قرار الديزل والنوم في العسل

نشر في 15-01-2015
آخر تحديث 15-01-2015 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي بات حديث الناس منذ بداية السنة هو قرار رفع أسعار الديزل والكيروسين وآثاره على أسعار مواد البناء والنقل والسلع المختلفة، ومع وجود ملاحظات على تطبيق الحكومة للقرار وقصورها في الرقابة لمنع استغلال البعض له لاصطناع تكاليف غير حقيقية كمبرر لرفع الأسعار، إلا أن القرار يظل مستحقاً حتى لو استمر الناس بعدم تفهمهم له

 بالرغم من الانخفاض الحاد في أسعار النفط وتداعيات ذلك على الميزانية العامة للدولة.

فالشعب غاضب لأنه يعتقد أن مبرر رفع أسعار الديزل هو نتيجة لتجارة التهريب فقط، وهو ما يعني أن الحكومة تحاول تغطية عجزها عن منع التهريب برفع الأسعار، لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير وهو متعلق بمدى قدرة الدولة على دعم أسعار المحروقات في المستقبل، خصوصا مع الزيادة المطردة في أعداد المواطنين.

 فإذا كانت الميزانية قد تجاوزت 20 مليار دينار (أغلبها رواتب ودعم خدمات) مع تجاوز عدد المواطنين مليون نسمة بقليل، فكم ستحتاج الدولة لتصرف عندما يتجاوز العدد مليونين خلال 15 سنة؟! وهل ستكون عوائد النفط كافية لتغطية تلك المصاريف بعدما رأينا كيف أن سعر البرميل يمكنه أن ينهار خلال أسابيع قليلة؟! وماذا عن الأجيال القادمة بعد 30 سنة؟ ماذا سيجني هؤلاء من الثروة النفطية إن كان الجيل الحالي مصرّاً على امتصاصها بكل أنانية دون أي إنتاج يذكر؟!

نعم هناك تقصير حكومي في مراقبة الشركات، فمع أن سعر أي سلعة يجب أن يحكمه العرض والطلب، إلا أنه لا يحق لأي شركة التحكم في سعر منتجاتها من طرف واحد ما دامت تستغل أملاك الدولة بسعر التراب وتقوم الدولة بدعم منتجاتها، لكن من ناحية أخرى يجب أن يدرك الناس أن تثبيت أسعار بعض المنتجات لن يدوم؟ فالبعض ضج بسبب ارتفاع سعر الخبز الإيراني إلى 50 فلساً! ما المشكلة في ذلك؟ فهل تعتقدون أن السعر سيظل 20 فلسا إلى أبد الآبدين؟ وهل تعتقدون أن سعر (صمون الفلافل) سيظل 100 فلس إلى ما لا نهاية، وهو الذي ظل ثابتا لأكثر من 30 سنة؟!

"اصحوا يا ناس"... استيقظوا من سباتكم العميق، فالوضع الحالي لن يستمر والعجز قادم لا محالة إن استمررنا في هذا النموذج المدمر للدولة، طبعا سيأتيني الجواب المعلب: "روح تكلم عن فساد الحكومة"، تكلمنا مرارا وتكرارا عن فساد الحكومة، لكن من الحكومة؟ هي ليست شيوخا ووزراء وتجاراً فقط، بل هي أنا وأنت أيضاً.

فأغلب الشعب مشارك في الفساد لكن بنسب متفاوتة، فمن يتلقى رشوة من أجل تمرير معاملة فاسد، ومن يأتي بشهادة مضروبة من جامعة ميكي ماوس لأجل الحصول على كادر لا يستحقه فاسد، ومن ينام في البيت ومعاشه يصرف له فاسد، ومن ينتخب تاجر إقامات أو متطرفا دينيا أو قبيضا أو جاهلا فاسد أيضاً.

لن يستطيع أحد محاربة الفساد في ظل الوضع الحالي حتى لو وضعنا مئة هيئة لمكافحة الفساد، فالكبار والمتنفذون يستنزفون مقدرات البلد وثرواته تدريجيا لأنهم خدروا الناس بإبر التخدير النفطية (رواتب وكوادر ودعم ... إلخ).

ولن تقف هذه الجرائم إلا بإزالة إبر التخدير هذه حتى يصحو الشعب، أما إن كنتم أيها الناس مصرين على الاستمرار بهذا النموذج للدولة، فلا تلوموا إلا أنفسكم لأنه عندما يحل العجز الحقيقي "محد راح ياكلها إلا آنه وإنت" في حين أمّن الكبار مستقبلهم ومستقبل أجيالهم، و"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ".

back to top