رحلة البزول وأيام النزول إمارة المنتفق (1546 – 1913م) (الحلقة الخامسة)

نشر في 20-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 20-03-2015 | 00:01
كانت المنطقة الواقعة بين بغداد والشاطئ الشمالي للخليج العربي تعجّ بالفوضى بعد هجمة المغول، وفي خضم هذه الفوضى ظهرت إلى الوجود إمارة عربية استطاعت أن تؤدي أدواراً كبيرة على الساحتين المحلية والإقليمية منذ نشأتها منتصف القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين.

وكان بإمكان الإمارة في بعض فترات قوتها أن تكوِّن دولة مستقلة في مناطق نفوذها، لكن شيئاً من هذا لم يحدث لأن عقلية أمرائها وفكرهم الإداري لم يكن يتجاوز عقلية المشيخة ومنطقها القبلي، وطموحهم لم يكن يتجاوز أيضاً الرضا بالتبعية والمصالح الضيقة، وتوسيع النفوذ والصراعات الداخلية والخارجية كانت جميعها تسير في حدود الفوضى والعقل والأفق المحدود.

ولعل الظروف المحلية كانت مواتية مرات عديدة، كما أن العديد من الفرص التي وفرتها بعض القوى العظمى لاستقلال الإمارة عن الإقليم العراقي كانت مواتية، لكن كل تلك الظروف والفرص لم تستغل أبداً، أو لم تجد من يستغلها على وجه الدقة، ولذا فإن المرور على تاريخ هذه الإمارة يكون مهماً لسببين منطقيين: أولهما مساحتها والمجاميع القبلية التي انضوت تحتها ومدة بقائها الطويلة، وثانيهما علاقتها بالقوى المجاورة، ما يجعل التتبع لأحوال الإمارة وأحداثها ومحاولة تدوينها تدويناً للمنطقة كلها. وقد شهدت علاقات المنتفق انسجاماً تاماً مع الأتراك في فترة إمارة ثويني العبدالله وصداقة مع أمير الكويت عبدالله الصباح، لكن الانسجام مع الأتراك لم يدم طويلاً بسبب وشايات حمود الثامر، وفي أجواء من التنافس والتطاحن بين القوى في المنطقة شهدتها تلك الحقبة. وقد شهد القرن التاسع عشر أحداثا كبرى، لعل أهمها فشل حملة ثويني على إمارة الدرعية، ونهاية عصر المماليك في العراق، في حين كانت إمارة حمود الثامر الأطول في تاريخ المنتفق.

ثويني مرة أخرى

أما ثويني ومقاتلوه فقد غادروا الجهراء إلى الصمان في صحراء نجد بعد أن وصلته بعض الإشاعات المقصودة من أن حمود الثامر يجهز حملة لمهاجمته، وحين نزل الصمان سمع عدوه الأول في نجد سعود العبدالعزيز آل سعود قائد جيش إمارة الدرعية بنزوله هناك، فهاجمه بغتة وقتل مجموعة من رجاله وغنم بعض الغنائم، فما كان من ثويني إلا أن هرب ناحية الكويت، فاستقر في الروضتين شمال الكويت، لكن ابن سعود تبعه إلى هناك، وأوقع بعض جنوده قتلى واستولى على بعض الغنائم مرة أخرى، فهرب مرة ثالثة ناحية سفوان واستقر بها، وهناك بدأ مصطفى الكردي متصرف البصرة بمراسلته، حيث كان المتصرف قد بيت النية على الاستقلال بالبصرة، واتفق الاثنان على الثورة وتقاسم الغنائم، بحيث تصبح البصرة تحت إمرة مصطفى آغا التركي وإمارة المنتفق لثويني، وكانت البداية أن أرسل متصرف البصرة كتابا الى والي بغداد يخبره أن قبائل المنتفق قد خلعت حمود الثامر من إمارة المنتفق ونصبت ثويني ثانية، وأنه قد أقر إمارة ثويني دون الرجوع الى مشورة بغداد خوفا من انحدار سريع للأحداث، وطلب من والي بغداد أن يوافق على ما اتخذ من قرارات للمصلحة العامة، وقد علم والي بغداد أن في الامر رائحة خيانة من طرف متصرف البصرة الذي كان يوجس منه خيفة منذ فترة، لكنه اضطر أن يوافق على طلب مصطفى آغا خوفا من خروج الأمر عن سيطرته، فيبدو معه في موقف الضعيف أمام إسطنبول وحتى تكون لديه فسحة من الوقت لترتيب الأمور بطريقة مثلى، ومع ذلك فقد تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي بعد اكتشاف مصطفى آغا الكردي لمؤامرة اغتيال له كان مصطفى الحجازي قبطان الأمن يعدها بتوجيه من والي بغداد للخلاص منه، فقام متصرف البصرة بإعدامه على الفور وعين محمد الشاوي شقيق سليمان الثائر السابق مكانه.

