هوامش عن إلغاء الرق في زنجبار

نشر في 28-01-2016
آخر تحديث 28-01-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر ما حقائق دور تجار الرق الخليجيين وعرب شمال إفريقيا، وتجار الهند وبلاد فارس والأفارقة أنفسهم؟ وما الدور الذي قام به هؤلاء التجار؟ وما العون الذي تلقوه من زعماء القبائل الإفريقية وقبائل شمال إفريقيا؟ وهل قصة الرق في الساحل الإفريقي الشرقي مماثلة للساحل الغربي؟ وما انكشف من تفاصيلها في القصص والأفلام الأميركية؟

هذه بعض الأسئلة التي تثيرها في الذهن بعض أبحاث أ. د. بنيان تركي في كتابيه "الكويت وإفريقيا" و"زنجبار وجوارها الإفريقي".

ورغم ما أظهرته بحوث د. تركي من جوانب تلك التجارة المشينة، فإن علاقة التجار العرب والفرس والأفارقة والأوروبيين بالرق لا تزال بحاجة إلى بحوث صريحة، إذ يشعر القارئ في هذا المجال أننا لا نستطيع البوح بكل جوانب هذه التجارة، فما علاقة هؤلاء التجار مثلاً بعمليات إخصاء الرقيق وشحنهم إلى القصور العثمانية والمصرية والفارسية والهندية وغيرها؟

وكيف كان يتم التحايل على القوانين التي حرمت تجارته في بريطانيا عام 1807، وفي أميركا 1808، وظل مستمراً في بعض الدول الخليجية حتى أُلغي رسمياً عام 1962، واستمر في دول عربية أخرى حتى عهد قريب! ولعل من أهم بحوث الكتابين دراسة للباحث بعنوان "إلغاء الصفة القانونية للرق في سلطنة زنجبار العربية 1897".

تقول الموسوعة البريطانية إن تجارة الرق في العصور الحديث قد بدأت ربما عام 1442، عندما كان البرتغاليون تحت قيادة "هنري الملاح" منهمكين في استكشاف السواحل الغربية لإفريقيا، وكان أحد الضباط على السفينة، ويدعى "أنتام غونغالفس" Goncalves قد أسر بعض المغاربة، فطلب منه الأمير إعادتهم إلى إفريقيا غير أن "غونغالفس" تلقى في المقاربة من المغاربة عشرة من الأفارقة السود وكمية من برادة الذهب! وهكذا انفتحت شهية البرتغاليين لهذه التجارة  اللا إنسانية، وقاموا ببناء السفن الضخمة لحمل العبيد، وكذلك توسعوا في إنشاء القلاع والحصون على الساحل الإفريقي، وانهمك البرتغاليون والإسبان في هذه التجارة عبر الأطلسي، التي سرعان ما شارك فيها الإنكليز والفرنسيون وغيرهم، فتم نقل مئات الألوف من الأفارقة إلى جزر ومناطق الأميركتين.

حاول الفرنسيون تنظيم هذه التجارة أو الحد منها بموجب قانون 1685 Code Noir  في عهد لويس الرابع عشر غير أن تجارة الرق وملاك الإقطاعيات الزراعية في الجزر الأميركية تجاهلوا القانون.

ويقول د. تركي إن الثورة الفرنسية أصدرت القانون المتعلق بإلغاء الرق سنة 1791 في المستعمرات الفرنسية "وفي الميدان الاقتصادي دعا أبرز علماء الاقتصاد أمثال "آدم سميث" و"جون ستيوارت مل"، وغيرهم إلى تحرير الرقيق، وهؤلاء العلماء بنوا دعوتهم على فكرة العلاقة بين الحرية والإنتاج، الحرية تعطي الاستقرار، والاستقرار يعطي إنتاجا أكثر".

