القوة النووية التالية في الشرق الأوسط؟

نشر في 11-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 11-02-2015 | 00:01
 ديفيد شينكر مع تركيز الاهتمام الغربي على كل أنحاء المنطقة المحيطة بالأردن، وخصوصا على المفاوضات النووية مع إيران، كانت المملكة تقترب من امتلاك قدرة نووية بنفسها، وذلك من خلال سلسلة من التحركات غير الملحوظة.  

تشاهد المملكة الأردنية الهاشمية منذ أكثر من عقد من الزمن دوامة الاضطراب شبه المستمرة القائمة حول حدودها، فمن جهة كان هناك الغزو الأميركي للعراق، ومن جهة أخرى الحرب الإسرائيلية مع لبنان، والحرب الأهلية السورية في الشمال التي شهدت ازدهار تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وخلال فترة كبيرة من هذا العقد، حين كان الأردن يستوعب اللاجئين ويستهدفه الإرهاب، تفادى إلى حد كبير الآثار المباشرة للحرب نفسها، إلا أن الأنباء التي وردت في الثاني والعشرين من يناير والتي ذكرت أن المملكة مستعدة لمبادلة إرهابي متورط في أسوأ هجوم إرهابي في التاريخ الأردني، مقابل تحرير أحد طياريها الذي وقع في أسر "داعش" بعد تحطم طائرته من طراز إف 16 في ديسمبر (على الرغم من أنه كان قد أُعدم حرقاً في الثالث من يناير دون معرفة المملكة الهاشمية)، مثلت فصلاً جديداً في صراع الأردن الدائم ضد المتشددين على حدوده، وقد ارتفعت فوق كل هذه التحديات الإقليمية سحابة داكنة من الخوف وعدم اليقين والتوتر ناتجة عن البرنامج النووي السري الإيراني الناشئ.

ولكن حتى مع تركيز الاهتمام الغربي على كل أنحاء المنطقة المحيطة بالأردن، وخصوصا على المفاوضات النووية مع إيران، كانت المملكة تقترب من امتلاك قدرة نووية بنفسها، وذلك من خلال سلسلة من التحركات غير الملحوظة. وفي الواقع، إن المملكة الأردنية الهاشمية، الشريك العربي الأكثر موثوقية بالنسبة إلى واشنطن، هي أحدث دولة في الشرق الأوسط تنظر في امتلاك الطاقة النووية وترفض في الوقت نفسه التخلي عن حقها في التخصيب.

وقد ثبت أن "الحق في تخصيب" اليورانيوم هو من نقاط الخلاف الرئيسة في المحادثات النووية الإيرانية، وكان على رأس قائمة الأسباب الكامنة وراء عدم تمكن واشنطن وطهران من الالتزام بالمهلة المحددة في أواخر شهر نوفمبر للتوصل إلى اتفاق ينظم البرنامج النووي لدى الدولة الثيوقراطية، الأمر الذي دفع بهما إلى تمديد هذه المهلة.

ولمنع انتشار الأسلحة النووية، أصرت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أنه يجب على دول الشرق الأوسط التي تسعى إلى الحصول على الطاقة النووية التخلي عن الحق في تخصيب المواد النووية.

إن مبدأ عدم التخصيب دعم ما يُسمى بالـ"المعيار الذهبي" للاتفاقات النووية الثنائية الأميركية، وفي حين لا ينطبق هذا المعيار بشكل موحد خارج هذه المنطقة- إذ لم تشمل "اتفاقية التعاون النووي السلمي" التي وقّعتها واشنطن مع هانوي عام 2014 أي بند من هذا القبيل- إلا أن الإمارات العربية المتحدة قبلت بالامتناع عن التخصيب وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد، وذلك في الاتفاقية التي عقدتها مع الولايات المتحدة في ديسمبر 2009.