واستطاع مصطفى الكردي أن يمارس سلطاته كوالٍ مستقل في البصرة دون أن يعلن ذلك رسميا، في حين كانت حدود إمارة ثويني على أراضي المنتفق تمتد في المنطقة الواقعة بين البصرة وسوق الشيوخ التي انسحب حمود الثامر عنها خوفا من هجوم مباغت يشنه ثويني بمساعدة مصطفى الكردي وسليمان الشاوي، ويبدو أن والي بغداد قد شعر بأن ساعة الصفر لقمع هذه الثورة غير المعلنة قد حانت، وأن أي تأخير لن يكون في مصلحة بغداد خصوصا بعد اكتشاف العديد من الاتصالات بين ثالوث الثورة من طرف وبين بني كعب وبني خالد من طرف آخر.

وفي أوائل عام 1791م سار الجيش البغدادي بقيادة سليمان باشا شخصيا، وبعد مروره بالسماوة التحق به حمود الثامر ومن معه من المنتفق فوقعت المعركة الأولى بين بغداد وثويني في الصحراء الواقعة شرق سوق الشيوخ وكان النصر غير الحاسم من نصيب الجيش البغدادي، حيث فر ثويني وجيشه إلى سفوان خوفا من نتيجة حاسمة مشابهة لمعركة الفضلية، في حين هرب مصطفى آغا التركي بعد انهيار أهم قوة للثورة تاركا البصرة قبل وصول سليمان باشا وقواته ولاجئا إلى أمير الكويت عبدالله بن صباح الذي رحب به وتعهد بحمايته بشرط ألا يمارس أي نشاط ضد سلطات البصرة.

عودة حمود الثامر

أما والي بغداد فقد أعاد إمارة حمود الثامر إلى سابق حدودها على امتداد المنطقة الواقعة بين السماوة وأطراف البصرة الصحراوية، في حين نصب عيسى بيك المارديني متصرفا على البصرة، وللتأكد من أن إجراءات والي بغداد سليمة وبعيدة عن خطر الثوار توقف الجيش البغدادي على حدود البصرة، وأصدر الوالي أوامره لعيسى المارديني وحمود الثامر بالقضاء على ما تبقى من قوات ثويني وقوات مصطفى آغا التي لحقت بها في سفوان، وقد فرت قوات ثويني قبل وصول قوات البصرة والمنتفق إلى سفوان باتجاه صحراء نجد، ومن هناك لجأ الى زيد الغرير أمير الأحساء وذكره بمساعدته له وطلب المساعدة منه لكن ابن غرير اعتذر عن ذلك، فتوجه ثويني من فوره إلى عدو الأمس الأمير عبدالعزيز آل سعود أمير الدرعية، وطلب مساعدته في استعادة إمارته المفقودة، فقدم له ابن سعود بعض الخيول والإبل والأسلحة والأموال دون تردد نكاية بالدولة العثمانية التي نصبت له العداء منذ فترة، وفي أواخر عام 1792م توجه ثويني ومقاتليه إلى ديارهم من أجل استعادة إمارتهم المفقودة، لكنهم في طريق عودتهم مروا بالكويت فزار ثويني أمير الكويت عبدالله بن صباح وأخبره عما جاء من أجله، ويبدو أن ابن صباح كان على دراية بأوضاع كل الفرقاء في المنطقة وعارفا بقدراتهم فما كان منه إلا أن نصح ثويني بعدم القتال؛ لأنه لا قبل لقواته بجيوش العثمانيين البصرية والبغدادية ومقاتلي المنتفق الموالين لحمود الثامر، ونصحه بالتوجه إلى بغداد وطلب العفو من واليها سليمان باشا، خصوصا أنه عفا عن سليمان الشاوي وشقيقه عندما لجآ إليه، وقد اقتنع ثويني بالفكرة فذهب من فوره إلى بغداد وطلب العفو فما كان من والي بغداد، وهو بالمناسبة أحد أذكى الولاة الذين تولوا بغداد، إلا أن سامحه وأعطاه الأمان فوراً، وعينه مستشارا له لكنه فرض عليه الإقامة الجبرية في بغداد وعدم مغادرتها ليأمن غدره ويبقيه كسلاح بيده يستخدمه متى احتاج لذلك.

