لا تحكم على المخاط من لونه
أتى أحد أصدقائي في يوم على ذكر أمر بطريقة عفوية. قال: {عندما أنظّف أنفي بالمنديل، أرى مخاطاً أخضر، لذا استشرت طبيبي ليصف لي بعض المضادات الحيوية}.كنت أعتقد أن هذه الفكرة الخاطئة لم تعد رائجة منذ وقت طويل. في الواقع، ثبُت أنه لا يمكن الاعتماد على لون الإفرازات الأنفية أو نوعها للتمييز بين التهابات الجيوب الأنفية الفيروسية وتلك الجرثومية، أو حتى معرفة ما إذا كنت أساساً تعاني التهاباً. الحساسيات الموسمية هي خير مثال على ذلك، إذ يمكنها أن تسبّب أنواع الإفرازات الأنفية كافة، الكثيفة أو الخفيفة، الصفراء أو الخضراء، أو حتى الشفافة، في حين لا يعاني المريض التهاباً على الإطلاق. لماذا المخاط تحديداً؟
قبل التطرّق إلى السبب الكامن في اللون الأخضر لإفرازات صديقي الأنفية، يجدر بنا التفكير قليلاً بسبب فرز المخاط أولاً.يُفرز المخاط بكميات هائلة في الأنف والجيوب الأنفية تعادل ليتراً أو أكثر يومياً! وتقف أسباب عدة وراء ذلك، بما فيها:• الترطيب: يمكن اعتبار المخاط مرطّباً خاصاً بالجسم، يتواجد على أنسجة داخله، على غرار إفرازات الأنف والجيوب الأنفية والفم، ويحتكّ بعناصر خارجية. هذه الأنسجة الإفرازية، التي تُسمى أيضاً {الغشاء المخاطي}، تميل إلى الجفاف والتشقّق في حال لم تكن رطبة كثيراً. لذلك، يضطلع المخاط بدور مهم في الحفاظ على سلامة هذه الأنسجة.• الحماية: يتميّز المخاط بسماكته ولزاجته، لذا هو قادر على حصر الغبار أو الجراثيم أو غيرها من عناصر غير مرغوبة تتنقّل في بيئتنا ويمنعها من دخول الجسم.• الوقاية: يحتوي المخاط أيضاً على عناصر من جهاز المناعة (على غرار خلايا الدم البيضاء والأجسام المضادة) التي تقتل أي أجسام ضارة تتعرّض لها.قد تبرز وظائف أخرى للمخاط لم يتم اكتشافها بعد. وفي ظل الظروف العادية، بالكاد نلاحظ وجوده. وعندما نلاحظه، غالباً ما نعتبره مثيراً للاشمئزاز أو مزعجاً، حتى عندما تزداد كميته أو يتغيّر لونه لأنه يقوم بدوره فحسب (كما هي حال الحساسيات أو الالتهابات). ويمكن القول إنه نظراً إلى وظائفه المفيدة كافة، لا يحظى المخاط بالامتنان الذي يستحقه.سماكة واخضرارلمَ يكون المخاط أحياناً سميكاً وأخضر؟ عندما تصطدم خلايا الدم البيضاء في المخاط بجسم ضار أو مسبّب للالتهاب، تردّ من خلال إنتاج إنزيمات لصدّ تلك الأجسام. وتحتوي الإنزيمات على الحديد، ما يمنح الإفرازات الأنفية لوناً أخضر. وفي حال لم يتحرّك المخاط (كما أثناء النوم)، يصبح أكثر تركيزاً وبالتالي قد يبدو أصفر أو أخضر، أي أكثر قتامةً. إنه نظام الردّ الطبيعي سواء كان الجسم الغريب فيروساً (السبب الأكثر شيوعاً لالتهاب الجيوب الأنفية) أو جرثومة. ولكن لماذا يصف الطبيب المضادات الحيوية لمعالجة المخاط الأخضر؟ من المفيد جداً طرح هذا السؤال. فإذا كانت التهابات الجيوب الأنفية فيروسية بمعظمها، وتجدر الإشارة إلى أن الالتهابات الفيروسية لا تُعالج بالمضادات الحيوية، من غير المنطقي أن نتلقى علاجاً بالمضادات الحيوية في كل مرة نفرز مخاطاً أخضر وسميكاً. غير أن بعض المرضى يطلب ذلك، ولا يزال الكثير من الأطباء يصفونه للعلاج. ولكان تحقّق على الأرجح التحسّن الذي يلي العلاج بالمضادات الحيوية من دون اللجوء إليها حتى. رغم ذلك، تؤدي هذه التطورات المتسلسلة إلى ترسيخ الفكرة القاضية بأن المضادات الحيوية ضرورية.من جهة أخرى، يفرض بعض الحالات أخذ المضادات الحيوية بعين الاعتبار. على سبيل المثال، قد تكون الاستعانة بالمضادات الحيوية ممكنة في الحالات التالية:• استمرار الالتهاب لأكثر من 10 أيام، أو ازدياده سوءاً بعد مرور أسبوع.• إفرازات سميكة وبيضاء بشكل متجانس (أي عندما تشبه القيح).• ارتفاع الحرارة على نحو متواصل من دون تسجيل أيّ تحسّن.• ظهور أعراض خطيرة لا تستجيب للأدوية العادية التي تعالج الجيوب الأنفية والزكام.وتختلف كل حالة عن الأخرى. لذلك، استشر طبيبك إذا شعرت بأعراض الجيوب الأنفية التي تدفعك إلى الاعتقاد بأنك قد تحتاج إلى المضادات الحيوية.في الختام، يمكن الاستنتاج أنك إذا كنت معرّضاً لالتهابات الجيوب الأنفية أو إفرازاتها المزعجة، لا تنسَ أنه:1. يتمّ التقليل من أهمية دور المخاط.2. معظم أعراض التهاب الجيوب الأنفية تُعزى إلى التهابات فيروسية أو حساسيات، وليس إلى الالتهابات الجرثومية.وما كان ينبغي على صديقي أن يترقّب وصف المضادات الحيوية لمجرد أن مخاطه سميك وأخضر. فعلى الأرجح أنه، إذا لجأ إلى المضادات الحيوية وتعافى، لم يكن للأمريْن أي علاقة تربطهما.* روبرت شميرلينغ