إسماعيل فهد إسماعيل: لا آباء لي في الكتابة

نشر في 04-05-2015 | 00:02
آخر تحديث 04-05-2015 | 00:02
No Image Caption
الإبداع الكويتي يزداد عمقاً

«أفضل أعمالي تلك التي لم أكتبها بعد». هذا ما يراه الأديب الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل رغم أنه قدم أكثر من 26 رواية ومجموعات قصصية عدة، وأضافت كتاباته إلى المكتبة العربية الكثير حسبما يرى النقاد، وهو يعُد أباً للرواية الكويتية. قدَّم لروايته الأولى صلاح عبد الصبور، وتنبأ له بمكانة كبيرة في عالم الأدب، هو يملكها اليوم.
تعُد النشأة أحد أهم العوامل التي تسهم في تكوين المبدع. ماذا عنك؟

كانت بدايتي مع كتابة الشعر، وأنا في سن الثانية عشرة. كتبت الكثير من الأشعار في هذه المرحلة، ثم تحولت بعد ذلك إلى كتابة القصة القصيرة، ونشرت عدداً من قصصي القصيرة في الكويت بين عامي 1960 و1961. كتبت عن الكويت روايتين خلال الاحتلال العراقي للكويت، توجهت إلى العالم بالكتابة، حيث شعرت بوجود قضايا مهمة فكتبت عن العراق وفلسطين ولبنان ومصر.

تحرص على إقامة صداقات ومد جسور مع الأجيال الشابة، فإلى أي مدى يشغلك ذلك؟

الالتقاء مع الشباب فيه تجديد للكاتب الكبير. لدى الشباب أمور جديدة دائماً، ومن هنا استفدت منهم. هنا لا بد من الإشارة إلى أن الريادة موجودة في البلدان كافة، ولكن إلى أي مدى يستطيع أصحابها أن يحققوا حركة؟ الملتقى الأدبي الذي أقمته في الكويت منذ عام 1966، تخرجت فيه نخبة من كبار الكتاب من بينهم مريد البرغوثي، وناجي العلي، وعبد العزيز السرايا، واستمرت الفاعليات والملتقيات حتى اليوم.

تبدو المشهدية بصورة كبيرة في كتاباتك. لم تعمدت ذلك؟

 بدأت بحلم العمل كمخرج سينمائي، ومن هنا كانت الكتابة المشهدية. جسدت تاريخ الكويت في السنوات الأولى للاستقلال في مسلسل {بين العصرين}، كذلك قدمت مسلسلات عدة في ثلاثين حلقة. ولكن ينبغي أن نشير إلى أنه لا توجد سينما بالمعنى الروائي خارج مصر، فلمصر تاريخها السينمائي الطويل منذ عشرينيات القرن الماضي، ورغم وجود عدد من المحاولات المماثلة في دول عربية عدة من بينها المغرب والجزائر والإمارات، فإنها للأسف نشاطات فردية. فصناعة السينما في حاجة إلى مؤسسات وجيش من الفنيين وهذا ما يتوافر في مصر.

ترجمت أعمالك إلى لغات عدة. كيف تنظر إلى عملية الترجمة، ومدى أهميتها للكاتب؟

ترجم لي عدد من الأعمال في ألمانيا واليابان والهند، ودول أخرى. ولكن تلك الترجمة كانت لخدمة عدد من الأبحاث العلمية، رسائل الماجستير والدكتوراه، لا للنشر التجاري. عموماً، مشكلة الترجمة معقدة للغاية، وإذا لم تتولَّ الدولة مسؤولية ترجمة أعمالنا الأدبية والثقافية، سيبقى الأدب العربي حبيس المنطقة العربية. بالتالي، علينا أن نتحرك، ونسعى بجدية وإرادة واعية، إلى التواصل مع الآخر.

كيف تنظر إلى العلاقة بين الأديب والسلطة؟

أرفض أن يكون للمثقف أي انتماء مع السلطة أو حزب معين، فالإبداع في حاجة إلى التحرر والإخلاص بعيداً عن أي انتماء مع الحفاظ على مسافة مناسبة بين المبدع والسلطة أو الأيديولوجية، كي يكون له حرية النقد والنصح.

في ما يتعلق بالتيارات الدينية في الكويت ومهاجمتها للإبداع الفكري. كيف كان موقفك منها؟

حتى الآن لم أدخل في صدام مع هذه الجماعات، ولكن هذا لا يمنع أني قد أصطدم معهم في يوم ما. كذلك الثورة المصرية حمت مصر وغيرها من دول المنطقة العربية من شبح أسود كاد أن يسيطر على المنطقة كلها، وهو شبح {الإخوان المسلمين }. أرادت هذه الجماعة أن تقتل الهوية العربية، ومن المعروف أن الهوية تنعدم في ظل الجماعات الشمولية والفاشية على غرار ما قام به هتلر وموسوليني، وما كان يحلم به الظلاميون.