الحملة على الدرعية

تحرك ثويني ومقاتلوه إلى الجهراء جنوبا وعسكر فيها ثلاثة أشهر، التحق به خلالها الجيش البغدادي بقيادة أحمد آغا وبراك السرداح مع مقاتلي بني خالد عدا المهاشير، وبعض مقاتلي شمال الجزيرة العربية، كما تحركت السفن التركية تحمل المؤن من البصرة إلى الأحساء بعد أن قرر ثويني المسير بمحاذاة البحر لتجنب قطع الصحراء النجدية صيفا، وبعد أن تحرك الجيش المنتفقي نزل على مقربة من جرية التي سبقه محمد المعيقل أحد قادة ابن سعود في النزول بها، لكن المعيقل هرب تاركا جرية بعد أن جاءته الأخبار بحجم الحملة، واستقر بأم ربيعة بانتظار وصول المدد من الدرعية، وبعد أيام وصلت كتيبة من المقاتلين بقيادة حسن مشاري آل سعود إلى روضة التنهات تحرك محمد المعيقل باتجاهه، وبعد وصوله تحركا سويا إلى حفر العتك فعسكرا بها، في حين تحرك ثويني ومقاتلوه الى عين قريبة من البحر تسمى الشباك، وذلك في منتصف يونيو من عام 1797م، لكن وبعد أيام وفي أثناء جلوس ثويني مع بعض قادة الجيش هجم عبد مملوك يدعى طعيس على ثويني بخنجر فغرزه في ظهره وأصابه إصابة قاتلة توفي على إثرها في عصر اليوم التالي، وأما المملوك فقد قتله الموجودون حالا دون أن يعرفوا سبب إقدامه على ذلك ليموت السر معه، وتعددت التكهنات حول ذلك، ولعل أكثرها شيوعا كان إغراء بعض الموالين لعبدالعزيز آل سعود طعيس للقيام بهذا العمل، وأيا كان السبب فقد كان مقتل ثويني بمثابة الضربة القاضية، حيث كان واضحا من سير الأحداث لاحقا أن ثويني كان الجامع المشترك لكل فرقاء الحملة، إذ غادر عبدالمحسن السرداح ومعه بنو خالد المعسكر فور الانتهاء من دفن ثويني والتحق بجيش الدرعية بقيادة حسن مشاري آل سعود، في حين قرر مقاتلو المنتفق العودة الى ديارهم لأنه لا مصلحة لهم في قتال آل سعود، وما مجيئهم للقتال إلا إرضاء لثويني.

