المكتبات في متناول أيدي القراء... حقيقة!

نشر في 15-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 15-06-2015 | 00:02
• مسيرة من الأرصفة عبر الرفوف وصولاً إلى {إنستغرام}

كلما كانت الكتب في متناول الأيدي؛ صارت تلك المكتبة الأكثر قرباً وطلباً، سواء كانت مكتبة كبيرة بآلاف الأرفف كما تخيل بورخيس متاهته؛ أو حتى لو كانت رفيقة المشاة على أرصفة الطرق!
وشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت لم تكتفِ بقربها بل صارت تدس الكتب بالقوة بين كفوف المتصفحين عبر حسابات المكتبات التي وجدت فرصة كبيرة لعرض الكتب وبيعها وترويجها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وبما يتيح عددا أكبر من عشاق القراءة والكتب.
عن ترك القنوات التقليدية لبيع الكتب وعرضها، وعن {الكتبي} الذي صار يلزمه التعرف إلى مفاتيح دخول عالم الإنترنت من أوسع أبوابه، حاورت {الجريدة} مسؤولي بعض حسابات {بيع الكتب} في مواقع التواصل الاجتماعي.
تتحقق التجربة الأكثر خبرة في منجز فارس الكامل، الرجل الذي أعاد مشهدية التجمعات الثقافية في دار صغيرة، فلم تعد المكتبة محلاً للبيع فقط بل صارت مكاناً لتبادل الكتب والأحاديث والحوارات، بدءاً من بيته ومكتبة أولى عمل فيها وأسسها وترك لها شعاراً لافتاً {اطلبوا العلم ولو في اليرموك} تأسياً بطلب العلم، مروراً بمواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت. حتى تطورت الأمور مع بعض أصدقائه كعبدالعزيز العتيقي ويوسف السنافي لتتحقق مكتبة {المعقدين}، الاسم الذي اشتهر به مقهى جمع المثقفين والشعراء وأهم أعلام العرب في العراق أيام السبعينيات لينقله مكتبة في الكويت، باسم مغاير ولافت وبوصل مع تاريخ له قيمته.

عن هذه التجربة التي تحققت فيها عوامل التسويق والانتشار بعمق ثقافي وتأصيل معرفي قال الكامل: {يختلف الموضوع عندما يتولى المكتبة قارئ مطلع، يعرف قيمة الكتب وموضوعاتها وفائدتها، فيتمكن من تبادل الحوار مع زائر المكتبة بعلم ودراية، ليقترح عليه وليسأله وليباغته بعناوين جديدة مما يؤسس بذلك علاقة فريدة من نوعها، ما بين القارئ والكتبي والكتاب وعالم شاسع من الأفكار لا يمكنه التوقف والجمود}.

 

القارئ النوعي

 

وعن إيجاد مواقع في الإنترنت لعرض الكتب وبيعها أشار: {يهمني أن تكون الكتب المطلوبة في متناول يد القراء، لذلك كنت أتواصل مع المطلعين على الكتب وأجيب عن أسئلتهم وأحاول توفير ما يحتاجون إليه من غير المعروض، كذلك كنت أقوم بإيصال الكتب إلى من لا يتمكَّن من الحضور إلى المكتبة شخصياً وبمعاونة الأصدقاء.

وعن علاقته بالقراء، بيّن الكامل أنه تمكَّن من إيجاد {صحبة قارئة نوعية تعتمد على {المعقدين} في توفير الكتب التي تشكل نسقاً واحداً يبحث عنه ويريد التوسع فيه}. وأضاف: {بذلك أصبح القارئ نوعياً محترفاً، وهي خطة المكتبة، لتحقيق مشروع استنارة بأفق واسعة وسقف عال وتأثير دائم التفاعل المعرفي}.

واستبعد الكامل إنهاء الكتب الإلكترونية لجمالية وأصالة الكتب الورقية، قائلا: {رغم صدور لجهاز {الكاندل}، ومن ثم ظهور الآيباد وغيرها من الأجهزة التي توفر الكتب؛ لم يمتنع القارئ عن الكتب الورقية، فلذاكرة الورق ارتباط نفسي بالقارئ، ولن يفك هذا الارتباط أي تكنولوجيا مقبلة، والدليل وجود مكتبات ضخمة في بيت كل منا رغم توفرها إلكترونياً.

