قانون الحرس الوطني وفخ الـ32% في كركوك

نشر في 07-02-2015
آخر تحديث 07-02-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر بعد أن انتظر العراقيون شهوراً عدة لإصدار قانون الحرس الوطني الذي تأملوا من خلاله توحيد الجهد العسكري للعراقيين في الوقوف ضد عصابات "داعش" وإخراجهم من البلاد، جاءت بنوده لتصيبهم بإحباط جديد، وتكشف لهم أن القانون ليس سوى خطوة سياسية هدفها المماطلة والدوران حول جملة نقاشات وجدالات عقيمة قد تستغرق شهورا أخرى، يكون الرابح الأوحد منها هو تنظيم "داعش".

فقد جاء نص القانون الذي أقره مجلس الوزراء وأحيل للتصويت في البرلمان مليئا بالمطبات السياسية التي تحتاج إلى جملة مفاوضات وتوافقات بين القوائم البرلمانية، ويبدو أن إحالته بهذه الصيغة إلى البرلمان هي محاولة من العبادي للتخلص من الضغط الشعبي والدولي، ولوضع الكرة في ملعب مجلس النواب، ليكون مصير هذا القانون مماثلا لمصير قانون الموازنة للعام الماضي الذي تراكمت عليه الأتربة دون أن يرى النور.

لقد جاء القانون مشتتاً يفتقر لآليات محددة تزرع الثقة بين مكونات الشعب العراقي للانطلاق من خلاله إلى آفاق جديدة، مما جعله عرضة لانتقادات جميع المكونات العراقية سنية كانت أم كردية أم شيعية، ودعونا نأخذ المادة المتعلقة بمدينة كركوك لنرى كيف أن من شرع هذا القانون لم يستند إلى أي منطقية سياسية في وضعه لهذا البند.

فالقانون يستثني مدينة كركوك من عموم الحالة العراقية ويعطيها وضعية خاصة بتحديد نسب معينة في تشكيل الحرس الوطني دون بقية المحافظات.

إن اعتماد مبدأ 32% كنسبة مئوية للمكونات الثلاثة الرئيسة (الكردية والعربية والتركمانية) في مدينة كركوك يهدف بقصد أو بدونه إلى إضعاف الجهد العسكري الذي يحارب "داعش" منذ أشهر عدة، فبعد انسحاب الجيش العراقي في يونيو الماضي سيطرت قوات البيشمركة على المدينة، وأصبحت تدار من حكومة الإقليم إداريا وأمنيا وعسكريا، وقد استماتت قوات البيشمركة في الدفاع عنها وتكبيد الدواعش خسائر فادحة منعتهم من تحقيق أي تقدم حقيقي لهم في كل المناطق التابعة لكركوك؛ لذلك فإن إعادة تشكيل القوات المدافعة عنها بالنسب هذه تعني تحييدا لأعداد كبيرة من البيشمركة واستبدالهم بقوات جديدة من الحرس الوطني التي تفتقر للتدريب والخبرة الكافيتين لمحاربة "داعش"، إضافة إلى أن تسليح الحرس الوطني-وحسب التصريحات- نوعيا سيكون أقل مستوى من تسليح الجيش العراقي، وبالتالي أقل من تسليح البيشمركة من الناحية النوعية، وهذا يعطي عصابات "داعش" الفرصة السانحة لتحقيق مكاسب عسكرية في ميادين القتال على حساب الطرف المقابل.

إن فرض نسبة مئوية في تشكيلة الحرس الوطني في كركوك يتعارض مع توجهات حكومة العبادي في إعطاء صلاحيات واسعة للحكومات المحلية، ويتنافى مع التوجهات اللامركزية التي يتبناها في برنامجه الحكومي، والغريب في القانون أنه غض النظر عن بقية المناطق التي ضُمت لكردستان بعد شهر يونيو الماضي وتسيطر عليها البيشمركة حاليا لحمايتها من تهديدات "داعش"، مع أنها أيضا تدخل ضمن المناطق المتنازع عليها، مما يعطي انطباعا بأن تخصيص كركوك بهذه النسبة تكمن وراءه أهداف سياسية بحتة وليست عسكرية تتعدى الجغرافية السياسية للعراق.

إن هذه النسب اعتمدت سابقا بشكل مؤقت وفق مبدأ التوافق الظرفي وليس الدائمي للحيلولة دون تأجيل الانتخابات البرلمانية العراقية في المحافظة حينها، واستغلتها بعض الأطراف لتثبيتها وكأنه اتفاق دائم لكل ما يتعلق بالمدينة، لذلك فأي موافقة كردية على هذه الصيغة سيشرعن مبدأ النسب هذه، ويجعله أساسا لأي تفاهمات مستقبلية حول المدينة.

حتى إن كان هناك تفاهم شفوي بين حكومة بغداد وجهات مسؤولة في المحافظة أو في إقليم كردستان في الإبقاء على عدد قوات البيشمركة في مركز المدينة والمناطق الكردية في محيطها، واستقدام أعداد مماثلة وحسب النسبة المذكورة من المكونين العربي والتركماني في مناطق وجودهما كأغلبية، فسيكون ذلك خطأ استراتيجيا يقع فيه الإقليم لأنه تفاهم غير موثق ولا يعتدّ به، يعطي للمركز مجالا واسعا للالتفاف عليه والتدخل في شؤون كركوك بالشكل الذي يريده متى ما شاء مستقبلا.

* كردستان العراق – دهوك

back to top