30 عاماً من القلاقل

أصبح حمود الثامر أميرا للمنتفق من جديد عام 1797م بعد مقتل ثويني وفشل الحملة على الدرعية، وقد جاءت إمارته الثانية بتعيين من بغداد وتعهد منها بعدم استبداله بأحد إخوة ثويني، فاستمرت إمارته قرابة 30 عاما وكانت مليئة بالأحداث والحوادث الكثيرة لعل أهمها تجهيز الدولة العثمانية حملة لمحاربة الإمارة السعودية التي هاجمت الأراضي الجنوبية للعراق عدة مرات، وكان أشهرها اعتداءها على بعض قبائل المنتفق قرب سوق الشيوخ وقتلها عددا من رجالهم وأخذها بعض الغنائم، وهجومها على قبيلة شمر غرب السماوة وقتلها جماعة منهم، وكان ضمن القتلى شيخها مطلق محمد الجربا، وقد التحق بالحملة التي كانت بقيادة كاتخدا بغداد حمود الثامر بفرسان المنتفق وشمر وأهالي المجرة والزبير وبعض القبائل الأخرى، لكن الكاتخدا وبعد وصوله إلى نجد ومحاصرته لهجرتي الهفوف والمبرز شهرين كاملين تركهما وعاد بقواته الى العراق دون سبب واضح، وكان مقاتلو المنتفق بقيادة حمود الثامر ومقاتلو شمر بقيادة فارس الجربا قد أغاروا على سبيع في أطراف نجد أثناء حصار الهفوف والمبرز فغنموا منها إبلا وعادوا إلى الهفوف فوجدوا الجيش التركي قد فك الحصار، وغادر نجد الى العراق، فعادوا هم أيضا ليلتقوا مع القوات التركية عند ثاج، وقد أجبر حمود الثامر الكاتخدا التركي على التوقيع على وثيقة يعترف فيها بأن قرار الانسحاب قد اتخذه وحده، وهو الذي يتحمل المسؤولية أمام والي بغداد وإسطنبول خوفا من ان يحمله اسباب الانسحاب وخوفا من غضب الطرفين بحثهما عن بديل له.

استمرار الخطر النجدي

لم تنقطع الغزوات النجدية طوال السنوات اللاحقة، حيث قام سعود العبدالعزيز السعود بغزوات متتابعة على أطراف بادية العراق الجنوبية والبادية الغربية للكويت قرب حفر الباطن في السنوات الثلاث التالية، ثم شن هجومه الشهير على كربلاء لأسباب مذهبية عام 1801م، وبعدها بعام شن هجوما آخر على الزبير، وفي عام 1805م هاجمت قوة من النجديين بقيادة منصور الثامر السعدون الذي كان قد لجأ الى الدرعية واعتنق الفكر الوهابي قافلة من الظفير في البادية الغربية للكويت، وعلى مقربة من حفر الباطن فأبادوها وغنموا جمالهم المحملة بالمؤن، وفي عام 1807م عاد منصور الثامر مع ثلة من المقاتلين المرتزقة الى أراضي المنتفق وأقام حامية في منطقة أبو غار في الصحراء الجنوبية، وبدأ يرصد القوافل والتحركات القبلية في إمارة المنتفق وما حولها من أراض وقبائل، وإرسال الرسل الى سعود آل سعود لإيصال الأخبار أولا بأول، وكان من نتائج هذه الأخبار أن هاجمت القوات النجدية العديد من القوافل والمجاميع القبلية في الصحراء الغربية وعلى أطراف إمارة آل رشيد الجنوبية، وقد كانت قبائل المنتفق والظفير وشمر وعنزة والرفيع والحميد ضحايا هذا التجسس الذي مارسه منصور السعدون، لكن أمر منصور هذا لم يدم طويلا، إذ هاجم الجيش النجدي بقيادة سعود آل سعود نفسه قافلة للمنتفق كان يرأسها ابن أخيه سلطان حمود الثامر أثناء عودة الجيش النجدي مهزوما من أهالي كربلاء، فاشتبك مع المنتفق قرب المجرة وقتل منهم جماعة وسلب ممتلكاتهم وولى هاربا الى أطراف نجد، فحشد حمود الثامر قواته من مقاتلي المنتفق ولحق النجديين طلبا لثأر ابنه المقتول، ويبدو ان منصور الثامر قد غضب لمقتل ابن اخيه فتبع القوات النجدية قبل حملة حمود الثامر حيث لقيه بالقرب من الأرطاوية عائدا ومعه غنائم كثيرة بعد أن قتل من النجديين جماعة، وهرب البقية الى عالية نجد، واستمرت الهجمات المتبادلة بين المنتفق ونجد طوال السنوات الثلاث التالية، وكان النصر في معظمها للمنتفق مما جعل النجديين ينكفئون الى الحجاز وحايل، ثم كانت الحملة المصرية على نجد كفيلة بالقضاء على خطر النجديين الى الابد وخمدت حملات الفتك بالآمنين حتى ظهور حركة الإخوان في مطلع القرن العشرين.

