القوباء... أسبابها وعلاجها
القوباء عدوى جلديّة تسببها جراثيم المُكوّرات العُنقوديّة، أو العُنقوديّات، كذلك جراثيم المُكوّرات العُقديّة، أو العُقديّات أحياناً. القوباء أكثر شُيوعاً بين الأطفال من عمر سنتين حتى ست سنوات. تبدأ عادةً عندما تدخلُ الجراثيم في شق في الجلد، مثل جرح أو خدش أو لدغة حشرة. تبدأ الأعراض بقروح حمراء أو شبيهة بالبثرات مُحاطة بجلد أحمر. يمكن أن تتواجد تلك القروح في أيّ مكان، وتصيب عادةً الوجه والذراعين والرجلين، ثم تمتلئ بالقيح، وتنفتح بعد أيّام قليلة لتشكّل جُلبة سميكة. القوباء غالباً حاكّة، وقد يتسبّب حكها بانتشار القروح، وهي تنتشرُ بالتماس مع القروح أو النجيج الأنفي لشخصٍ مُصابٍ بالعدوى. بالنسبة إلى العلاج، تتصدى المُضادّات الحيويّة للقوباء. ورغم أن القوباء مُعدية بشدّة، فإنها تزول وتشفى عادةً تلقائياً في غُضون أسبوعين أو ثلاثة. ونادراً ما تُؤدّي إلى مُضاعفات شديدة إذا لم تُعالج. فيما يلي تفاصيل حول القوباء، عن الأعراض والأسباب والعلاج يقدمها الدكتور مصطفى أبوزيد.
الجلد غطاء الجسم السطحي، ويحمينا من الحرارة والضوء والإصابات والعدوى. كذلك يُنظّم درجة حرارة الجسم. هو أيضاً أكبر عُضو في الجسم، ويتألف من طبقتين رئيستين: طبقة خارجية هي البشرة، وداخلية هي الأدمة. تتألفُ البشرة، أو طبقة الجلد السطحية، في مُعظمها من خلايا مُسطحة شبيهة بالحراشف، اسمها الخلايا الحُرشفيّة. وتوجد خلايا مدوّرة اسمها الخلايا القاعديّة في أسفل الخلايا الحُرشفيّة. ويتألّف أعمقُ جُزء من البشرة من خلايا اسمها الخلايا الميلانينيّة. تصنعُ الأخيرة الميلانين، وهو يُعطي الجلد لونه.تحوي الأدمة، وهي طبقة الجلد الداخليّة، ما يلي:• أوعية دمويّة.• أعصاب.• أوعية لمفيّة.• جُريبات شعريّة.• غُدد.يحوي الجلدُ شبكة دقيقة من الأعصاب، تمنحنا المقدرة على الشعور بالأحاسيس ومن بينها الألم.الطفح منطقة من جلد مُتهيّج أو مُتورّم، وقد يكون مُحمراً وحاكّاً، أو مُتوهّداً، أو مُتقشّراً، أو ذا جُلبة، أو نفاطياً. يتطوّر بعضُ الطفوح بسرعة، بينما تحتاج طفوح أخرى إلى أيام مُتعدّدة. وقد يحتاج الطفح إلى فترةٍ أطول كي يشفى في حال حكّه.الأعراضثمة أنواع مُختلفة من القوباء، وتتضمّن:• القوباء السارية.• القوباء الفقاعيّة.• الإكثيمة.القوباء السارية هي الشكلُ الأكثر شُيوعاً من القوباء. تبدأ عادةً على شكل قرحة حمراء على الوجه، قرب الأنف والفم غالباً. وتتمزّق القرحة سريعاً، لتنزّ سائلاً أو قيحاً يُشكّل جُلبة أو قشرة ذهبيّة اللون. تزول الجلبةُ في نهاية الأمر، مخلّفةً علامةً حمراء تشفى عادةً من دون تندُّب. وقد تكون قروح القوباء حاكّة، إلاّ أنها لا تتسبّب بألم عادة.