لكل جيل آباء. ماذا عن آباء إسماعيل فهد إسماعيل؟

 لم يكن لي آباء في الكتابة. في العراق التي أمضيت فيها فترة التكوين، كان الأدب يمت إلى المقام والحكي و {ألف ليلة وليلة}، وكان الأدباء البارزون أمثال فؤاد التكرلي والجواهري والبياتي وسعدي يوسف وغيرهم، منفيين. أما أعمالهم فمنعت من التداول في العراق. لم يصلنا منها شيء، لذا لم يكن لدينا آباء. ولكن الأبوة الحقيقية تحققت لي من خلال السينما وصداقتي ببعض الفنانين مثل فاتن حمامة، ونور الشريف وعزت العلايلي وغيرهم.

لماذا يقع القارئ في إشكالية عندما يقرأ أعمالك الروائية والتي تعلقت بحوادث سياسية توارت في طي النسيان؟

لدى الأجيال الجديدة فضول لمعرفة ماذا حدث في الماضي، بشكل أدبي وفني إلى جانب الشكل التاريخي، هي بحاجة دائماً إلى الجانب الإنساني، الذي غالباً ما يتوه في زحمة الأحداث السياسية التي تطغى على كل من بجوارها. ثمة أدب سياسي وأدب يتلمس السياسة من دون أن تسيطر عليه، وثمة أدب آخر تحريضي أو ما يطلق عليه أدب المنشور السياسي، وهو يموت سريعاً.

الأدب يجب أن يؤدي الدور المنوط به دون الدخول في أيديولوجيات، وأعتقد أن هذا الأدب باق لمعرفة التاريخ بعيون أدبية.

من خلال معاصرتك الرواية، ما هو تقييمك للرواية العربية، وماذا استطاعت أن تحقق؟

الرواية العربية مثل أي إنتاج أدبي عربي آخر، مرهونة بظروف معينة، لذا لا نستطيع أن نفصل بينها وبين هذا الوضع أو ذاك. نلاحظ مثلاً أن مجد الرواية العربية تزامن مع فترة النهوض القومي، بداية من رواية {زينب} لهيكل، مروراً بالروايات الأخرى لعزيز أباظة ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، أو العقاد وطه حسين. المهم أن كل هذه الأعمال ذات الطابع الرومانسي أو الواقعي الاجتماعي أو ذات التوجه الفلسفي أو الأيديولوجي، مثل رواية {الأرض } لعبد الرحمن الشرقاوي، ارتبطت بالنهوض القومي، أي بداية تشكل الشخصية العربية. طبعاً، تأثرت الرواية، أسوة بغيرها، بعدد من النكسات، لا سيما نكسة 5 يونيو 1967، حيث ظهرت أشكال من التعبير جديدة في الرواية عند إميل حبيبي والطاهر وطار وعبد الحكيم قاسم وغسان كنفاني وفؤاد التكرلي، فأصبح هناك تمايز في هذه الأعمال. عموماً، لا يمكن فصل الرواية عن الحركة العامة للمجتمع وما يحدث فيها، فإذا اعتبرنا ثورة يوليو في مصر تدشيناً لتشكيل الشخصية القومية، فثمة جيل أعطى الكثير بعد هذا التاريخ.

كيف تبدو الحركة الإبداعية في الكويت؟

ثمة طفرة هائلة في الكويت الآن من خلال الاهتمام بالثقافة والفنون والآداب. أتذكر أننا كنا ثلاثة روائيين في مطلع الستينيات، أصبحنا ستة في السبعينيات، ثم عشرة روائيين في التسعينيات، والآن أصبح لدينا أكثر من 50 روائياً كويتياً، بخلاف الشعراء والنقاد. وكان عدد المتعلمين في الكويت في الستينيات لا يتخطى أصابع اليد الواحدة، وكنا نلتقي في أحد البيوت لنقرأ كل أسبوع مجموعة من الأعمال الأدبية والفلسفية، وعددنا لم يتجاوز السبعة أفراد، والآن أصبح لدينا أكثر من مئة مجلس للقراءة، وفي المجلس الواحد أكثر من 150 فرداً.

قدمت 26 رواية وعدة مجموعات قصصية، فما هي أفضل أعمالك؟

أفضل أعمالي هي التي لم أكتبها بعد.

back to top