«العقل الفرانكشتايني»

نشر في 06-09-2014
آخر تحديث 06-09-2014 | 00:01
 نادية سالم جاسم عندما شاهدت هذا الفيلم وأنا طفلة وقفت مندهشة من عقل كاتب قصة الفيلم، كيف استطاع أن يخلق إنساناً حاول بث الروح فيه بالكهرباء، قطّع وخيّط وكوّن مخلوقا غريباً، ورغم كل هذا كيف استطاع عقله أن يوحي له بهذه الفكرة الشيطانية؟

 عشت أياماً خائفة منه وأفكر: هل من الممكن أن يفعل أي شخص هذا؟ ربما في المستقبل سأجرب، وكبرت ونسيت الفيلم ونسيت خوفي، لكن يبدو أن هناك أشخاصاً كانوا يشاهدونه وبدؤوا يفكرون بطريقة غير طريقتي الطفولية الساذجة.

إن لم تستطع أن تغير شيئاً بالكامل فقطّعه وأتِ بقطع أخرى، وركّب شيئاً جديداً، مخلوقاً آخر، وحشاً جديداً، عقل كعقل المواطن العربي للأسف عقل مقفل لم يستطع أن يتغير أبداً، إنه هو هو منذ آلاف السنين، ولو جئت بعد آلاف أخرى لوجدته والحمد لله هو هو إذا لم يكن أسوأ.  عندما احتلت القوات المستعمرة المتعاقبة الوطن العربي قبعت كل واحدة على أرضنا عشرات أو مئات السنين، وحاولت هذه القوى تغيير شيء ولو كان بسيطا في عقل هذا المواطن، وضاعت محاولاتهم عبثاً، فعذّبوه وقتلوا أهله وجوّعوه وسجنوه وهجّروه، فلم يتعلم من لغة المستعمر غير الشتم، فلم يتعلم كيف استطاع استعمار أرضه ولا كيف وصل إليها واحتلها وقتل أهله، وفرض عليه الضرائب والقوانين واستعبده، لم يتعلم منه شيئاً أبداً.

وخرج المستعمر بعد عناء، وأخذ من عمر هذه الأرض ما أخذ، وعاد الآن مرة أخرى ليعيد عهده القديم لكن وفق قوانين حقوق الإنسان والحيوان والقوانين والأعراف الدولية، هو يعرف أن هذا العربي لن يدعه يحتل أرضه كالسابق، فليجد إذاً طريقة جديدة ليبرر بها غزوه. كان المستعمر لا يزال يشاهد الفيلم الذي حدثتكم عنه، فقرر خلق عقل آخر، عقل "فرانكشتايني" بجدراة، إذاً فلنقّطع العقل العربي ولنشّتته ولنشوّهه ثم نأتِ بأجزاء أخرى، بعدها نضعها فيه ونخيطها ونلصقها ونكوّن عقلاً كما نشاء نحن، عقلاً تحت الطلب. قطعوا الأخلاق ووضعوا مكانها المصالح، حذفوا الخوف من الله ووضعوا مكانه التجاهل والغفلة، قطعوا الإيمان ووضعوا بدله المال، غيروا كل شيء وبدلوه، ولم يبق شيء في مكانه، ثم قطعوا التسامح وأبدلوه بالتطرف، فهو أفضل الطرق لمسح ما تبقى من خير، وأصبح هذا العقل "الفرانكشتايني" أكثر رعباً وقرفاً من وحش "فرانكشتاين" نفسه، لأن ذلك الوحش، ظل يبكي في نهاية الفيلم على ما صنع به هذا العالِم المجنون، أما وحشنا هذا فآلة تدمير عملاقة، وأصبح المواطن العربي يمشي كالوحش لا يدري لماذا يحدث ذلك، يجلس أمام شاشة التلفاز يبكي، ويتساءل من فعل هذا؟ من أحرق ومن قتل ومن دمر بلدي؟ يا عزيزي لست أنت... إنه عقل "فرانكشتاين".

back to top