كذلك لا تتسبّب القوباء السارية عادةً بحُمّى، لكن قد ينتج منها تورّم العُقد اللمفيّة في المنطقة المُصابة. ويمكن للمس القروح أو حكّها أن ينشر العدوى إلى أجزاء أخرى من الجسم، لأنّها مُعدية جداً.تُصيب القوباء الفقاعيّة غالباً الرُّضّع والأطفال دون السنتين، مسبّبةً نفطات أو فقاعات ممتلئةً بسائل. وتحدثُ هذه النفطات غالباً على الذراعين والرجلين. يكون الجلدُ حول النفطة أحمر وحاكاً عادةً، لكنه ليس مُتقرّحاً. تنفتحُ النفطات أو الفقاعات وتُشكّل جُلبة ذات قشرة بلون أصفر. وقد تكون كبيرة أو صغيرة، وتستمرّ لفترات أطول من القروح الناجمة من أنواع القوباء الأخرى. الإكثيمة نوع القوباء الأكثر شدّة. وتصيبُ الأدمة عند مُستوى أعمق من أشكال العدوى الأخرى. تتضمّن أعراض الإكثيمة ما يلي:• قُروح مُؤلمة ممتلئة بسائل أو قيح تتحوّل إلى قرحات عميقة، على الساقين والقدمين عادة.• قروح تنفتح وتُشكّل جُلبة ذات قشرة قاسية وسميكة وبلون رمادي وأصفر.• تندّب بعد التئام القُروح.• تورُّم العُقد اللمفيّة في المنطقة المُصابة.أسباب وعوامِل الخُطورةالقوباء نوعٌ شائع من العدوى الجلديّة، وتدخلُ الجراثيم المُسبّبة لها عبر بعض أنواع الشقوق الجلديّة، كما في تسلُّخات جلد الركبة أو جرح أو لدغة حشرة. وحتى التشقّقات الصغيرة جداً والمجهرية في الجلد، قد تسمح بدخول الجراثيم. تنمو الأخيرة وتتكاثر عند دُخولها إلى طبقات الجلد الداخليّة، ما يحدثُ نفطة أو فقاعة. وتمتلئ تلك النفطة عادةً بالقيح وتنفجر، ما يُخلّف جُلبة أو قشرة.ثمة نوعان من الجراثيم يتسبّبان بالقوباء، والأكثر شيوعاً جراثيم المُكوّرات العُنقودية، أو العُنقوديّات. كذلك يمكن أحياناً أن تتسبّب جراثيم المُكورات العُقدية، أو العُقديّات بالقوباء. ويمكن لكلا نوعي الجراثيم أن يعيش على الجلد من دون التسبّب بأذى إلى أن يدخلا عبر شق أو جُرح ليتسبّبا بعدوى.تنتجُ العُنقوديات ذيفاناً يتسبّب بانتشار القوباء إلى الجلد المُجاور، ثم يهاجم البروتين الذي يعملُ على ارتباط خلايا الجلد مع بعضها بعضاً. ويمكن للجراثيم عند تخريب هذا البروتين أن تنتشر بسرعة على الجلد. كذلك يمكن أن تنتشر القوباء من شخصٍ إلى آخر. كما يمكن أن يتعرّض الشخصُ للجراثيم التي تُسبّب القوباء عند التماس مع:• قروح شخصٍ مُصابٍ بالعدوى.• أغراض لمسها شخص مُصاب بالعدوى، مثل الملابس وفراش السرير والمناشف والألعاب.وبعد إصابة الشخص بالعدوى، يستطيع أن ينشرها بسهولة إلى الآخرين. ومع أنّ أيّ شخصٍ قد يُصاب بالقوباء، غير أنّ الأطفال بعمر السنتين حتى ست سنوات والرضّع هم الأكثر عرضة في هذا المجال، لأنّ أجهزتهم المناعيّة لا تزال تنمو. لذا نجد أن القوباء تنتشرُ بسهُولة في المدارس ومراكز الحضانة.تتضمّن العواملُ الأخرى التي ترفعُ خُطورة الإصابة بالقوباء ما يلي:• المناخ الحار والرطب؛ فعدوى القوباء أكثر شُيوعاً خلال أشهر الصيف. • المُشاركة في نشاطات رياضيّة فيها تماس جلدي، مثل كرة القدم أو المُصارعة.