واستمرارية في العمل بمشروع {المعقدين}، أشار الكامل إلى ترحيب المكتبة لاستقبال الكتب جميعها ومهما كانت حالتها وإمكانية شرائها من أصحابها بأسعار لا تحط من قيمتها، مشيراً إلى أنه يتمنى أن يكون الكتاب {مطلباً لكل فرد، وكائناً خلاقاً لكل فكر، وغنى للعقول والجيوب كذلك}.

بورخيس يلعب... شهرزاد تقرأ

 

القاص كريم الهزاع طالما عاش حلم بورخيس بتكوين المكتبة {المتاهة}، وكان يؤسسها طوال سنين سابقة بحواراته مع الأصدقاء ومن يلتقي بهم ليخلق متاهة خاصة لكل منهم انطلاقاً من مفهوم نقدي، أو معلومة عميقة، أو موضوع فلسفي، حتى رغب ببيع كتبه الخاصة ليفيد بها الآخرين ويتمكَّن ليتطور الموضوع إلى مكتبة قائمة تعرض الكتب وتبيعها وتوصلها بالتعامل عبر موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام وتويتر.

 

سرد ومعرفة

 

وعن التسمية أشار الهزاع: {لعبة السرد والمعرفة الشمولية كانت وراء سبب التسمية كما أن الأمر لا يخلو من أطياف بورخيس ورواية ألف ليلة وليلة، كم تمنيتها مثلاً، وهذا لن يحدث بشكل دقيق لكنه ربما يحدث بشكل آخر إذ تخيلت أن شهرزاد بدلاً من أن تحكي حكاية لشهريار كل ليلة تقرأ له كتاباً}. وأكمل ليدخلنا نحن في متاهته: { ولأني مأخوذ بتاريخ الأفكار ونشوءها وتطورها تخيلت شهرزاد تقتنص الكتب المهمة منذ بدء الخليقة وحتى عصرنا هذا لترويها على شكل أعمال خالدة لها حفرياتها في العقل البشري، ولنكن أكثر واقعية ونتخذ المجاز منهجاً لنا في التفكير ونقتنع بأننا نقتات الأفكار مثلما نرتدي الثياب ونستبدلها حتى نتخلص من العنف والعنف الرمزي في ثقافتنا والأدعاء بأننا نملك الحقيقة وحدنا ومفاتيح الجنة لنمنحها لمن نشاء ونحرم منها من نشاء، حينما نقتنع بذلك سنعرف بأن الإنسانية هي الأهم والسلام هو الهدف، وهنا سأتذكّر مقولة لديموقراطيس: {لا شيء موجود سوى الذرات والفراغ. أما الباقي فمجرد آراء}. وأضيف أن المهم من هذه الآراء هو ما يشكل قوانين للدول المتحضرة، فالقوانين وحدها تربي الناس وتصنع لهم مسارهم، وأفضلها ما يستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حتى هذه اللحظة... والآن بعد ذلك كله، هل أدخلتكم في المتاهة أم بعد؟}.

 

بدايات المتاهة... غربلة

 

إجابة عن سؤالنا عن بدايات المكتبة قال الهزاع: {أعترف بأني كنت أهرب من هذا النوع من الأسئلة، لأنها ستجرني إلى نوع من المكاشفة. لم يكن بالسهل أن أبيع أي كتاب من مكتبتي وأنا الذي صنعتها رغيفاً رغيفاً لأبيعها طحينا، لكن... وبدأت الخطوة الأولى مع الغربلة التي تمارسها صديقتك منى كريم لمكتبة بيتنا، فكلما انتهينا من شراء كتب من معرض الكتاب نُعيد ترتيب المكتبة قبل الدخول في بياتنا الشتوي، وهكذا نرتب الحديقة بعد أن ننظفها من الحشائش الضارة، إذ تحاصرني منى بالأسئلة: هل ستقرأ هذا الكتاب بعد شهر؟ لا - بعد سنة ؟ لا - بعد... وهكذا تستمر لعبة هذا لك، هذا لي، هذا للصندوق، ويأكل الصندوق بما يعادل الرف من المكتبة}.

وأكمل: {هذه اللعبة سربت كتبي للموقع الذي أنشأته على موقع الإنستغرام، حين طلب مني ابني شراء ملابس قلت له لنقم ببيع {رأس المال} لماركس. ولشراء شراشف جديدة قلت لنبع ديوان {سرير الغريبة} ودواوين أخرى، ولشراء أحذية قلت سأبيع لكم كل الكتب التي تتحدث عن العنف أو تمجده، وللطعام بعت {مدن الملح}، وهكذا يبدو أني دخلت في لعبة البيع والشراء}.

