حصيلة مختلطة للفقاعة العمرانية في الصين

نشر في 19-03-2016
آخر تحديث 19-03-2016 | 00:01
No Image Caption
خلال الأشهر الستة الماضية، كشفت الحكومة الصينية عن سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى دعم سوق الإسكان الذي يستثني على وجه التحديد الأسواق الخمسة الأكثر غلاء في الصين، وهي بكين وكوانغزو وسانيا وشنغهاي وشنجن.
 إيكونوميست ارتفعت أسعار المنازل في المدن الصينية الكبرى ولكن التخمة أصابت معظم أنحاء البلاد.

وتحرص شنغهاي وهي المركز المالي للصين على تعقيد الأمور أمام الأشخاص من خارج المدينة الراغبين في شراء منازل فيها، ويحظر على غير المقيمين من العزاب شراء عقارات في شنغهاي التي ترحب بالمتزوجين شريطة أن يكونوا دافعي ضرائب محلية لسنتين وهم يشكلون حوالي ثلث عمليات الشراء النقدية.

أما شينيانغ، وهي أكبر مدن الشمال في الصين فهي اكثر ترحيباً بالمشترين، وفي وسع اي شخص شراء منزل هناك ولكن أسعار المنازل في شنغهاي تعادل 5 أضعاف مثيلاتها في شينيانغ، وقد ارتفعت بنسبة 20 في المئة خلال السنة الماضية، بينما انخفضت في المدينة الشمالية.

ويثير ذلك مشاعر قلق لدى الحكومة التي تريد تحفيز النمو من دون فقاعات تضخمية، والاختلاف بين أسعار المنازل في المدن الثرية والمناطق النائية مشكلة مألوفة في دول اخرى، ويتضح ذلك من خلال النظر الى الأسعار في لندن ولينكولنشير أو نيويورك ونبراسكا. ولكن الاختلافات تصبح أكثر جلاء في الصين، وفي المدن الصينية الأكثر ازدهاراً يستمر الارتفاع في أسعار المنازل فيما يستمر عدد الشقق المعروضة للبيع في الأسواق، والأكثر من ذلك ان عمليات التشييد والبناء كانت منذ زمن طويل واحدة من المحركات الأساسية للاقتصاد الصيني وكانت تشكل ما يصل الى ربع النمو في الناتج المحلي الاجمالي حتى وقت قريب، ويفضي ذلك الى اضفاء أهمية خاصة على رغبة حكومة بكين في تحقيق توازن صحيح في هذه العملية، ولكن القيام بهذا العمل برهن على قدر كبير من الصعوبة.

دعم سوق الإسكان

خلال الأشهر الستة الماضية، كشفت الحكومة عن سلسلة من الاجراءات الهادفة الى دعم سوق الاسكان الذي يستثني على وجه التحديد الأسواق الخمسة الأكثر غلاء في الصين، وهي: بكين وكوانغجو وسانيا وشنغهاي وشنجن، ويحتاج الناس الى دفع مقدم شراء يبلغ 20 في المئة فقط من الثمن بغية الحصول على رهن عقاري، وذلك باستثناء المناطق الخمس، حيث يتعين دفع 30 في المئة لتحقيق ذلك.

وللسبب نفسه تم تخفيض معظم ضرائب الصفقات في البلاد بما يصل إلى الثلثين بالنسبة الى الناس الذين يشترون منزلاً ثانياً بينما بقيت الضرائب من دون تغيير في الأسواق الخمسة المذكورة. وفي شنجن، وهي وجهة جنوبية للتقنية، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 53 في المئة في السنة الماضية وحدها وقد وعدت السلطات المحلية بملاحقة المضاربين وزيادة عدد المساكن المعتدلة السعر.

لكن نتائج هذا النظام الثنائي الجهد كانت ضعيفة حتى الآن، وينبع الزخم في المدن الكبرى من التيسيير الثابت في السياسة النقدية من قبل البنك المركزي خلال الـ 18 شهراً الماضية، وعلى الرغم من أن تلك السياسة ضرورية من منظور اقتصادي كان من المحتم أن تدفع معدلات الفائدة المتدنية أسعار الأصول الى الارتفاع بقوة.

وبشكل أولي انتهت معظم المبالغ التي ضختها البنوك في أسواق الأسهم، ولكن بعد الانهيار الذي شهدته تلك الأسواق في الصيف الماضي اعتبرت العقارات أحد الخيارات الأفضل في الصين (وقد جعلت الرقابة على رأس المال التي تم تشديدها في الآونة الأخيرة من الصعب على الموفر الصيني استثمار أمواله في الخارج).

وبالنسبة الى المضاربين على العقارات كانت التخمة جلية تماماً في المدن الصغيرة، ومن هذا المنطلق تحولوا بدلاً من ذلك الى المدن الضخمة. ويصف دو جينسونغ من بنك كريديه سويس ذلك على أنه أحد أشكال التفكير الجماعي ويقول: "كل شخص سواء من المستثمرين أو المطورين العقاريين أو صناع السياسة والمصرفيين يظن أن المدن الكبرى آمنة".