التشخيصيُجري مُقدّم الرعاية الصحيّة فحصاً جسدياً. كما يسأل المريض عن أعراضه وتاريخه الطبي.يستطيعُ مُقدّم الرعاية الصحيّة عادةً أن يُشخّص القوباء بالاعتماد على القروح التي سبّبتها. قد تكون ثمة ضرورة للقيام بفحص «الزرع» لتأكيد التشخيص أو لاستبعاد أسباب أخرى. ويستخدمُ مُقدّم الرعاية الصحيّة خلال الفحص ماسحة معقمة كي يسحب برفق كمية صغيرة من السائل من إحدى القُروح، ثمّ تُفحصُ العيّنة في المُختبر. وسيشخّص مُقدّم الرعاية الصحيّة الإصابة إذا كانت العيّنة تحوي الجراثيم المُسبّبة للقوباء.العلاجيسرّع علاج القوباء التئام القروح، كذلك يُحسّن مظهر الجلد ويُقلّل انتشار العدوى. وتعتمدُ كيفيّة علاج القوباء على عوامل مُتعدّدة، بما في ذلك نوع القوباء وشدّة العدوى. ويتضمّنُ العلاج:• إجراءات النظافة، يساعد الحفاظ على نظافة الجلد على التئام العدوى الخفيفة تلقائياً.• المُضادّات الحيويّة الموضعيّة أو الفمويّة.يجب تفادي حك أو لمس القُروح على قدر الإمكان إلى أن تلتئم، وقد يُساعدُ وضع ضماد غير قابل للالتصاق على المنطقة المُصابة بالعدوى على منع القوباء من الانتشار.يمكن للآخرين أن يُصابوا بالعدوى إن كانوا على تماس معها. لذلك يجب استخدام مناشف وفوط يدين منفصلة. يشفى الطفحُ تلقائياً غالباً. لكن تكون المُضادات الحيويّة ضروريّة أحياناً للتخلّصِ من العدوى. ويمكنُ دهن المنطقة المُصابة بمُضادّ حيوي موضعي. كذلك لا بد من إزالة أيّ جُلبات برفق قبل دهن المُضادّ الحيوي، كي يدخل المُضادّ الحيوي إلى القرحة.يمكنُ نقع الجلد المُصاب بالعدوى بمزيج من الخلّ والماء، ما يُسهّل إزالة الجُلبات برفق. بعد غسل المنطقة، يمكن دهن مرهم المضاد الحيوي، ثلاث مرات يومياً.المُضادّات الحيوية الفمويّة حبوب تُؤخذ عن طريق الفم. ويُمكن أن توصف لعلاج القوباء المُنتشرة والإكثيمة والحالات الشديدة من القوباء السارية. يجب تناول جميع الأدوية والمُضادات الحيوية الموصوفة. كذلك يجب عدم التوقف عن تناولها فقط بسبب الشعور بالتحسّن، فالتوقفُ عن تناولها أبكر من اللازم قد يتسبّب بعودة العدوى، ويجعل علاجها أصعب بكثير.يجب الاتصال بمقدّم الرعاية الصحيّة إذا زاد الطفح أو أصبح مؤلماً أكثر، أو إذا تدهور بأي طريقةٍ كانت. يمكن الوقاية من انتشار العدوى للآخرين في حال إصابة أحد أفراد الأسرة بالقوباء. كذلك يجب ارتداءُ قفّازين عند دهن مرهم المُضاد الحيوي وغسل اليدين بشكل كامل بعد ذلك، والتأكُّد من تغطية القُروح بالشاش أو الضماد.في حال إصابة الطفل بالعدوى، يجب تقليم أظفاره جيداً لتجنب قيامه بالحكّ. ويجب إبقاؤه في المنزل إلى أن يؤكد مُقدم الرعاية الصحية أنه صار غير مُعدٍ. يُشار هنا إلى ضرورة غسل ملابس المُصاب وشراشفه ومناشفه يومياً، وعدم مُشاركتها مع أي شخص آخر من العائلة.