«أنا أو الفوضى»... رؤساء بالمصادفة *

نشر في 11-03-2016
آخر تحديث 11-03-2016 | 00:01
 د. محمد لطفـي "أنا أو الفوضى" عبارة يرددها الحاكم لترهيب شعبه وتخويفه مما يمكن أن يحدث بعد رحيله، ويسعى من خلالها إلى إجبار شعبه على القبول به حاكما أبديا، وبعيدا عن أن هذه العبارة تعني ضمنيا أن الحاكم هو من يخلق الفوضى ويتسبب فيها، وبالتالي يمكنه منعها أو إطلاقها حسبما شاء، أصبحت الشعوب لا تقتنع بها ولا تخاف منها.

كما يردد مؤيدو الأنظمة الدكتاتورية ومنظروها العبارة بأسلوب آخر، فتجدهم يتساءلون بسخرية عمن يمكن أن يملأ الفراغ بعد رحيل حاكمهم المطلق "يعني لو رحل مين يحكم؟"، وكأنه "ما في البلد إلا هالولد"، كما يقول المثل، فلا يستطيع الحكم سوى هذا الحاكم الفذ "السوبرمان"، وهذه الثقافة الثنائية السياسية لا يقبلها أحد، فلم تعد الشعوب تقبل بالدكتاتور الفاشل الظالم خوفا من الفوضى أو لعدم وجود غيره كما يروج مريدوه.

بمراجعة سريعة لرؤساء مصر في الـ50 عاما الأخيرة، نجد أنهم جميعا جاؤوا "بالمصادفة"! ففي صباح 28 سبتمبر 1970 لم يكن أحد يتوقع أو يتخيل أن يستطيع شخص غير جمال عبدالناصر حكم مصر، وبعد ساعات رحل وتولى السادات الحكم، وكما هو معروف كان عمر عبدالناصر آنذاك 52 عاما وتوفي بأزمة قلبية مفاجئة أودت بحياته بعد المجهود المضني الذي بذله في حل الخلافات العربية، خصوصا بين الفلسطينيين والملك حسين، خلال مؤتمر القمة العربية، وبعد دقائق من وداعه لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الذي كان آخر المغادرين فاجأته الأزمة وانتقل إلى جوار ربه، وأصبح السادات، الذي عُين منذ شهور قليلة نائبا أول لرئيس الجمهورية، رئيسا لمصر، وقاد حرب أكتوبر المجيدة التي أعادت العزة والكرامة لمصر والعرب، ووقّع معاهدة كامب ديفيد ولُقِب "ببطل الحرب والسلام".

وفي ثوان عبثية ميلودرامية اغتيل السادات وسط فرحه واحتفاله بأعياد أكتوبر، وتولى مبارك الذي كانت أقصى أمانيه، كما قال بنفسه، أن يكون سفيرا لمصر في إحدى الدول الأوروبية الهادئة، واستمر في الحكم ثلاثين عاما، وقامت ثورة يناير العظيمة، واختفى مبارك، وتولى المجلس العسكري، ودعا للانتخابات الرئاسية، وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين عدم ترشيح أحد، ثم تراجعت وقدمت خيرت الشاطر ولما رُفِض ترشيحه تقدمت بمحمد مرسي بديلا له، ونجح مرسي بعد اختياره من الشعب لأول مرة يتم فيها اختيار ديمقراطي حقيقي لحاكم مصر، ثم حصل الانقلاب وتولى عدلي منصور، لأنه أقدم قضاة المحكمة الدستورية ورئيسها، رئاسة الجمهورية، ثم جاء السيسي الذي رُقي، قبل يوليو بشهور قليلة، من لواء إلى فريق فمشير.

وهكذا لم يكن أي من هؤلاء يعتقد أنه سيكون حاكما لمصر، على الأقل في الوقت الذي تولى فيه الحكم، ولكن الأحداث التاريخية والملابسات الشخصية هي فقط من ضمنت لهم الحكم.

لذلك فعبارة "أنا أو الفوضى" والسؤال الاستنكاري "يعني مين يحكم؟"، لا مكان لهما في الواقع السياسي، ويصبح ترديدهما أشبه بالأسطوانة التي لا جدوى منها، ويظل المعيار الأساسي في بقاء الحاكم أو رحيله هو قدرته على حل مشاكل شعبه وتحقيق آماله وطموحاته، فإن نجح استمر، وإن فشل فلا مكان له ولا معنى لوجوده وليرحل ولن ترهب الشعب عبارة "أنا أو الفوضى" أو سؤال "من يحكم"؟

* يتحرج البعض من ذكر عبارة "رئيس بالمصادفة" فيطلقون عليها "رئيس بالضرورة".

back to top