جديد سهيل سليمان في «غاليري أجيال»... تفاعل المواد والأشكال مع المخاوف والغربة

القيمة الفنية أماندا أبي خليل تصف مشروع سهيل سليمان في غاليري أجيال بأنه شبكة من المواد، معاملات غير مادية، لغة، أشكال، ومجموعة من الجماليات المتنوعة السائدة في الفن وتميل إلى أن تكون ترجمة غير ملموسة لأفكار الفنان ومخاوفه وآلامه وطموحاته وسخطه الناتج من التحولات الكبرى التي تجتاح العالم اليوم...

في وقت يسيطر فيه البطء والنقد المؤسساتي على الخطاب الفني العالمي، تبدو الممارسة في الاستوديو الخاص بسليمان والقائمة على خدمة عالم مع وتيرته المتسارعة والمراجع الخاصة به، في مأمن من الأشكال المختلفة  للمنافسة.

عندما قدم نفسه لها كنحات. استغرق الأمر بعض الوقت لتفهم أماندا أبي خليل خصائص عمل سليمان، وقد أوحت لها محادثاتهما، ووجدت في عمله وعالمه فعلاً حقيقياً للمقاومة والالتزام، مغلفاً برومنسية، هكذا ولدت فكرة عرض الرسومات الخاصة به، أو بالأحرى هذا الفضاء المتشكل بين جدران غاليري {أجيال}.

ليست الفكرة الرئيسة النحت حول الرسم المكاني أو رسم حول النحت على  مساحة ورقية، إذ يرفض سليمان التصنيف، ويعتبره أحد مفاهيم العرض ليس أكثر فيما الفنان الحقيقي يستحيل حصره بنمط معين أو تسمية معينة.  

تتشابك الرسومات التي جمعت من أماكن العمل الخاصة به، لا سيما محترفه، أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة به، مع عمل ثلاثي الأبعاد، من مقوماته: رسائل نحتية، صور ومشاعر على الورق، مواد معاد تدويرها أو مع عناصر أكثر تطورا مثل الشمع، والمرايا والخشب.

للمنحوتة عند سهيل سليمان عناصر مختلفة، تندرج في مجملها ضمن مشهد ثقافي يعكس وقائع من الحياة، وتتراكم فيها التأثيرات إلى درجة أن العمل عليها لا يكتمل إلا مع نهاية عرضها وتفاعل الناس معها. من هنا يمكن القول إن فن سليمان هو فن حركي، يستلهم من الطبيعة جمالياته ومن أحداث الحياة جوهره، فيدخل معهما، أي الواقع والطبيعة، في علاقة جدلية بحثاً ربما عن أجوبة لأسئلة وجودية تقض مضجعه، أقلها تفاعل الإنسان مع بيئته، والتشوهات التي يمارسها في حقها وتقاعسه إزاءها.

مراقب هو سهيل سليمان وراصد للوجوه في كل مكان في الشارع، في المقهى، في العمل... ملامح تتشابه أحياناً في البؤس والمعاناة وتتباعد أحياناً أخرى في طريقة التفاعل معها.

ينطلق سليمان في أعماله كافة من التمازج بين العناصر التي تشكل المادة التعبيرية بالنسبة إليه، وهي، خلافاً لغربته الداخلية وغربة الإنسان في أرضه التي فرضتها الأحداث، تبدو متآلفة ومتلائمة مع العمل الفني، وطيعة في يد الفنان، تحمل كل ما يعتمل في نفسه من تمرد على التشوهات التي تُمارس ضد الطبيعة وتنبئ عن تشوهات في عمق أعماق الإنسان وفي علاقته مع محيطه.

يبدو أن النشوه والغربة والتلوث... كلها سمات تطبع العصر الحالي بحسب سليمان الذي لا يرى أفقاً لتنفس هواء نظيف ومنعش ما دامالإنسان يرتكب مجازر في حق البيئة وهي بطبيعة الحال ترتدّ عليه، من هنا حرصه على استعمال عناصر طبيعية عدة في عمل واحد، يشير إلى مشاعر جميلة من بينها التعاون والإلفة والمحافظة على الطبيعة التي هي أم تحتضن في رحمها رفات الآباء والأجداد...

غربة، فراق، اقتلاع من الجذور... هكذا يحدد سليمان ما نعيشه اليوم لذا لا يربط أعماله بمكان معين وزمان معين، إنما تبدو سابحة في فضاء الكون اللامتناهي، بحثاً عن مساحة استقرار لإعادة بناء عالم جميل ونقي من دون أن تفقد حركتها بالطبع المتوازية مع حركة الكون.

نبذة

ولد سهيل سليمان في مزيارة في شمال لبنان عام 1952. سافر إلى إنكلترا عام 1970 لدراسة الفن، وانخرط في معهد الفنون التطبيقية والتصميم في لندن، من ثم دخل إلى الكلية الملكية للفنون عام 1975.

تدور أعمال سليمان، أساساً، حول النحت المستوحى من الأحداث التي تتجاوز الحدود الوطنية. وقد نفذ أعمالاً تجريبية مع مجموعة من المواد، وجمع بينها في كثير من الأحيان، مثل: الخشب، الشمع، الطين، الكرتون، الورق والمواد المعاد تدويرها. أسئلته تشمل القضايا العالمية والسياسية والاجتماعية والبيئية، فضلا عن التحديات المادية والفنية لا سيما في مجال النحت. سبر أغوار المنحوتات الحركية والمواقع المحددة وساهم في مشاريع مع فنانين.  

أقام معارض على نطاق واسع وتعاون مع مؤسسات من بينها المتحف البريطاني.

في لبنان، عرض في غاليري جانين ربيز، قصر اليونسكو، هنغار أمم، جامعة البلمند ومثل بلبنان في بينالي الإسكندرية (2007).