مُضاعفاتالقوباء ليست خطيرة عادةً، لكنها قد تتسبّب أحياناً بمُضاعفات نادرة وخطيرة. وتتضمّن المُضاعفات:• التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات.• التهاب الهلل (التهاب النسيج تحت الجلد).• العُنقودية الذهبية المُقاومة للميثيسلين.يصيب التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات الكليتين. ويحدث عندما تُتْلف الأضداد أو الأجسام المضادّة المتشكِّلة نتيجة عدوى العُقديات، الكليتين. وهي تؤذي الجزء من الكليتين الذي يرشح الفضلات. ومع أن مُعظم المرضى يشفى دون تلف دائم، فإنّ التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات قد يُؤدي إلى فشل كلوي مُزمن. تظهر أعراض وعلامات التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات عادةً بعد العدوى بنحو أسبوعين، وتتضمّن:• تورّم الوجه، لا سيما حول العينين.• نقص التبوّل.• وجود دم في البول.• ارتفاع ضغط الدم.• تيبّس أو ألم في المفاصل.يصيب التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات في المقام الأول الأطفال بين عمري 6 إلى 10 سنوات. وتظهر لدى البالغين المُصابين بالتهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات أعراض أشد من تلك التي يعانيها الأطفال. كذلك احتمال شفاء البالغين أقل. ومع أنّ المُضادّات الحيوية تستطيع أن تشفي عدوى العُقديات، لكنها لا تقي من التهاب كُبيبات الكلى التالي للعُقديات.التهابُ الهلل أو التهابُ النسيج تحت الجلد هو عدوى شديدة، تصيبُ أعمق أنسجة في الجلد. يُصبح الجلدُ أحمر وساخناً ومتهيّجاً ومؤلماً. وقد ينتشرُ التهابُ الهلل في نهاية الأمر إلى العُقد اللمفيّة وإلى مجرى الدم. وقد يتسبّب بالوفاة إن تُرك من دون علاج.العُنقودية الذهبية المُقاومة للميثيسلين هي سُلالة من جراثيم العُنقوديات تكون مقاومةً لمعظم المُضادّات الحيويّة. وقد تتسبّب بعدوى جلدية خطيرة تتدهور بسرعة. وعلاجها صعبٌ جداً. قد تبدأ العدوى الجلديّة على شكل بثرة أو دُمّلة حمراء ومتورِّمة تنزّ قيحاً. وتتسبّب العُنقودية الذهبية المُقاومة للميثيسلين أيضاً بالتهاب رئة وعدوى دمويّة أحياناً.تتضمّن المُضاعفات الأخرى للقوباء ما يلي:• التندُّب.• يصبح لون الجلد أفتح.• يصبح لون الجلد أغمق.خلاصةالقوباء عدوى جلديّة تحدثُ بسبب جراثيم، وتطاول في المقام الأول الأطفال بين عمر سنتين وست سنوات. تبدأ عادةً عندما تدخلُ الجراثيم في شق في الجلد، مثل جرح أو خدش أو لدغة حشرة. يمكن أن يُسرع علاج القوباء التئام القروح. كذلك يُحسّن مظهر الجلد ويٌقلل انتشار العدوى. ويعتمدُ علاج القوباء على عوامل مُتعدّدة، بما في ذلك نوع القوباء وشدّة العدوى.وهي ليست خطيرة عادةً، لكنها قد تتسبّب أحياناً بمُضاعفات نادرة وخطيرة.