المنتفق والحالة العثمانية

اتسعت هوة الخلاف بين والي بغداد سليمان باشا الصغير ومتسلم البصرة سليم آغا مما دفع الوالي الى الطلب من حمود الثامر طرد متسلم البصرة وتنصيب أحمد بيك مكانه، وقد تردد حمود الثامر أول الأمر لأن سليم آغا أخبر حمود بأن إسطنبول قد وافقت على تنصيبه واليا على بغداد، وأن والي بغداد سيعزل خلال أيام، لكن حمود الثامر طوق قصر المتسلمية في البصرة بعد أن ثبت زيف ادعاء المتسلم فسمح له بمغادرة البصرة مع أسرته الى بوشهر ونصب أحمد بيك مكانه عام 1810م.

وفي عام 1812م استولى عبدالله باشا على ولاية بغداد غصبا، ثم راسل الباب العالي الذي أقره على الولاية مما عجل بهرب أسعد بيك ابن الوالي السابق سليمان باشا الصغير مع جاسم الشاوي الوجيه البغدادي المعروف الى إمارة المنتفق، فبعث الوالي الجديد أحد أعوانه الى حمود يطالبه بتسليم الاثنين وإلا يتحمل المسؤولية، فما كان من حمود إلا أن رفض تسليمهما، وهو الأمر الذي جعل الوالي الجديد يقدم على عزل حمود الثامر من الإمارة، ويعين نجم شقيق ثويني العبدالله بدلا منه، وكان نجم قد اتصل بالوالي الجديد عارضا خدماته والتزامه بالأمر والطاعة للوالي حالما عرف بتأزم الوضع بينه وبين حمود.

ومنذ أواخر عام 1812م بدأ والي بغداد بتجهيز قواته لتأديب حمود الثامر واستعادة جاسم الشاوي وأسعد بيك، فاجتمعت حوله قبائل الجشعم وعقيل وشمر وبعض المنتفقين الموالين للأمير الجديد نجم العبدالله بالإضافة الى الجيش التركي وكتيبة من الأكراد، وفي أوائل عام 1813م سار بهم الوالي شخصيا نحو المنتفق فالتقى الطرفان في معركة غليوين التي هزم بها الجيش التركي بعد أن غدرت به القبائل العربية التي فاوضها حمود سراً، كما غدر الأكراد بالوالي بسبب تجديد ولائهم القديم لوالد أسعد بيك سليمان باشا بعد أن اتصل بهم أسعد بيك سرا، وقد لقي نجم العبدالله أمير المنتفق الجديد حتفه على يد علي شقيق حمود الثامر، في حين وقع الوالي وكاتخداه طاهر وشيخ عقيل ناصر الشبلي في الأسر، فنقل الثلاثة الى سوق الشيوخ وهناك قتلوا خنقا ومثل بجثثهم، وكان من نتائج الأمر الواقع لمعركة غليوين أن أصبحت تبعية الغراف الى إمارة المنتفق وانتزعت من ربيعة بعد مقتل شيخها مشكور في المعركة.

