الصين قد تخيب أمل العالم العربي

نشر في 29-01-2016
آخر تحديث 29-01-2016 | 00:01
 ذي ناشيونال غادر كيسي جينبينغ الشرق الأوسط، إلا أن زيارته الأولى إلى هذه المنطقة خلال رئاسته دفعت بالمحللين إلى التساؤل عما إذا كان التنين الصيني يستعد ليحل محل النسر الأميركي.

إليك الجواب باختصار: كلا. حتى لو كان يستعد لذلك، فلن تروق القوة العظمى الصينية للعرب أكثر من القوة العظمى الأميركية.

صحيح أن الشرق الأوسط يكره السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن السياسة الخارجية الصينية تحمل مشاكلها الخاصة، ولا سيما إن طبقت الصين في الشرق الأوسط سياسة "عدم التدخل" في شؤون الأمم الأخرى التي تتبعها، فلن يحظى هذا برضا العرب.

ينطوي الحياد، عندما يُطبق بهذه الطريقة، على مشكلتين خطيرتين بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فلن تقف الصين إلى جانب أي طرف في الصراعات وستثبت الوضع القائم، علماً أن المنطقة لا تحتاج إلى أي من هاتين الخطوتين.

لنبدأ بمسألة الصراعات، فمع تزايد قوة الصين العالمية، تكتسب هذه الدولة نفوذاً أكبر في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والدول، وبينما تنمو التجارة والتعاون بين الدول العربية والصين، تلي ذلك خطوة طبيعية: فبعد أن يكتسب العالم العربي تأثيراً كبيراً في بكين، سيتطلع إلى الصين، متأملاً أن تستغل نفوذها حول العالم لمصلحته. ولكن ماذا سيحدث في هذه الحالة، إن تمسكت الصين بسياسة الحياد المطلق؟ ماذا سيحدث إن طلب العرب من الصين استعمال نفوذها في الأمم المتحدة لدعم الفلسطينيين، مثلاً، ورفضت متحججةً بمسألة الحياد؟

تقدّم الصين اليوم، بتأييدها الوضع القائم في سورية، دعماً غير مباشر لبشار الأسد، وإن تمكنت الصين من تحقيق غايتها، فسينجو هذا النظام، رغم المجازر التي أطلقها، فقط لأنه يمسك بزمام السلطة.

يظهر هذا النوع من الحياد المتشدد جلياً، فلم يأتِ توقيت زيارة الرئيس كيسي في هذه المرحلة من باب المصادفة، فقد سافر إلى الشرق الأوسط بُعيد رفع العقوبات عن إيران، محافظاً بالتالي على الحياد المتشدد بين المملكة العربية السعودية وإيران وفي تعامله مع الولايات المتحدة.

لكن هذا لا يتلاءم مع ما يريده العرب، فمن الانتقادات الرئيسة التي توجهها دول الخليج إلى حليفها الأميركي في المسألة الإيرانية أن الولايات المتحدة لا تبدو مستعدة للإقرار بمخاوفها بشأن التدخلات الإيرانية، ولا شك أن تمسك الصين بحيادها سيكون أكثر سوءاً من رفض الولايات المتحدة الاعتراف بالواقع.

يقودنا هذا إلى المشكلة الكبرى الثانية المرتبطة بالحياد، فمن المؤكد أن هذا الأخير سيجمد التنمية في المنطقة في مرحلة محددة من الزمن. يستفيض القادة الصينيون في الكلام عن التعاون والتنمية، فقد نشرت وزارة الخارجية الصينية أول تقرير لها عن سياستها العربية قبيل زيارة الرئيس كيسي، واللافت للنظر أن هاتين الكلمتين ذكرتا فيه أكثر من 200 مرة.

لكن الصين تقصد بالتنمية الاقتصادية منها لا السياسية، مع أن هذين النوعين من التنمية يتقدمان معاً عموماً، فلا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية وحدها، من دون التنمية السياسية لمؤسسات التمثيل السياسي ومنظماته، إلا إذا توصل المجتمع إلى نظرة واضحة وراسخة إلى الميثاق السياسي.

بكلمات أخرى، لا يمكن التمتع بالتنمية الاقتصادية من دون تقدّم مماثل على صعيد التنمية السياسية، إلا إذا كوّن البلد نظرة واضحة إلى العلاقة بين بنى الحكومة والشعب.

توصلت الصين على ما يبدو إلى هذه النظرة الواضحة والراسخة، رغم أصوات الانشقاق التي تعلو أحياناً، لكن في معظم أجزاء العالم العربي، ما زالت التنمية السياسية قيد التطور، وقد شهدت كل دول الربيع العربي ثورات لأن البنى السياسية لم تعكس طموحات البلد، ولا شك أن الاقتصاد أدى دوراً مهماً، شأنه في ذلك شأن التمثيل.

كان الحياد الصيني عام 2011 سيعني الوقوف إلى جانب مبارك في ميدان التحرير وبن علي ضد الشعب في شارع الحبيب بورقيبة، كذلك كان سيدعم استمرار حكم معمر القذافي وعلي عبدالله صالح.

نتيجة لذلك، سيؤدي الحياد المتشدد إلى تجميد معظم التنمية السياسية في الجمهوريات العربية، مع أن هذا هو السبب الرئيس الذي قاد إلى الانتفاضات.

لا يزال كل ما ذكرناه أعلاه بعيداً جداً، فلم تتخلَّ الولايات المتحدة بعد عن المنطقة، وما زال التأثير الصيني محدوداً، بالإضافة إلى ذلك ستلاحظ الصين مع تنامي قوتها أن عدم التدخل يزداد صعوبة مع بناء الروابط الوثيقة. صحيح أن من الممكن تأسيس العلاقات على الاقتصاد، غير أن من المستحيل الدفاع عنها إلا من خلال السياسة.

إذاً، إن رفضت الصين الوقوف إلى جانب حلفائها، عندما تحل الأوقات الحرجة، فسرعان ما يكتشف العرب أن تنيناً صينياً لا مخالب له غير مرحب به.

* فيصل اليافعي | Faisal Al Yafai

back to top