هل ستنجح كردستان فيما فشل فيه العراق؟

نشر في 27-02-2016
آخر تحديث 27-02-2016 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر يعتبر فتح القنصلية السعودية في أربيل عاصمة إقليم كردستان خطوة مهمة في ظل الظروف التي يمر بها العراق والمنطقة، فهي تفتح آفاقا جديدة للعلاقات العربية الكردية تتجاوز حدود العراق لتصل إلى دولة تعتبر محورية لا على الصعيد العربي فحسب بل على الصعيد الإقليمي كذلك.

وقد توجهت كردستان منذ الإطاحة بنظام صدام حسين إلى بناء جسور العلاقة بينها وبين الدول العربية على مبدأ التاريخ والجوار المشترك، وعلى أساس المصالح المشتركة بين الشعبين العربي والكردي في كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية، متبنيين مبدأ "عفا الله عما سلف" إزاء مواقف بعض الدول العربية المؤيدة لنظام صدام حسين ومساندتها إياه في ممارساته القمعية ضد الشعب الكردي وقضيته العادلة في العراق.

 وقد نجحت كردستان في توطيد علاقاتها مع معظم الدول العربية في وقت فشلت بغداد في بناء علاقات طبيعية مع أي عاصمة عربية رغم اشتراكهما في القومية، لتبني الحكومة العراقية توجهات مذهبية على حساب التوجهات القومية المفترضة لها، وكذلك فشلها في تجاوز العقد التاريخية في تعاملها السياسي، لدرجة أن الدول العربية أصبحت تعتمد على نشاط قنصلياتها في أربيل أكثر من سفاراتها في بغداد لمحدودية المساحة المسموح بها لسفاراتها والعراقيل التي تضعها السلطات العراقية أمامها.

إن الحالة الطبيعية التي يفترض أن تسود العلاقات بين شعوب المنطقة هي تلك الحالة التي تعبر عنها حكومة إقليم كردستان في تشجيع الجوانب الإيجابية وتسطيح السلبيات مع البحث عن المصالح المشتركة التي يمكن الاستفادة منها في تدعيم هذه العلاقات.

فالمملكة العربية السعودية قد تحولت اليوم في ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز والدماء الشابة التي تقف وراءه إلى دولة محورية في المنطقة لها توجهاتها وطموحاتها، خاصة بعد أن طفت وبرزت التوجهات المذهبية في المنطقة، وتداخلت مع الصراع السياسي بينها وبين إيران. ويمكن القول إن المملكة قد دخلت في الوقت الراهن إلى مرحلة تقييم تحالفاتها في المنطقة، لاسيما بعد أن فوجئت بمواقف بعض الأطراف العربية والإسلامية إزاء سياستها تجاه إيران، وهي بصدد إعادة النظر في علاقاتها مع تلك الأطراف. وليست مصادفة أن يتزامن فتح قنصليتها في أربيل مع قطع المنحة السعودية عن لبنان، ومع تداعيات الموقف المصري حول التدخل البري في سورية؛ فالمملكة ترى في كردستان طرفا سياسيا مهماً في المعادلة العراقية التي تفتقر الآن إلى طرف سني مؤثر على القرار الحكومي تكون له القدرة على لعب دور مهم في رجحان كفة الميزان، بعد تشتُّت الأحزاب العربية السنية سواء داخل العملية السياسية أو خارجها، ناهيك عن الموقع الجغرافي المهم لكردستان الذي يحاذي إيران وسورية من جهتيه.

لقد حاول إقليم كردستان منذ بداية تشكيله في جعل الاقتصاد هو محور الارتكاز لإقامة علاقاته مع أي جهة إقليمية أو دولية، ولا شك أن المملكة تمثل له مدخلا مهما على المزيد من هذه الدول، وحلقة وصل قد يتمكن من خلالها من جذب العديد من الشركات والكثير من رؤوس الأموال، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم.

إضافة إلى إمكانية استقطاب الدول الخليجية للسياحة في كردستان كبديل للسياحة في سورية ولبنان اللذين كانت السياحة الخليجية تمثل عصب اقتصادهما. وهذا يمثل منفذاً جديداً للاستثمار يمكِّن حكومة الإقليم من الحصول على واردات تساوي الواردات النفطية.

أما من الناحية السياسية فقد لا يكون لكردستان مساحة واسعة للاستفادة من علاقاته مع المملكة العربية السعودية سياسيا، ما عدا التعامل معها كورقة ضغط على الجانب الإيراني في بعض القضايا التي تتعلق بعلاقة أربيل مع بغداد والتأثير الإيراني على أطراف في الحكومة العراقية، مع الأخذ بالاعتبار عدم الانجراف بشكل كامل في الصراع بين السعودية وإيران، لقدرة إيران في التأثير على الوضع الداخلي الكردستاني من خلال بعض الأطراف السياسية في كردستان والتي تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران.

وهكذا، فإن تعقيدات الوضع الإقليمي وتشابك المواقف فيه لا تمنع وجود مصالح بين أطرافها، وليس بالضرورة أن تكون هذه المصالح متماثلة أو على نفس المستوى من التأثير. والشيء الثابت والوحيد هنا هو وجود حقائق لا يمكن التغافل عنها، تفرض نفسها بإلحاح كل مرة مهما حاولنا تجاهلها في ظروف معينة، لاسيما ما يتعلق بالجغرافية والتاريخ، فالحقيقة الجغرافية ومسار الحدث التاريخي تضعنا بدورها أمام حقيقة أخرى لا مهرب منها وهي أن الشعبين الكردي والعربي يمثلان جوارا تاريخيا وجغرافيا أكثر من بقية شعوب المنطقة فيما يتعلق بتماس العدد السكاني بينهما، ما يفرض عليهما إيجاد قواسم مشتركة لاستثمار هذا الجوار لما فيه مصلحة الطرفين وسط منطقة صراع حقيقية غلبت فيها لغة السلاح وجعجعته على لغة التلاقي والحوار، وهذا ما يمكن استثماره مستقبلاً من العلاقة بين كردستان والمملكة العربية السعودية.

* (كردستان العراق – دهوك)

back to top