أسعد بيك والياً لبغداد

بعد انتصار المنتفق سارت قواتهم الى بغداد فدخلتها بعد خمسة أيام، حيث نصب أسعد بيك واليا بموافقة الباب العالي، وبعد عودة حمود الثامر الى إمارة المنتفق تزوج بابنة شيخ الجشعم فأهداه أسعد بيك قرية حمدان التابعة للبصرة كهدية لزواجه، وكانت قرية حمدان من القرى التابعة لملكية ولاية البصرة وأفضلها ريعا، وأما أهم نتائج المعركة فكان استقلال إمارة المنتفق وأميرها حمود عن بغداد تماماً وتبعيتها شكليا لها، وقد وصلت هيبة المنتفق الى مداها الأقصى، حيث خافتها كل القبائل والكيانات السياسية والاجتماعية المجاورة، وأصبحت الرقم الصعب في المنطقة لما يزيد على خمس سنوات متتالية، إذ لجأ اليها كل مطرود وهابها كل مخالف، وقد حدث خلاف بين فارس الجربا ودريعي الشعلان شيخي شمر والرولة على التوالي في أطراف كربلاء فاستنجد الجربا بقبيلة الخزاعل واستنجد دريعي بوالي بغداد أسعد باشا، وانتصر حلف شمر واستنجد الوالي بالمنتفق فبعث حمود ابن عمه عيسى محمد السعدون على رأس جمع من فرسان المنتفق والتقى الجمعان في لملوم فكان النصر حليف الوالي والرولة والمنتفق.

ثويني يظهر على الساحة للمرة الثالثة

كان ثويني يتحين الفرص لاستعادة إمارته التي ما فتئ يعلن رغبته صراحة لدى الوالي باستعادتها كلما سنحت فرصة لذلك طوال السنوات الأربع التي قضاها في الإقامة الجبرية، ومستشارا للوالي يحضر معظم الجلسات العامة والخاصة بحضرته، حتى أتت فرصة كبرى وهي غضب إسطنبول من نشاط الدولة السعودية الأولى واحتلالها مكة التي كانت توفر الهالة الروحية والهيبة الدينية للسلطان العثماني، ووصول الرسائل إلى والي بغداد سليمان باشا تطلب منه إبداء المشورة لما له من معرفة ودراية بالمنطقة وأحوالها، فما كان من ثويني إلا أن قدم نفسه كقادر على قمع ابن سعود إن أعيدت له إمارة المنتفق، وقدمت له المساعدات العسكرية المطلوبة، وذكَر الوالي بما حققه من انتصارات على إمارة الدرعية ذاتها لولا تركه نجد وعودته إلى ديار المنتفق نتيجة الخدعة التي وقع فيها، والتي كانت من صنيعة حمود الثامر، كما ذكره بالعلاقة الحميمة التي كانت سائدة بينهما في تلك الفترة، ويبدو أن حساب المصالح كان معقداً، حيث أراد الوالي أن يبدو أمام إسطنبول قويا ويتحكم في اللعبة العراقية وما يجاورها من مناطق، وأنه قادر على سحق إمارة الدرعية إذا ما رغبت الدولة العثمانية في ذلك، ولهذا جاءت لعبة المصالح الى جانب ثويني فأعيد عام 1796م أميراً للمنتفق بعد أن أُخذت عليه العهود والمواثيق على ألا يخرج على الطاعة وأن يقمع إمارة الدرعية.

وحين خرج ثويني من بغداد متجها إلى الجنوب رافقه جيش بغداد ورجال قبيلة عقيل، ثم اجتمعت حوله قبائل المنتفق، بعد وصوله إلى أراضي الإمارة، وبعد وصوله إلى البصرة التحق به أهل الزبير وبعض أهالي البصرة الحانقين على آل سعود أو الخائفين من الدعوة السلفية الجديدة، وقد عسكر ثويني بين البصرة والزبير وبدأ استعداداته هناك، وفي هذه الأثناء وصلت رسائل الباب العالي إلى والي بغداد تحثه على دعم حملة ثويني بالمدافع والرماة الأتراك، فأرسل الوالي إلى ثويني يطالبه بالتريث إلى حين وصول المدافع بطيئة الحركة ورماتها، وفي أثناء فترة الانتظار هذه وردت العديد من رسائل التأييد، وتوافد العديد من الرسل من البلدان المجاورة القلقة من نشاط إمارة آل سعود والدعوة الدينية المتشددة، وقد أبدى معظمهم دعمهم المطلق لحملة ثويني.

back to top