ونجحت الحكومة البريطانية بعد جهد في إقناع السيد سعيد بن سلطان البوسعيد بتوقيع معاهدة إلغاء تجارة الرق في زنجبار مع السلطان وحلفائه في الأعوام 1822 و1839 و1845 و1873 وفي عام 1890 آلت جميع أمور السلطنة إلى القنصل البريطاني والإدارة البريطانية، وأصبح حكام زنجبار من آل بوسعيد لا حول لهم ولا قوة، وصدر مرسوم جديد بإلغاء الرق ابتداء من أول أغسطس 1890.

 يقول د. تركي: "وقد نص المرسوم على تحريم تبادل أو شراء أو بيع الأرقاء مع إغلاق جميع بيوت سماسرة الرق، وفي حالة وفاة مالك الرقيق الذي لا ولد له يتم تحرير أرقائه، كما يعاقب المالك الذي يسيء معاملة رقيقه، وفي حالة استعمال المالك للقوة والوحشية ضد رقيق فعقابه تحرير رقيقه، كما منح المرسوم الأرقاء حق تقديم تظلمات إلى القاضي كالأحرار، والتحريم على الهنود من رعايا بريطانيا التعامل مع مالكي الرقيق، وأخيرا حرم المرسوم على الأرقاء المحررين امتلاك الرقيق". (زنجبار وجوارها الإفريقي، ص13-14).

كانت الزراعة في زنجبار وبالذات زراعة القرنفل تعد دعامة الاقتصاد الوطني، وكانت زنجبار، يضيف د. تركي، "تكاد تحتكر إنتاجه وتصديره".

ويقول د. تركي إن الإدارة البريطانية كانت تحرص على حماية مصالحها ومصالح التجار الأوروبيين ورعاياها الهنود، ولم تكن تهتم بمصالح الأرقاء وملاك الأراضي العرب، ويرى الباحث مع "سالمة بنت سعيد بن سلطان" في كتابها "مذكرات أميرة عربية" أن أهداف بريطانيا من محاربة الرق وتجارته لم تكن بدوافع إنسانية بحتة، بل كانت "مجرد دجل".

ويصعب على كل من يقرأ تاريخ حركة محاربة الرق البريطانية وامتداداتها الأوروبية والأميركية أن يعتبرها "مجرد دجل"، فقد كانت حركة إصلاحية ضخمة اصطدمت بمصالح إنكليزية ودولية، ونجمت عنها حرب أهلية في الولايات المتحدة، واجتذبت الحركة إلى صفوفها الكثير من المسيحيين المتدينين والمصلحين الاجتماعيين والمثقفين الإنسانيين، فلا ينبغي والحال هذه أن نحلل أوضاع زنجبار من زاوية معارضي هذه الحركة الإصلاحية، كما أن الإدارة البريطانية، كما هو وارد في بحث د. تركي، لم تكن قادرة على فرض ما تريد في زنجبار.

 يقول د. تركي مثلا: "كانت الإدارة البريطانية على معرفة بأن تربة زنجبار صالحة لأنواع عديدة من المحاصيل الزراعية، ومن أهم أنواع المحاصيل التي كانت في ذهن المسؤولين البريطانيين في زنجبار الأرز والسكر وزيت النخيل، وكانت تلك المحاصيل في السابق تزرع في أراضيها". ورغم هذا لم يكن من السهل على الإنكليز إقناع المزارعين بزراعة مثل هذه المحاصيل.

يضيف الباحث: "وكانت الإدارة البريطانية تدرك صعوبة تحقيق هدفها بإدخال محاصيل زراعية جديدة: أولاً، لأن العرب محافظون وتقليديون متمسكون بتقاليدهم الزراعية الموروثة، ومن الصعب إقناعهم بآراء وأفكار جديدة، وثانيا كانت أوضاعهم الاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، إذ كانوا في حاجة للأموال لتنفق على العمال المؤقتين القادمين من البر الإفريقي، ولتمويل مشاريعهم الزراعية، وقد كان لتراخي العرب من أصحاب الإقطاعيات الكبيرة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية لتعزيز وضعهم المتدهور، وتدني أسعار القرنفل أثره في وقوع العرب تحت رحمة المرابين من الهنود، وبالذات "البانيان" المعروفون بتقاضيهم للفوائد العالية، ما جعل أصحاب الأراضي يغرقون في الديون يوما بعد يوم لآخر ويحولون ملكية الكثير من أراضيهم للهنود كسداد للديون.