وكما يبدو أن {المتاهة} لن تبقى موقعاً للبيع بقدر ما ستكون ملتقى لهواة المتاهات. وأكَّد الهزاع ذلك بقوله: {تعرفت إلى قراء الكتب وعرفت اختياراتهم عن قرب وبعض ميولهم، وفتحت معهم حوارات من خلال {البوستات} التي أكتبها بين فترة وأخرى حالماً بأن تصبح مكتبة {المتاهة} في نهاية الأمر ملتقى ثقافياً.

وعن التباين ما بين الكتب الورقية وأرفف الكتب المتراصة بكبسولة في الإنترنت؛ كان الهزاع محايداً، وقال: {بالنسبة إلي أفضل الكتب التي على الأرفف، بشكلها وذكرياتها، وعلاقة القراءة بتصفحها. ولكن ميزة الكتب على الإنترنت أنها تعرض بشكل أفضل وأكثر ترتيباً، وثمة فرصة أطول للتفكير في شراء الكتاب أو تركه}. وعن توصيل الكتب إلى القراء الذين يطلبونها قال: {خدمة التوصيل عامل مهم ويدعم فكرة المشاهدة البصرية لما هو معروض، وهي بذلك مشروع ثقافي يحقق إثارة الحواس التي تتناول الفكر وتتمهل في استقباله والتفكر به}. ليختتم حديثه بأنه يبقى يعول الكثير على الكتاب الورقي تحديداً، {فلن ينتهي ما دمنا متصالحين مع الطبيعة}.

تقاسيم... الرواية والشعر

 

ضمن مكتبات كثيرة تنتشر على الإنترنت كان لمكتبة {تقاسيم} حضورها الهادئ، والذي يشير إلى مسؤول عنها يعرف الطريق وليس جديداً فيه، وهو ما تأكدنا منه بعد مراسلة الحساب المتوفر في إنستغرام، إذ أجاب الشاعر رعد الشمري بأنه المسؤول، مبيناً أن {تقاسيم دار نشر، والمكتبة ذراع لهذه الدار، واختيار الاسم جاء بناء على ارتباط الاسم في رحلتي الصحفية، حيث إني كنت مشرف على إحدى الصفحات وكانت تحمل الاسم نفسه... لنقل أنها إكمال مسيرة} .

وما بين الكتب الورقية والإلكترونية كان الشمري محايداً، إذ قال: {رغم الراحة التي تقدمها المكتبة الإلكترونية من حيث توفّر الكتب؛ فإننا لا نجد في المكتبة العربية التنوع الكبير كالمكتبة العادية التي تتضمن الكتب في المجالات الأدبية كافة}.

ويرى الشمري أن المكتبة الإلكترونية لا تزال مرفوضة نوعًا ما رغم العدد الكبير لروادها، {فنكهة الكتاب تسيطر على الغالب من القراء باستثناء الكتب الممنوعة التي يستطيعون الحصول عليها بكل سهولة، وهذه النقطة ترجح كفة المكتبة الإلكترونية}.

وخالف مسؤول مكتبة {تقاسيم} مسؤولي مكتبة {المعقدين} فارس الكامل، و}المتاهة} كريم الهزاع في انحيازهما إلى الكتب الورقية، إذ يرى قرب نهايته، وأشار بالقول: {كل المؤشرات تدل على انتهاء الكتاب الورقي للأسف، برأيي، رغم أني من محبيه، ولكنني أرى الأهم من كون الكتاب ورقياً أو إلكترونياً هو عملية القراءة نفسها، وتوفّر الكتب غاية مهما كان شكلها ما دامت تحقق العودة إلى القراءة وتزايد عدد القراء}.

وعن تفاعل القراء مع مكتبة {تقاسيم}، ونوعية الكتب المطلوبة قال: {يركز معظم الروّاد على الروايات، ونشهد نهضة كبيرة جداً في الطلب عليها وبالذات روايات الكتاب الخليجيين، لانتشارها الكبير أخيراً ولتضخم حجم إصدارها}. أما عن بيع الكتب المستعملة فلم يلجأ إليها الشمري، مبيناً أنه {نادراً ما يتم طلبها من المكتبة أو حتى يُسأل عنها}. 

 

back to top