أميركا الوسطة، وإفريقيا، وآسيا". لمَ يعمد رئيس إلى الطلب من الأميركيين الافتراض أن مشاكل أميركا الوسطى معقدة ومحتمة؟ فمن بين أمم هذه المنطقة السبع الصغيرة (مجموع سكانها: 42 مليوناً)، كان بعضها، مثل كوستاريكا، مستقراً على نحو ثابت منذ عقود، مع أن الأمم الأخرى تواجه مشاكل بالتأكيد: عنف العصابات في السلفادور، والفساد واليسار الزائف والحكم المستبد بدعم من فنزويلا في نيكاراغوا.

لكن المكسيك، التي تواجه تحديات أكثر صعوبة، انتقلت في غضون 20 سنة من حالة ميؤوس منها في الظاهر إلى أمة من الطبقة الوسطى التي تسعى جاهدة إلى مواجهة مشاكلها الخطيرة بالاعتماد على ديمقراطية متعددة الأطراف، فتجذب عدداً من المهاجرين العائدين يفوق ما ترسله شمالاً، إذاً لمَ نفترض أن السلفادور وهندوراس لا تستطيعان تحقيق إنجاز مماثل؟

إذا أراد أوباما التفكير في العقود القادمة، فلمَ لا يتطلع إلى كوريا الجنوبية، التي كانت قبل عقود قليلة دولة دكتاتورية عسكرية فقيرة فقدَ خبراء التنمية الأمل في تحسنها؟ أو إلى إستونيا التي كانت قبل ثلاثة عقود دولة فقيرة مماثلة تقع أسيرة الاتحاد السوفياتي؟

لكنهما تحولتا اليوم إلى دولتين ديمقراطيتين، ومع أن نجاحهما بدا بعيد المنال قبل عقود، لم يعرب أي رئيس أميركي عن يأسه منهما. على العكس كان التزام الولايات المتحدة بمستقبل ديمقراطي سلمي في منطقتيهما في الجانب الآخر من العالم، الذي أعرب عنه رؤساء مختلفون أمثال جيمي كارتر ورونالد ريغان، مما مهد الدرب أمام نجاحهما.لمَ يعرب أوباما، إذاً، عن تشاؤمه بشأن أفغانستان أو إفريقيا؟ لا شك أن الصراعات القديمة تشكل عذراً تقليدياً يعوَّل عليه. صحيح أن الشرخ الشيعي-السني يعود إلى قرون، لكن "الأحقاد القديمة" منتشرة في كل مكان، من أيرلندا الشمالية إلى كارولاينا الجنوبية والألزاس واللورين، لكن القدرة على التحكم فيها أو السماح لها بالتفجر يرتبطان بالخيارات السياسية لا بالمصير والقدر.

تذكر الدبلوماسي الراحل ريتشارد هولبروك، في مذكراته عن التفاوض لإنهاء حرب البلقان، إعلان مساعد وزير الخارجية لورنس إيغلبيرغر عام 1992: "إلى أن يقرر البوسنيون، والصرب، والكروات الكف عن قتل كل منهم الآخر، لا يستطيع العالم الخارجي القيام بأي أمر حيال ذلك". استند العذر آنذاك أيضاً إلى "الأحقاد القديمة"، حسبما كتب هولبروك بعد وفاة 100 ألف شخص.

أضاف: "كان مَن لجؤوا إلى هذا العذر يحاول معظمهم تبرير ترددهم أو عجزهم عن التعاطي مع مشاكل المنطقة، لم تكن مأساة يوغوسلافيا حتمية، بل كانت نتاج قادة سياسيين سيئين أو حتى مجرمين، فعندما أدركوا أن الولايات المتحدة، في أوج نفوذها العالمي، ما عادت تتدخل، سارعوا في نزولهم نحو الهاوية".

تبدو حيرة أوباما بشأن سورية واضحة ومبررة، فقبل أربع سنوات، دعم كبار مستشاريه تدخلاً متواضعاً بغية تفادي حرب أهلية قد تخرج عن السيطرة، تنتشر خارج الحدود السورية، وتعزز التطرف، لكن الرئيس رفض مشورتهم فجاءت النتيجة أكثر سوداوية مما توقع الجميع: مات مئات الآلاف، وهُجر الملايين، وترزح القارة الأوروبية بأكملها تحت عبء اللاجئين المتدفقين والإرهاب، ويموت الأولاد جوعاً.

في مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية العام الشهر الماضي، أقر أوباما على ما يبدو بالكارثة، عندما دافع عن تدخله في ليبيا بالقول إننا من دون هذا التدخل "كنا سنواجه سورية أخرى"، ولكن في لحظة غريبة مساء يوم الثلاثاء، أشار أوباما إلى سورية كمثال على "مقاربته الأكثر ذكاء: استراتيجية صبورة ومنضبطة تستغل كل عنصر في قوتنا الوطنية".

وتابع موضحاً: "هذه هي مقاربتنا إلى صراعات مثل سورية، حيث نتعاون مع القوات المحلية والجهود الدولية الرائدة بغية مساعدة ذلك المجتمع المحطم على السعي وراء سلام دائم".

من المؤسف بالتأكيد أن تقف الولايات المتحدة، التي تعهدت بعد رواندا بألا "تسمح مرة أخرى" بكارثة إنسانية مماثلة، جانباً في حين تُدمَّر أمة، ولا شك أن الضرر سيتفاقم، إذا أقنعت الدولة نفسها أن هذا أفضل ما يمكنها القيام به.

*«واشنطن بوست"»

back to top