رسالة إلى الأحزاب الكردستانية... «إنا هاهنا قاعدون»

نشر في 06-06-2015
آخر تحديث 06-06-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر رغم أن ما حصل قبل أيام من مناوشات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني (كردستان إيران) لا يعدو كونه حادثاً عرضياً لا يرتقي إلى تسميته "قتالاً"، فإنه أعاد إلى الذاكرة الكردستانية مرحلة ظننا أننا طويناها فيما يتعلق بالاقتتال بين الأحزاب، والتي كان آخرها في تسعينيات القرن الماضي، ما يثير المخاوف من وجود أطراف كردية لا تعي حساسية الظروف التي تمر بها المنطقة عامة وكردستان بشكل خاص، وتتعامل مع الواقع الكردي بشكل لا مسؤول، مفضلة أولوياتها الحزبية على الأولويات القومية للأكراد.

إذا كانت بعض الأحزاب الكردستانية تتصور أنها لا تزال قادرة على تحشيد الشارع الكردي خلفها لضرب منافسيها والسيطرة على الوضع الكردي، فيسرني أن أقول لها "إنكم واهمون"، فالكرد في هذه الظروف تناسوا تماماً الأسماء الحزبية والشخصية، ولم تعد الأولويات الحزبية تهم الكردي بقدر ما يهمه الوضع الكردستاني بشكل عام، ليس في جزء واحد من كردستان بل في أجزائها الأربعة، وقد تجسد ذلك حقيقة في استقبال كرد كردستان الشمالية (كردستان تركيا) لبيشمركة كردستان الجنوبية (إقليم كردستان)، وهي ذاهبة لنجدة إخوانها في كردستان الغربية (كردستان سورية) ضد عصابات "داعش"، ورأينا كيف أن الشعب الكردي كان يقبل آثار سير عجلات العربات المحملة بالبيشمركة، تعبيراً عن تقدسيه لهذه الخطوة، ما يشير إلى أن الكرد لم يتجاوزوا الحزبية في رؤيتهم فحسب، بل تجاوزوا الحدود الدولية والسياسية التي حاول أعداؤه من خلالها تمزيقه وتشتيته طوال العقود الماضية.

يبدو أن الظروف القيادية والسياسية لبعض القادة الكرد جعلتهم بعيدين عن نبض الشارع الكردي، فانزووا في أبراجهم العاجية مع الساسة، والأعداد الغفيرة من البيشمركة، ليصبحوا عاجزين عن تقييم الأمور بشكلها الصحيح، وعليه فلا بأس من تذكير هذا وذاك أحياناً بحقيقة ما ثاروا من أجله، وما يجب عليهم أن يفعلوه.

الشعب الكردي يا سادة لم يقم بثوراته فيما مضى كي يتسيد هذا الحزب أو ذاك، بل ثار من أجل حقوق شعب وأمة، وما أنتم سوى أدوات لهذه الثورات شاءت الأقدار أن تأتوا لتخدموا أهدافه، فلا يمكن أن يتنازل الكردي عن أهدافه هذه ليجعلها في خدمة مصالحكم الحزبية ورفع راياتكم المتعددة، فالكردستانيون قد يتفهمون الخلافات السياسية بينكم ويتعاملون معها بإيجابية مادامت مقتصرة على حدود السياسة ومناكفاتها، ومادامت تناقش على موائدكم المستديرة والمربعة، وحتى المثلثة، دون الدفع بها ليكون الدم هو الثمن، فالدم الكردي لا يمكن أن يراق من أجل قضاياكم الحزبية.

ففي الوقت الذي تشخص فيه أبصار الكردستانيين للتطورات والمتغيرات التي تعيشها المنطقة يفاجأون بنشوب قتال بين حزبين كرديين من أجل قضية أقل ما يمكن أن يقال عنها انها تافهة من الطرفين، لن يكون الكردي مستعداً لتمثيل دور القاضي فيها، فالشيء الوحيد الذي يهم الكرد حالياً هو إبقاء وضعهم الداخلي مستقراً دون اضطرابات.

لقد مرت كردستان الجنوبية (إقليم كردستان) في تسعينيات القرن الماضي بتجربة الاقتتال الداخلي الذي كان جميع الكرد يمقتونه، وقد أخذ من العوائل الكردستانية خيرة أبنائها، لا لشيء سوى لمصالح حزبية ضيقة، أدرك القائمون عليها بعد فترة أنها كانت غير مبررة، وطلبوا الصفح من الشعب الكردي عن الأرواح التي أزهقت دون حق، وتمكنوا فعلاً من طي تلك الصفحة وطواها معهم الشعب الكردي.

واليوم نرى أن الأزمات السياسية في الإقليم تحل عن طريق الحوار البناء المثمر بين الأحزاب أو في البرلمان دون تخوف من حدوث صراعات دموية مستقبلاً، فليس قدر الكردستاني أن يدفع ثمن أخطاء أحزابه بين كل فترة وأخرى لتأتي تلك الأحزاب بعد ذلك وتعتذر عن القرابين والضحايا التي تسببت فيها، وإن كان الاعتذار عما حصل في تسعينيات القرن الماضي ليس كافياً، كون الضحايا كانت بشرية ومادية، فهل سيكفي الاعتذار هذه المرة إذا ما دخل أي حزب في حرب داخلية جديدة، ونحن نمر بمرحلة سيكون الضحية فيها هذه المرة مصير أمة كلها وحلماً طالما حلمنا به وضحينا من أجله خلال عقود من الزمن؟!

* كردستان العراق – دهوك

back to top