كان الأردن وواشنطن يناقشان لبعض الوقت موضوع التعاون النووي، إلا أن هذا الحديث اكتسب طابعاً ملحاً بعد اندلاع الثورة المصرية عام 2011- والتدمير اللاحق والمتكرر لخط أنابيب الغاز الطبيعي في سيناء الذي أعقبها- عندما خسرت المملكة أكثر مصادرها من الطاقة ثباتاً، وفي عام 2013 أسفرت هذه الاضطرابات عن عجز بقيمة 2 مليار دولار، أو ما يقرب من 20 في المئة في الميزانية.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، ركزت المملكة بشكل متزايد على الطاقة النووية، ولا سيما على بناء محطتين للطاقة بقدرة 1000 ميغاواط، لملء هذه الفجوة، وبحلول عام 2030، يقدّر مسؤولون أردنيون أن الطاقة النووية ستوفر 30 في المئة من الكهرباء التي تحتاجها دولتهم.

وقد تعرضت المنشآت النووية المقترحة من عمّان إلى معارضة في الداخل والخارج، وتدور معارضة واشنطن المعلنة للبرنامج حول الحق في تخصيب اليورانيوم، إذ إن عزم الأردن على الحفاظ على هذا الحق قد أعاق الجهود للتوصل إلى "اتفاق 123" الذي يحكم التعاون النووي الدولي للولايات المتحدة، فالمملكة، التي لا تتمتع بثروة نفطية، لديها ودائع كبيرة من اليورانيوم الخام، تُقدّر بـ35 ألف طن وفقاً للتقارير أو ما يكفي الأردن على مدى 100 عام، وتأمل باستغلال هذا المورد تجارياً.

وفي المقابل، عارضت إسرائيل أيضاً الطموحات النووية الأردنية، ويرجع ذلك أساساً إلى مخاوفها بشأن السلامة، إذ إنه كان من المقرر بناء إحدى المحطات النووية المقترحة في الأردن، في البداية على الأقل، في وادي نهر الأردن، وهو صدع زلزالي كبير، ووفقاً لبرقية دبلوماسية أميركية كشف عنها موقع "ويكيليكس"، أبرزت إسرائيل هذه المخاوف خلال لقاء مع مسؤولين أردنيين في عام 2009، أي قبل عامين من حدوث كارثة "فوكوشيما دايتشي"، إلا أن المسؤولين الأردنيين ردّوا بالاستشهاد باليابان كبلد معرض للزلازل، ولكنه يبني مفاعلات نووية آمنة.

بيد أن المعارضة الأكبر للمشروع النووي الأردني هي معارضة محلية، وليس من الصعب معرفة السبب وراء ذلك. فبادئ ذي بدء، من المقرر بناء المصانع المقترحة في معقل بني صخر، أكبر قبيلة في الأردن، وفي هذا السياق، فإن هند الفايز، الشابة صاحبة الشخصية المؤثرة والمقنعة والعضوة في البرلمان الأردني والتي تنحدر من القبيلة نفسها وصادف أنها متزوجة من ناشط بيئي محلي بارز، اعتمدت أجندة تحارب السلاح النووي كقضيتها الشهيرة. وفي مايو 2012، قادت تصويتاً ناجحاً في البرلمان لوقف البرنامج.

ومن بين المخاوف الأخرى، تتساءل الفايز كيف يمكن لدولة لديها القليل من الماء أن يكون بمقدورها تبريد مفاعل يقع على بعد أكثر من 200 ميل من الشاطئ، وعما إذا كان لدى الأردن رأس المال البشري الكافي (أي، ما يكفي من علماء الفيزياء النووية) للعمل على تشغيل هذه المحطات بأمان، كما أعربت عن استيائها من كلفة المشروع البالغة 10 مليارات دولار، وهو مبلغ يعادل تقريباً إجمالي الميزانية السنوية للأردن لعام 2013.

ولكن، رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، خالد طوقان، الحاصل على دكتوراه في الهندسة النووية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يدحض هذه الانتقادات، وطوقان هو من المدافعين بقوة عن هذا المشروع في الحكومة.