ولقد اتضح أن تدابير الإدارة البريطانية لإدخال محاصيل جديدة كانت تعني إثقال كاهل ملاك الأراضي العربية الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الدين بأعباء جديدة لا يستطيعون تحملها دون مساعدات ضخمة من الإدارة البريطانية" (ص 16-17).

كان لإلغاء الصفة القانونية للرق في زنجبار تأثير واضح، ويقول الباحث إن الإدارة البريطانية لم تكن ترغب في كسر شوكة العرب الاقتصادية والاجتماعية، كما كسرت شوكتهم السياسية، ويستعين هنا بما يقوله "سعد المغيري" في كتابه "جهينة الأخبار": "إن حالة العرب بعد تحرير الرقيق سقطت إلى الحضيض لأن ذلك السلطان وتلك الأوامر والنواهي قد فارقتهم من جهة تحرير الرقيق، وأن الأرض التي كانت تدر لهم المنافع وأسباب المعيشة قد اضمحلت".

وتتحدث بعض المراجع عن ثراء وقوة بعض الشخصيات العربية إلى جانب نفوذها القبلي في زنجبار. يقول د. سلطان بن محمد القاسمي: "إن القبيلة العربية الرئيسة المقيمة في زنجبار هي قبيلة الحرث، ويمتلك أفراد هذه القبيلة مزارع وأراضي واسعة، والعديد من العبيد، وهم أقدم من استوطن أرض الجزيرة من العرب، يتزعم هذه القبيلة شخص يدعى عبدالله بن سالم الحارثي، وهو رجل يمتلك ثروة ضخمة من الأراضي والسفن، ويملك نحو ألف وخمسمئة عبد جميعهم مسلحون". (تقسيم الإمبراطورية العمانية (1856-1862-القاهرة 1995- ص99).

راعت السلطات البريطانية كذلك جانبا مهما من تقاليد وموروثات المجتمعات العربية في مسألة الرق، فلم تقم بتحرير "النساء المحظيات" في العائلات العربية.

يقول د. تركي: "والإدارة البريطانية في زنجبار كانت تدعي أن تحرير المحظيات والذي كان مطلبا رئيسا من مطالب جمعية محاربة الرق في لندن والجمعيات التبشيرية العاملة في زنجبار من الممكن أن يؤدي إلى اضطراب التنظيم الاجتماعي وإثارة معارضة شديدة للإدارة البريطانية، كما كانت الإدارة تدعي أن التعرض لوضع المحظيات اللاتي هن بالنسبة إلى العرب أمهات وزوجات ومتاع من الممكن أن تكون له عواقب وخيمة، وأن يتطور إلى مواجهة مع الإدارة البريطانية، مستغلة ما جاء على لسان سلطان زنجبار السيد حمود بن محمد (1896-1902) من أن العرب كانوا "يؤثرون الموت" على الإذعان لتلك الإجراءات، مما حدا بالإدارة البريطانية إلى اللجوء إلى أسلوب المناورة والدهاء في تعاملها مع هذه القضية، إذ إنها من جهة كانت تشير إلى الرغبة في تحرير المحظيات لكنها من جهة أخرى كانت ترى أن مصلحتها تقتضي في ذلك الوقت على الأقل عدم التعرض لوضع المحظيات". (ص20- 21).

ولننظر الآن في بعض تفاصيل تطبيق هذا القانون في زنجبار بعد صدوره واعتماده من السلطان في أغسطس 1890.

back to top