افتتاحية: خير الرجال يخلف صاحب المآثر
قلَّ أن اجتمعت في شخص واحد صفات كتلك التي كانت لعبدالله بن عبدالعزيز، طيَّب الله ثراه.فالملك الراحل لم يكن خادماً للحرمين وفياً لسيرة المؤسس والأسلاف فحسب، بل كان أيضاً صاحب رؤية ومبادرات داخل المملكة وخارجها، طبعت عهده، وجلبت لشخصه ولبلده الاحترام والتقدير والمكانة التي يستحقانها.
لا يختصر عبدالله بن عبدالعزيز بعنوان واحد. فهو الصالح ورجل الإصلاح. وهو الشجاع ورجل المبادرة والحكمة. وهو المدافع عن الإسلام ديناً وسطاً واعتدالاً دائماً وجسراً للحوار بين الأديان والحضارات. يسجل لعبدالله بن عبدالعزيز خطواته الداخلية المقدامة في تطوير النظام السياسي وتوسيع المشاركة فيه وتأكيده على دور المرأة في صلب الحياة السياسية والاجتماعية، سواء في مجلس الشورى أو سائر المناصب، حتى سمي عهده «عهد المرأة السعودية»، مثلما يسجل له ذاك الإصرار على ربط المملكة بالحداثة عبر العلم والابتعاث غير المسبوق ومراكز البحث والجامعات التي تضاهي نظيراتها في أرقى دول العالم.واجه الملك عبدالله طوال حكمه ظروفاً إقليمية صعبة بثبات وشجاعة نادرين. فوقف مع المظلومين المطالبين بالتخلص من الاستبداد، وقاوم الإرهابيين العابثين بأمن الداخل وبحدود المملكة، وكان شريكاً أول في محاربة الإرهاب وتأسيس مركز دائم لمكافحة هذه الآفة على مستوى السعودية وفي المستوى الدولي.لم يوفر الملك عبدالله فرصة للنصح والإرشاد. وبحكمة الشيوخ وروح الشباب دعا العلماء إلى التجديد والإقلاع عن «الكسل»، وكأنه يخاطب الأمة جمعاء بأن عليها واجب التجدد والتغيير والسير مع العصر لمواجهة التحديات.لا نوفي الراحل الكبير حقه في تعداد مآثره. فهي ستبقى زرعاً ينبت على الدوام، وهي ستكون بالتأكيد أمثولة حية تلهم خلفه الأمين الملك سلمان الذي سيكمل، بعون الله، هذه المسيرة العطرة بما عرف عنه من صفات القياديين الكبار. وخادم الحرمين الشريفين الجديد سيكون حتماً رجل المرحلة الصعبة وقائد السفينة وسط الأنواء التي تمر بها المنطقة. فهو صاحب خبرة استثنائية في السياسة والحكم الرشيد ومحبة الناس. تحمل المسؤوليات على مدى عقود وفي مناصب حساسة وكان شريكاً فاعلاً في القرار وصاحب رأي سديد يحسب له حساب. ولعل عوضنا بالمليك الراحل هو ان خليفته خير الرجال، وأن المملكة في عهده الميمون ستتابع مسيرة الريادة والقيادة والازدهار.