ترانيم أعرابي: هل يكبرنا اللقب؟

نشر في 01-03-2016
آخر تحديث 01-03-2016 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم الألقاب في دنيانا هذه لها قيمة كبيرة عند البعض، فتجد بعضهم يغضب عندما تناديه بأبي فلان بدلا من الدكتور، أو طويل العمر، وربما أيها الأمير أو حتى الشيخ أو أي لقب آخر، ومثل هذه المواقف تجعلك تعيد التفكير والنظر لماذا يكون البعض حريصا على الألقاب؟ وهل هذا فعلا يؤثر في حياة الشخص ذاته أو من يلتقيه؟

تتجول في مواقع التواصل الإعلامي فتجد البعض يناديه الناس بالدكتور فلان أو الشيخ إن كان تخصصه شرعيا، وهو غير حاصل على درجة الدكتوراه مثلا لكنه مثقف ومتخصص أو ربما قارئ، ولا تجد منه سوى القبول وعدم التصحيح أو حتى الرد بنبرة فيها بعض التواضع! الأدهى والأمرّ على نفسي بصراحة هو تفخيمه في خطابه عن نفسه، إذ يقول "رأينا، ومما قرأنا، ولعلنا نرجح هذا على ذاك!"، والمستغرب أن هذا الأمر، وإن كان دكتورا وأكاديميا تخرج في العالم العربي أو الغربي الحديث، غير مسموح به أكاديميا، لأنهم يعلموننا عدم الحديث عن أنفسنا بشكل مباشر بل ينهروننا على هذه الطريقة.

يحدثني عربي وهو ممن يجيدون الإنكليزية والعربية كما يجيدها أهلها بحكم دراسته في المدارس الأجنبية الخاصة: كنت في حلقة نقاشية، وكان من ضمن الحضور متخصص وحاصل على الدكتوراه، وبدأ يناقشني في قضية بحثية ذكرتها المصادر الإنكليزية ويصر على أن فهمي لها خطأ، وأنا أحاول جاهدا تبيان أن الخطأ في فهمه، فالمراد من سياق الحديث فيما ذكرته المصادر الغربية عكس ما يفهمه وذلك لضعفٍ في لغته ربما، لكنه أصر أن الخطأ لدى صديقي المتقن للغتين، والسبب أن الأول حاصل على الدكتوراه والثاني ما زال يدرُسها!

مشهد آخر يجعلك تفكر ألف مرة بقيمة الألقاب لدى البعض، وهو عدم قبول الكثير من حملة الدكتوراه بمناداتهم بأسمائهم أو كناهم، فذلك ليس من احترامهم! والأكثر غرابة إذا كانوا بدرجة الأستاذية وقدِّموا على أنهم دكاترة فيرعدون ويزبدون ويغضبون وكأنهم من دون إلقابهم لا شيء! هذه الطبقة التي يفترض أن تكون هي الطبقة المتعلمة في مجتمعاتنا، هي من تقود المجتمع نحو ثقافة خطأ وهي ثقافة "الأنا المتكبرة".

قراءة سريعة في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أشرف البشر وأعظمهم وأعلى قدرا منهم عند الله وعند الناس، تجده في الكثير من المواقف يعلمنا أن التواضع هو أساس المسلم والمتعلم خاصة، فها هو صلى الله عليه وسلم يقول لرجل خائف منه "إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة"، وتاريخ علماء الإسلام زاخر بقصص التواضع ورفض الألقاب المبهرجة، ومنه سؤالهم للشيخ الهكاري وكان لقبه شيخ الإسلام "هل أنت شيخ الإسلام؟ فقال أنا شيخ في الإسلام!".

 فالعلم يهذب النفس البشرية ويجعلها تميل نحو التواضع، لكن البيئة بكل تأكيد تؤدي دورا في مثل هذه الأمور، فعلى سبيل المثال شاهدت كثيرا من المقابلات التلفزيونية في تاريخ الكويت، ووجدت أن أهل الكويت من بدو وحضر حتى الأعاجم يتحدثون عن شيوخ الكويت وينادونهم بأسمائهم دون لقب، ومن هذه المقابلات مقابلة عبدالرحمن بن يوسف الرومي، وكذلك مقابلة عبدالله العزب العجمي، وأخيرا مقابلة إسماعيل كمال وجميع المقابلات أجراها سيف مرزوق الشملان، وفي المقابل كان الإنكليز يعشقون الألقاب بشكل كبير جدا، واليوم في الجامعات تجد بروفيسور وله صيت علمي كبير جدا واحترام ينادونه باسم الدلع بدل اسمه، فمن كان اسمه روبرت ينادونه روب!

نعم للألقاب إن كان خلفها من يشرّفها ولا تشرفه، ونعم للمبدعين دون ألقاب فهم وقود التميز وعنوان الطموح، وهم من يجبرون الألقاب أن تأتيهم ولا يسعون خلفها، ولذلك أتمنى أن نبدع ونتميز ونجعل الألقاب تأتينا صاغره دون غرور أو كِبر أو خيلاء.

شوارد:

"يا صغير ما يكبر باللقب ... غير منهو كان من دونه صغير!"

طلال الرشيد، رحمه الله.

back to top