أذكى إنسان في التاريخ

نشر في 01-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 01-02-2015 | 00:01
No Image Caption
مَن كان أذكى إنسان في التاريخ؟ لا شك في أن المؤهلين لهذا اللقب كثر. على سبيل المثال، أينشتاين وستيفن هوكينغ ووليام شكسبير ولودفيع فان بيتهوفن. وبنجامين فرانكلن.
قبل أن أطلعكم على اختياري، أود أولاً أن نناقش معنى كلمة ذكاء.
 نستخدم عادةً مصطلحي ذكي وفطن كمرادفين، إلا أنهما قد لا يكونا كذلك بالضرورة. نشهد اليوم جدالاً مستمراً بين علماء النفس، علماء الأعصاب، وخبراء الذكاء الاصطناعية بشأن ماهية الذكاء. ولكن في مناقشتنا هذه، يكفي أن نعتمد تعريف القاموس البسيط: {القدرة على التعلم، التحليل، الفهم، وأشكال مماثلة من النشاط الفكري، القدرة على فهم الحقائق، العلاقات، الوقائع، المعاني، وغيرها}.

يشير هذا التعريف ضمناً إلى أن الذكاء هو المعرفة العامة. فالشخص الذكي القادر على فهم العلوم الميكانيكية الكمية لا يعود على المجتمع بأي فائدة إن كان جاهلاً. إذاً، يعرف الشخص الذكي معلومات كثيرة عن عدد من المواضيع المختلفة. بكلمات أخرى، يجب أن يكون متعدد المواهب.

أخيراً، يجب ألا ننسى عنصر الإبداع. يفكر المبدعون بطرق لا تخطر على معظم الناس. في المواضع التي يرى فيها المجتمع حائطاً مسدوداً، يرى فيها المبدع فرصة. فأي شخص في التاريخ يشكل مثال الذكاء، المعرفة، والإبداع؟ من الطبيعي أن نرشِّح اسحق نيوتن لهذا اللقب.

ما كان معدل ذكاء نيوتن؟ من الصعب معرفة الجواب، فما كانت اختبارات الذكاء معتمدة في القرن السابع عشر. وحتى لو وجدت، ما كان نيوتن قبل بأن يمضي 90 دقيقة في رسم الدوائر لانتقاء الخيار في اختبار مماثل. علاوة على ذلك، كان على الأرجح سينهي الاختبار بسرعة ويمضي ما تبقى من وقت في تصحيح الأخطاء وابتكار أسئلة أكثر صعوبة.

لا أحد يشك في أن اسحق نيوتن كان رجلاً ذكياً، إلا أنه أعرب في الوقت عينه عن الصفتين الأخريين المذكورتين أعلاه: المعرفة والإبداع.

لاهوت

كان نيوتن حقاً رجلاً متعدد المواهب. لم يتقن الفيزياء والرياضيات فحسب، بل كان أيضاً لاهوتياً. كان مهووساً بنبوءة نهاية العالم، وقد احتسب مستنداً إلى تفسيراته للتوراة والإنجيل أن يسوع المسيح سيعود إلى الأرض عام 2060. وكان منكباً على الدين إلى حد أن أكثر من نصف منشوراته، وفق مجلة Nature، كانت في مجال اللاهوت.

بالإضافة إلى ذلك، كان واسع الاطلاع في مجال الخيمياء. لا تلوموه على ذلك لأن علماء كثيرين في تلك المرحلة اعتقدوا أن من الممكن تحويل أي معدن إلى ذهب. توضح مجلة Economist لماذا لم يُعتبر هذا المفهوم غير منطقي في زمن نيوتن:

لم تكن نظريات الخيمياء غبية. على سبيل المثال، يحتوي خام الرصاص غالباً على الفضة، وخام الفضة على الذهب. لذلك لم تُعتبر فكرة أن الرصاص يتحوَّل تدريجاً إلى فضة والفضة إلى ذهب منافية للمنطق. كذلك اكتشف بعض علماء الخيمياء عناصر عدة، مثل الفسفور.

