مخطّطات أنقرة هل تواكب تصعيد سورية؟

نشر في 02-03-2016
آخر تحديث 02-03-2016 | 00:01
 المونيتور تحاول قوّات بشار الأسد، المدعومة من الطائرات الحربية الروسية، بسط سيطرتها على معابر التموين الرئيسة بين تركيا وحلب، إذ وجهت أنقرة أصابع الاتهام إلى وحدات حماية الشعب الكردية واصفةً إيّاها بالمنظمة الإرهابية بسبب علاقتها الوطيدة بحزب العمّال الكردستاني وامتداد مقاطعة عفرين، العائدة إليها، في غرب إقليم كردستان شمال غرب حلب.

وسط موجة الأحداث هذه، لا بدّ من تسليط الضوء على بعض المجريات، أوّلها تقدّم وحدات حماية الشعب شرقاً، حيث أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أغلو أنّ تركيا لن تسمح بسقوط مدينة أعزاز السورية، إلّا أنّ وحدات حماية الشعب اقتحمت مدينة تل رفعت الواقعة جنوب منطقة أعزاز بدعم جويّ روسي للمرة الأولى.  وسيطرت قوّات سورية الديمقراطية التي تتزعمّها وحدات حماية الشعب على خطّ جرابلس ممارسةً الضغط من الجهتين الشرقية والغربية على معقل تنظيم الدولة الإسلامية في الرقّة، وبصورة غير مسبوقة تتلقى وحدات حماية الشعب دعماً جوّياً من الولايات المتحدة شرقاً ومن روسيا غرباً.

على وحدات حماية الشعب أن تتخّذ اليوم قراراً مهمّاً: هل تواصل تلقّي الدعم من روسيا أو من الولايات المتحدة؟ سؤالٌ بالغ الأهمية، لأنّها إذا قرّرت التعاون مع روسيا فستتمكّن من توسيع رقعة مقاطعة عفرين شرقاً وضمّها إلى مقاطعتين كرديتين أخريين، كوباني والجزيرة، ممّا يؤدي إلى إنشاء ممرّ كردي بين تركيا وسورية ذات الأغلبية السنيّة.

بدل أن تتوسّع وحدات حماية الشعب على المحور الشرقي-الغربي تحت الوصاية الأميركية، يمكنها أن تصبّ اهتمامها على معقل "داعش" في الرقّة.

يعتبر مسؤولون في أنقرة أنّ محاولة وحدات حماية الشعب التعاون مع كلّ من الولايات المتحدة وروسيا في آن، خطوة تكتيكيّة لن تدوم طويلاً، ولا بدّ لهذه الوحدات من تبرير موقفها تجاه ما يحصل.

تظنّ أنقرة أنّ ثمة طريقتين لعودتها إلى الميدان السوري، الذي سبق أن طُردت منه عندما قصفت طائرة تركية من نوع “F16” طائرة حربية روسية من نوع “Su-24” في 24 نوفمبر: تتمثّل الأولى بـ"سلاح طيران سنّي ضدّ داعش". إذا تمكّنت أنقرة من إقناع الولايات المتحدة، فسوف تستخدم هذا السلاح السنّي داخل سورية بمشاركة السعودية وقطر، حيث يتدرّب طيّارون أتراك حالياً على ست طائرات عسكرية سعودية من طراز “F-15s” في المركز التركي للتدريب على القتال الجويّ بقونيا.

الوسيلة الأخرى التي تستخدمها أنقرة للتأثير على مجرى الأحداث في سورية هي مدافع "هاوتزر" (155 مدفعاً) التي نشرتها تركيا على الحدود قرب مدينة كلس، إذ باستطاعة هذه المدافع أن تصل، بسهولة تامّة، إلى منطقتي أعزاز ومارِيا اللتين تبعدان 10 أميال عن الحدود، وتخطّط أنقرة لنشر مزيد من بطاريات "هاوتزر" على طول الخط الحدودي الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في كوباني وتل أبيض وقامشلي، ممّا يمنحها تغطية مدفعية بطول 25 ميلاً داخل الأراضي السورية، غير أنّ دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تركيا إلى وقف القصف المدفعي داخل سورية قد يخلّ بهذه خطّة. لم يتخذّ المجلس قراراً رسمياً في هذا الصدد، فهل تُواصل أنقرة عمليّات القصف؟ سيسبّب ذلك جدلاً فعليّاً بالتأكيد.

بينما تجري الأحداث في سورية بوتيرة سريعة، تجد أنقرة نفسها غير مجهّزة وتحاول مجاراة التطوّرات التي أدركتها متأخرة، وتنسب أنقرة والوسط الإعلامي الداعم لها هذا النقص في الجاهزيّة إلى "الحيل" التي تستخدمها القوى العالمية أو معاونيها في تركيا.

يتساءل البعض لمَ لا تقيّم تركيا التطوّرات الميدانية في سورية بدقّة وحكمة؟ يبدو أنّ ثمة ثلاثة عيوب أساسية:

العيب الأوّل هو التعامل مع سورية على أنّها سلعة تركية للاستهلاك المحلي، فيفضّل صنّاع القرار الأتراك الحضور شخصياً إلى الاحتفالات الرسمية والتجمعّات العامّة، وفي نيّة هؤلاء تفادي مناقشة التطورّات الميدانية والحرص على رسم صورة النصر في عقول الناخبين الأتراك.  

العيب الثاني فيما يتعلّق بعدم تمكن أنقرة من تقييم الحقائق في سورية بصورة حقيقية وإظهار المرونة اللازمة، ميل المسؤولين والأوساط الفكرية والأكاديمية إلى التصريح بما يجب أن يكون عليه الوضع من وجهة نظرهم بدلاً من عرض الوقائع كما هي.

العيب الثالث يتمثل بنظرة أنقرة إلى نظام الأسد، ويبدو أنّها غير قادرة على التخلّص من الإزعاج الذي يسبّبه هذا النظام لها.

كيف يقيّم خبراء عسكريون أتراك، طلبوا عدم ذكر اسمهم، الوضع الراهن المعقّد؟

يقولون: تتقدّم وحدات حماية الشعب بسرعة كبيرة وستلحق الهزيمة قريباً في صفوف "داعش"، وحين تنتهي المعارك بينها وبين "داعش"، لن تتمكّن تركيا من إطلاق النيران المدفعية عليها.

ماذا بعد ذلك؟

ميتين غوركان Metin Gurcan

back to top