«ترى أسفرك»

إن قراراً جيداً مثل هذا لا جدوى من جودته إن لم يوضع محل تنفيذ حقيقي، إن لم ينعكس تغييراً جذرياً في نظرة الإنسان الكويتي للطبقة العاملة، وهذه تتغير إذا انتهت سلطة الكويتي بكويتيته التي تبيح له التحكم في الآخرين واستخدام وسائطه ومعارفه لقهرهم ومعاقبتهم و"تسفيرهم"، وهو التهديد والعقوبة المفضلان عند الكويتيين تجاه من يختلفون معه من غير بني جنسهم. لابد لنظام الكفيل أن ينتهي، ولابد لقانون متين يتعامل مع خصوصية حالة العمالة المنزلية والظروق الاستثنائية لوجودهم المستمر في المنازل التي هي بيئة شديدة الخصوصية والغموض ويصعب إثبات أي ظلم أو تعنّت يتعرض له العامل فيها، أقول لابد من قانون متين يتعامل مع هذه الظروف الحساسة جميعاً بحسم ووضوح، كما ولابد من رفع الأجور لتصل للحدود الإنسانية الدنيا على الأقل، فالأجر بحد ذاته إشارة ضمنية على أهمية احترام الإنسان وعمله، وتذكير بأن هذا الإنسان، وإن كان عاملاً في المنزل ينظف الحمامات ويغسل الملابس ويطبخ الطعام، هو موظف، تحكمه بنا ما يفترض أن تكون قواعد واضحة حول ساعات العمل والحقوق والواجبات، والأهم من كل هذا وذاك الاحترام الإنساني المفترض في أي علاقة اجتماعية أو عملية.هذا الاحترام الحقيقي لإنسانية العامل المتساوية تماماً وإنسانيتنا هو ما ينقص فكرنا الجمعي فعلاً، حيث استقرت هذه التفرقة في عقولنا وعميقاً في ضمائرنا حتى عدنا فعلياً نراهم غير مكتملي البشرية، ولربما أكثر ما يدلل على ذلك أن الكثير من السيدات المحجبات لا يتهيبن خلع الحجاب أمام العامل غير الكويتي، وكأن "أجنبيته" تقلل من أهليته الإنسانية. في بيوتنا، لا نتصور أن هذه العاملة التي نغير اسمها بما يناسب نطقنا، والتي نلبسها لباساً يجعلها شبه خفية عن أعيننا، فنتكلم عنها في وجودها، ونشتكي متاعبها على مسامعها، ونستمتع بالحياة أمام ناظريها المحرومين، لا نتصور أن لها مثل ما لنا من آلام وآمال وأحلام، من رغبات وتطلعات، من نفس تُجرح وقلب يحب، يختفي كل ذلك في طيات زيها الموحد، الذي يجعل منها آلة كما آلاف الآلات بيننا.لا تتغير هذه الصورة بقرار واحد معزول، وإن كان قراراً جيداً، فلابد هنا من حملة تغيير جذرية كاملة، تبدأ من الكلمة، وتمتد إلى القانون، وتتطور إلى مواد في المناهج الدراسية للتثقيف بحقوق الإنسان، وصولاً إلى أعماق نفوس الناس، ولحين تحقق ذلك لابد من قانون حاسم وسريع يحمي العمالة من بطش العلاقات والوساطات، ولابد من إلغاء نظام الكفيل المؤزم المشوه لصورتنا غير المحتملة المزيد من التشويه أصلاً، فإلى أين الآن بعد خطوة تغيير الكلمة؟