حكومة التكنوقراط... محاولة جديدة لترسيخ دكتاتورية الطائفة

نشر في 20-02-2016
آخر تحديث 20-02-2016 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر تزامناً مع تحرير معظم المناطق العراقية من احتلال "داعش"، يجري الآن في بغداد الحديث عن تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية مهامها إخراج البلد من الأزمات المتلاحقة التي يعانيها منذ 2003 حتى يومنا هذا.  ورغم أن أغلب الكتل السياسية العراقية أبدت موافقتها على هذا التوجه بشكل عام، فإن تلك الموافقات لم تخلُ من ملاحظات حول التفاصيل. ويبدو أن توقيت هذه المحاولة لم يأت من فراغ، بل له أبعاد سياسية تتعلق بالصراع المحتدم في المنطقة الآن بين الأطراف الإقليمية (السنية والشيعية)، ومحاولة استباقية من قبل الأحزاب الشيعية للاستحواذ على العملية السياسية لمرحلة ما بعد "داعش".  وما يجعل الآخرين يشككون في النوايا السياسية لهذا التوجه هو توقيته وكيفية طرحه، فالظروف التي يمر بها العراق من وجود "داعش" والتشتت السياسي للكتل العراقية وتغيير التوجهات السياسية للكثير من المكونات، وخاصة للمكون السني، وبروز ميليشيات شيعية كقوة مسلحة رئيسية في البلد، إضافة إلى تطورات الوضع الإقليمي، تجعل من وجود رئيس وزراء شيعي يترأس حكومة كفاءات غير حزبية، ويتحرك وفق توجهات التحالف الوطني الذي تحول إلى مؤسسة تصنع القرار، ترسيخاً كاملاً لدكتاتورية الطائفة، لاسيما أن المؤسسة العسكرية والحكومية حالياً خالية من أي وجود سني أو كردي فعال ومؤثر، والتواجد الكردي والسني العربي في البرلمان لا يعطيهما القوة الكافية للوقوف ضد توجهات الكتلة الشيعية فيه.

ولذلك نقول: إن كان السيد حيدر العبادي والتحالف الوطني الذي ينتمي إليه صادقين في نواياهما فإن عليهما تهيئة أرضية مناسبة لحكومة الكفاءات غير الحزبية هذه، لا القفز على خطوات يجب دراستها لإنجاح هذه الحكومة، ومن بين هذه الخطوات:

1- إيجاد حل جذري لأكبر تحدٍّ يمكن أن يواجه أي حكومة كفاءات غير حزبية، وهي الميليشيات الشيعية، التي استطاعت التغلغل بكل مفاصل الحياة منذ 2005، والتي تحولت بعد تشكيل الحشد الشعبي إلى قوة عسكرية تفوق قوة المؤسسة العسكرية العراقية، وسيطرت على الوضع الأمني بشكل كامل. فإذا كان هذا هو الحال في ظل حكومة حزبية، فكيف يمكن تصور نفوذها في ظل حكومة تكنوقراط لا ينتمي أعضاؤها إلى أي حزب، وكيف ستتحكم هذه الميليشيات في قرارات الحكومة وتفرض سيطرتها عليها؟  لذلك فقبل الحديث عن أي حكومة تكنوقراط يجب البحث عن إجراءات تحيّد هذه الميليشيات وتنهي سيطرتها الأمنية على البلد. إن الحديث عن دمج هذه الميليشيات في الجيش العراقي لا يعني القضاء عليها بقدر ما يعني القضاء على الجيش العراقي وتحويله إلى ميليشيات تحت نفوذ الزعامات الشيعية، وإذا أريد حل هذه الميليشيات بشكل جاد وإزالة تأثيرها، فمن الضروري تحييد زعاماتها وقاداتها بمحاكمتها، خاصة أنها متهمة بارتكابها جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.

2- كما أسلفنا فإن هناك إشكالية في توقيت هذا التوجه، خاصة في الظروف الراهنة للمنطقة والتي تشهد استقطابات مذهبية إقليمية سوف تؤثر على الداخل العراقي أكثر من أي دولة أخرى، وتجعل لمحاولات ترسيخ دكتاتورية الطائفة نتائج كارثية على الوضع العراقي بشكل عام. وعليه فالواجب على المكونين الكردي والسني العربي الإصرار على الدخول فيما يمكن تسميته بالجمهورية الثالثة، التي تستوجب إعادة النظر في الكثير من فقرات الدستور من خلال مراعاة النقاط التالية: -

• العمل على تثبيت مبدأ الفدراليات في العراق بإقامة الفدرالية السنية والشيعية جنبا إلى جنب مع الفدرالية الكردية القائمة، كي تضمن المكونات حقوقها وتكون حكومة التكنوقراط نقطة التقاء هذه المكونات في إدارة البلد.

• الإبقاء على مبدأ المحاصصة للرئاسات الثلاث بشرط توزيع الصلاحيات الممنوحة حاليا لرئيس الوزراء على رئاستي الجمهورية والبرلمان.

• تشكيل مجلس أعيان أو شيوخ يتكون من رؤساء الأحزاب الكبيرة، تحول إليه القرارات المصيرية للدولة بغية تصديقها، مما سيبدد المخاوف المستقبلية لأي مكون.

• توزيع صلاحيات العاصمة بغداد بين عواصم الفدراليات الثلاث وعدم تمركز مؤسسات الدولة كلها في بغداد، منعا لاستفراد أي مكون بقرارات الدولة.

• إعادة تركيبة الجيش العراقي وإعادة التوازن المذهبي والقومي فيه بعد أن حاولت الحكومات السابقة إقصاء مكونات معينة منه.

* (كردستان العراق – دهوك)

back to top