الأهداف الحكومية

وحتى مع محاولة الحكومة تقييد الزيادة في عدد المنازل فهي لا تريد القضاء على الزخم في المدن الكبرى بصورة تامة لأن من شأن ذلك التأثير على المشاعر في أماكن اخرى أيضاً، وتوجد مؤشرات على حدوث ذلك فقد ارتفعت أسعار المساكن على أساس شهري في المدن الكبرى قبل سنة، وفي المدن المتوسطة الحجم التي تعني في الصين المدن التي يبلغ عدد سكانها ما بين 5 ملايين الى 10 ملايين نسمة ارتفعت الأسعار في الأشهر الأربعة الأخيرة – وفي المدن الأصغر حجماً التي يبلغ عدد سكانها ما بين مليون الى 5 ملايين نسمة كانت المكاسب جلية فقط في الشهرين الماضيين.

وفي حال استمرار هذا المسار التصاعدي يظن بعض المستثمرين أنه سوف يعمل على تحسين عمليات البناء وقد شهدت أسعار السلع التي تستخدم في البناء مثل الحديد والنحاس تعافياً طفيفاً في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك بشكل جزئي الى الأمل في تحسن سوق العقار في الصين أيضاً.

وفي حقيقة الأمر فإن سلسلة من الدوائر الصغيرة في قطاع الاسكان الصيني خلال العقد الماضي اتبعت هذا النموذج، إذ أفضى الارتفاع في مبيعات المنازل الى عمليات بناء جديدة دفعت بدورها أسعار السلع الى الارتفاع.

وتظهر الأرقام التي نشرها المؤشر الاكاديمي في الصين الذي يوفر معلومات في هذا الشأن أن مخزون المنازل غير المبيعة قد تراجع في الآونة الأخيرة، ويقول ليانغ هونغ من بنك الاستثمار في الصين تشاينا انترناشنال كابيتال كورب إن "سوق الاسكان يشهد ارتفاعاً في الحجم والأسعار لا يدعم بوضوح وجهة النظر القائلة بوجود تخمة في سوق المنازل".

ولكن يوجد امداد واسع على وشك دخول السوق لأن المطورين العقاريين عمدوا الى ابطاء وتيرة عمليات البناء في السنوات الأخيرة كما توقفوا عن البناء بصورة تامة في بعض الحالات، وكان هناك 4.7 مليارات متر مربع من المنازل قيد الانشاء ولكنها ليست متوافرة للبيع في نهاية السنة الماضية بارتفاع بنسبة 25 في المئة عن أرقام نهاية سنة 2011، وكانت 452 مليون متر مربع من المنازل معروضة للبيع وهي تعادل ثلاث مرات معدلات نهاية سنة 2011.

وتعمل بعض الأقاليم والمدن على وضع خطط من أجل تحويل المنازل غير المبيعة إلى مساكن تحظى بمساعدات لتوفيرها إلى السكان الفقراء. ويقول الرئيس الصيني زي جنغبنغ إن خفض مخزون العقار يمثل "معركة إبادة" يتعين كسبها من أجل اعادة احياء الاقتصاد، وباختصار يمكن القول أن احياء الطلب على عمليات بناء جديدة لا يزال بعيداً جداً.

وطبعاً يعتبر الاستثناء في هذا السياق مدن الصين الكبرى، حيث يوجد تباين واضح بين العرض والطلب، وتشتهر شنجن وشنغهاي بشكل خاص بوجود شريحة الشبان والمتعلمين التي تدفع أسعار المنازل الى الارتفاع، وتوفر هاتان المدينتان وسائل نقل جيدة وفرص عمل لائقة وضمن المقاييس الصينية مستويات هواء جيدة، ويغطي مخزون المنازل غير المبيعة حوالي خمسة أشهر من الطلب عند وتيرة المبيعات الراهنة، ما يشير الى ضرورة القيام بمزيد من عمليات البناء في المستقبل.

ولكن حتى مع هذه الجوانب الأساسية القوية يصعب تبرير الارتفاع الذي بلغ 50 في المئة في أسعار المنازل خلال السنة الماضية، وتظن السلطات التنظيمية أن هناك نوعاً من السلوك غير الأخلاقي في العملية. وقالت تلك السلطات في الأسبوع الماضي إنها سوف تستهدف مؤسسات الاقراض "اون لاين" التي قدمت قروضاً الى مشتري المنازل من أجل تغطية دفعاتهم الأولى، ومن الوجهة النظرية فإن تلك القروض سمحت للمضاربين بشراء منازل بمبالغ القرض بصورة تامة، وبشكل يخالف متطلبات الحد الأدنى من الدفعة الأولى.

ولكن التحكم في النزعة الجامحة الى الجشع مسألة صعبة، وفي مركز "بوشان" للتداول العقاري يتعين على المشتري في مقاطعة تقع في شمال شنغهاي تسجيل عملية الشراء، وقد شهد المكان ازدحاماً دفع الحكومة المحلية إلى نشر قوة من الشرطة لحفظ النظام، وقد اشترى أحد المواطنين الصينيين شقة جديدة في شهر اكتوبر بقيمة 307000 دولار ثم ارتفع ثمنها بمعدل 50 في المئة منذ ذلك الوقت.

back to top