علاوة على ذلك، انكب نيوتن في مرحلة لاحقة من حياته على علم الاقتصاد. يكتب جيمس غلايك، كاتب وضع كتاباً ممتازاً بحق عن سيرة حياة اسحق نيوتن: {درس مسائل مثل نظريات نقدية غير تقليدية وعملات دولية}. بصفته المسؤول عن صك العملة، شملت مهام نيوتن ملاحقة مزوريها، وهذا ما فعله {بدأب، بل بشراسة}، وفق غلايك. لم يعرب عن أي شفقة في سعيه إلى تحقيق العدالة. وعندما هاجم المزور الشهير وليام شالونر نزاهة نيوتن الشخصية، ضاعف جهوده ليلقي القبض عليه. تذكر مجلة Mental Floss:

أدى دور رجل الأمن الواسع الحيلة أكثر منه دور العالم الوقور. فرشى نيوتن المحتالين للحصول على المعلومات. وبدأ بتوجيه التهديدات. ضغط على زوجات شركاء شالونر وعشيقاتهم. باختصار، تحوَّل إلى رجل الأمن القاسي في لندن في القرن السابع عشر.

نجح عمل نيوتن السري هذا، فألقي القبض على شالونر وشُنق.

إبداع منقطع النظير

لا شك في أن كل ما ورد أعلاه مذهل، إلا أن ما يميز نيوتن عن سائر المفكرين قدرته الإبداعية المنقطعة النظير، فهو طوَّر عدداً من الأدوات التي ما كان لها أي وجود قبله. على سبيل المثال، بغية دراسة التسارع أو التبدل في السرعة، احتاج إلى أداة تتخطى علم الجبر الأساسي. تشكِّل هذه الأداة، التي تُدعى العدد المشتق، الوظيقة الأساسية الأهم في الحساب، مع أنها ما كانت قائمة قبل القرن السابع عشر. ابتكرها نيوتن.

بغية تحديد المساحة تحت منحنى، احتاج نيوتن إلى أداة أخرى تتخطى علم الجبر الأساسي. تُعتبر هذه الأداة، التي تُدعى التكامل، ثاني أهم وظيفة في الحساب. وعلى غرار العدد المشتق، ما كانت الأداة موجودة قبل القرن السابع عشر لأن نيوتن ابتكرها. وطور أيضاً المقراب العاكس وحافات النقود المعدنية، التي شكلت تدبيراً مضاداً للسرقة يحول دون اقتطاع أجزاء من العملات المعدنية.

سيرة

تتجلى قدرة نيوتن الإبداعية من خلال ذروة سيرة غلايك الذاتية التي كتبها زوج ابنة أخيه علم 1726:

سألته مَن صنعها له، فأجابني بأنه صنعها هو بنفسه. وعندما سألته من أين يأتي بأدواته، قال لي إنه يصنعها بنفسه. ومن ثم تابع ضاحكاً: لو أني انتظرت آخرين ليصنعوا لي معداتي وما أحتاج إليه، لما حققت أي تقدم...

من المحزن أن اسحق نيوتن، رغم شهرته، عاش في وحدة. كانت لذكائه الحاد كلفة كبيرة: تشير طبيعته الانطوائية والمعادية للمجتمع أنه عانى التوحد. كذلك يوحي هوسه وطبيعته البغيضة أنه عانى المرض العقلي، ربما اضطراب الوسواس القهري. تصف Mental Floss نيوتن بقسوة، ذاكرة أنه عانى شتى الأمراض.

يقر المؤرخون أنه عانى اضطرابات كثيرة. فقد اختبر تقلبات كبيرة في مزاجه، ما يشير إلى الاضطراب الثنائي القطب الذي ترافق مع ميول جنونية. كذلك يضعه عجزه عن التواصل مع الناس بين مرضى التوحد. كذلك أعرب عن ميل إلى كتابة رسالة مليئة بالأوهام الجنونية، ما يدفع بعض المؤرخين الطبيين إلى الاعتقاد أنه عانى الفصام.

كلما درست اسحق نيوتن، ازداد إعجابي به. وأعتقد أننا لم ولن نشهد نظيراً لعبقرية هذا الصبي الحذر من وولسثروب.

back to top