وفي هذا السياق يقول طوقان إن عدم الوصول إلى المياه لا يطرح مشكلة، مثل محطات الطاقة النووية الثلاث في "بالو فيردي"، وأريزونا، سيستخدم الأردن مياه الصرف الصحي من محطة معالجة مياه الصرف الصحي القريبة الواقعة في خربة سمرة لتبريد المفاعلات القوية، أما المفاعل الثاني، وهو أقرب إلى ميناء العقبة، فسيستخدم المياه التي يتم ضخها من البحر الأحمر، مما يخفف من أزمة المياه في الأردن عبر تحلية المياه.

هل هناك فعلاً ندرة في الفنيين المحليين في المجال النووي؟ ليس لفترة طويلة، كما يقول طوقان. فالمملكة تقوم ببناء مفاعل للأبحاث والتدريب، كما أنشأت مؤخراً برنامج بكالوريوس في الهندسة النووية، ولديها واحد وستين مواطناً مسجلاً حالياً في برامج الدراسات العليا في الهندسة النووية والمجالات ذات الصلة في الخارج. أما بالنسبة إلى التحدي الذي يطرحه التمويل، فيعتبر طوقان أن روسيا- التي من المقرر حالياً أن تقوم ببناء المفاعلات- ستموّل وستملك 49.9 في المئة من المشروع، وبالتالي يتبقى على الحكومة الأردنية تمويل الحصة المتبقية وهي الحصة المهيمنة.

وعلى الرغم من أن إجابات طوقان موثوقة، فإنها لم تنجح بعد في إقناع المشككين من بين الأردنيين، ولعل ذلك يعود إلى مشاكل السلامة الخطرة التي ظهرت في "بالو فيردي" في عام 2013، أو ربما تكون مزاعم طوقان غير المدعّمة بالأدلة التي قدمها في عام 2014 للبرلمان، بأن تسرب الإشعاع من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا يؤدي إلى زيادة حالات السرطان في المملكة، قد أدت إلى زيادة استياء الأردنيين من الطاقة النووية، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي تصاعد المخاوف من الإرهاب- والتي تغذيها المكاسب الإقليمية الأخيرة التي حققها تنظيم "الدولة الإسلامية"- إلى كبح الحماس لهذا المشروع.

وفي العام الماضي قالت النائبة هند الفايز "لن يبنوا هذا المصنع طالما أنا على قيد الحياة"، وبعد مرور عام، لم تتضاءل معارضتها لهذا البرنامج بشكل ملحوظ.

ويقيناً، إن الأردن بحاجة إلى الطاقة، وفي الواقع، إن هذه الحاجة ملحة لدرجة أن القصر الملكي تجاهل قبل أشهر الرفض المحلي الكبير ووقّع على صفقة لمدة 15 عاماً تبلغ قيمتها 15 مليار دولار لشراء الغاز الطبيعي من إسرائيل. (وقد جمّدت عمان مؤقتاً المفاوضات في حين تتعامل إسرائيل مع مخاوف مكافحة الاحتكار في قطاع الغاز البحري الخاص بها). لكن على الرغم من أهمية الإتفاق فإنه غير كافٍ لتلبية احتياجات المملكة في العقود القادمة.

وفي ظل استمرار المعارضة الخارجية والداخلية، ليس من الواضح ما إذا كان الأردن سيشرع فعلاً بالخيار النووي. وفي الوقت الحالي تعتبر "لجنة الطاقة الذرية" بأن القوة النووية هي "خيار استراتيجي"، ولكن مع وجود نحو مليون لاجئ سوري في المملكة، ومع تعثر الاقتصاد، وتزايد التهديد الذي يطرحه الإرهاب على الجبهة الداخلية، ومع قيام "داعش" في البداية باحتجاز الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد إسقاط طائرته وإعدامه حرقاً في الثالث من يناير، يمكن للملك عبدالله أن يراهن من خلال تأجيل القرار، وتجنب المواجهة مع واشنطن، إلى أجل غير مسمى، ونظراً للتحديات المستمرة، على الأقل في الوقت الراهن، يجب أن يكون غياب الأسلحة النووية أمراً بدهياً بالنسبة إلى المملكة.

* بوليتيكو

back to top