حكاية مدينة الزهراء

نشر في 30-05-2015
آخر تحديث 30-05-2015 | 00:01
 د. أفراح ملا علي في سنة 936 م أمر الأمير المستقل الثامن، وأيضاً الخليفة الأول لمدينة قرطبة عبدالرحمن الثالث بتشييد مدينة الزهراء بالقرب من قرطبة... لكن من هو عبدالرحمن الثالث؟ وما هي حكاية مدينة الزهراء؟ ولماذا سميت بمدينة الزهراء؟

هو عبدالرحمن بن محمد الملقب بالناصر لدين الله، عاش 70 عاماً حكم منها مدة خمسة عقود، كانت والدته مزنة جارية مسيحية، ثم تغير بها الحال بعد ولادتها له، فبعد 20 يوماً من ولادتها عبدالرحمن الثالث قتل والده على يد أخيه طمعاً في العرش، في وقت كان مربوه غلاظاً شداداً، لذا لم يعامل معاملة حسنة، ليقضي مرحلة شبابه بين الكتب من دون جذب لأي انتباه.

عبدالرحمن الثالث لم يجعل من قرطبة عاصمة الإمبراطورية الإسلامية بالمغرب فحسب، بل جعلها كذلك واحدة من أهم المدن الحضارية والمتقدمة، إذ يشاع أن تعداد قاطنيها وصل في عهده إلى مليون نسمة، أي أنها كانت واحدة من أكثر المدن المأهولة، فعجت بالمساجد إلى أن وصل عددها إلى 1600 مسجد، مع كثرة عدد الحمامات العربية بها.

وضع الخليفة عبدالرحمن الثالث أكثر من 70 مكتبة، كما بنى جامعة ومدرسة للطب، وأخرى للترجمات التي ركزت على وجه التحديد على الترجمة من الإغريقية والعبرية إلى العربية، فضلاً عن قيامه بتوسعة جامع قرطبة، وبناء المنارة الشهيرة به، إلى جانب أمره ببناء المدينة الفضية، مدينة الزهراء، التي عاش فيها حتى موته.

تدور حكايات كثيرة عن عبدالرحمن الثالث، من ضمنها الدهليز السري المؤدي إلى مدينة الزهراء، بداية بجامع قرطبة، حيث يشاع أن عبدالرحمن الثالث كان يمتطي جواده داخل هذا الدهليز للوصول إلى جامع قرطبة والصلاة فيه كل يوم.

أما مدينة الزهراء فسميت باسم جارية عبدالرحمن الثالث، والتي كان يحبها حباً جماً، وتبدأ الحكاية بالخليفة الذي جلب الزهراء من غرناطة، لتصبح بعد ذلك الجارية المفضلة لديه، فيقرر أن يبني لها مدينة فضية كاملة ليثبت حبه لها، فأمر أفضل المعماريين ببنائها واستخدام أفضل مواد البناء، من أقواس ورخام وخشب وغيرها، كما أمر بزراعة أجمل الحدائق في المدينة جالباً لها الزهور من الكثير من المدن.

لمح عبدالرحمن الزهراء تبكي، فسألها عن سبب حزنها، فأجابت بأنها تشتاق إلى الثلج، ولكنها لا ترى بغرناطة ثلوج جبل سييرا نيفادا، فوعدها عبدالرحمن الثالث بأنه سيجلب لها الثلج حتى قرطبة! وعند حلول الظلام أمر بنقل أشجار اللوز المزهرة وزراعتها متقاربة في هضبة قريبة، وعند استيقاظ الزهراء صباحاً طلب منها أن تطل من شرفتها، فرأت أشجار اللوز من بعيد تشبه الثلج، ومنذ تلك اللحظة لم تحزن الزهراء شوقاً إلى الثلج.  ثم مات عبدالرحمن الثالث في مدينة الزهراء، ونقل جثمانه إلى الروضة في قصر قرطبة.

يقول الشاعر:

لم يبقَ من قرطبة

سِوى دموعُ المئذناتِ الباكية

سِوى عبير الوردِ، والنارنج والأضالية...

ودمتم بأريج زهور اللوز القرطبية.

back to top