التشكيلي حازم المستكاوي: لا أختار جمهوري

نشر في 24-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 24-03-2015 | 00:02
انتقل من نحت الحجر إلى الورق

انتقل الفنان التشكيلي المصري حازم المستكاوي من النحت المتعارف بخاماته المعتادة ليقدم نحتاً بالورق، هذه الخامة الهشة، ليحوله خامة صلبة قوية البناء. ثم أسس لمفاهيم خاصة به، تجلى أثرها في أعمال طاف بها أنحاء العالم محققاً نجاحاً كبيراً.
قدم المستكاوي معرضه الأخير {تجاور- تضاد} بغاليري art talks أخيراً في القاهرة، عارضاً مجموعة نحتية ثلاثية الأبعاد. التقته {الجريدة} على هامش المعرض، وكان الحوار التالي.
ما هو الإطار العام أو الفكرة التي يقوم عليها معرضك المقام حالياً في غاليري art talks؟

عنوان المعرض {تجاور- تضاد} .Juxsaposition يضم أعمالاً نفذتها في السنوات الأخيرة. المجموعة متنوعة التكوينات النحتية والعناصر ثلاثية الأبعاد بين الأعمال الجدارية والأعمال المجسمة، منفذة بالورق المقوى (الكرتون) والأوراق المتنوعة والغراء الشفاف. الجديد أو المضاف في هذه المجموعة إلى نوعية أعمالي المتعارف عليها هي طريقة وأسلوب التعامل مع الحرف والكلمة واللغة العربية ودلالتها في إطار نحتي ثلاثي الأبعاد.

ماذا عن نوعية الأعمال والخامات المستخدمة في المعرض؟

تتحرَّك الأعمال في معرض {تجاور- تضاد}في المناطق المتقاطعة بين النحت والتصميم والعمارة والخط العربي، كل عمل على حسب فكرته وطبيعته البنائية شكلاً وموضوعاً ولكن تحت مظلة الفكر العام لأعمالي الفنية، وهي جميعها منفذة بخامات الكرتون والأوراق المتنوعة والغراء الشفاف.

 

تجمع أعمالك بين التصميم وبين العمارة والنحت. ما الدافع إلى استخدام هذه المجالات الثلاثة في عمل واحد؟ وما هو تأثير الفنون المصرية القديمة والإسلامية على الفكر العام الذي تقدمه من خلال أعمالك؟

التكوينات الهندسية الأساسية من وجهة نظري الفنية هي الأشكال الأكثر استقراراً وحيادية فهي لا تمثِّل غير ذاتها. المربع مثلاً أكثر المعايير الإنسانية تمثيلاً للدقة والحياد بداية بفنون وثقافات مصر القديمة والصين، ومروراً بالحضارة الإسلامية والحضارات الكبرى كافة. أدَّى هذا الشكل الأساسي، المنتج إنسانياً من الناحيتين الفكرية والفنية اللتين لم تفصلا بين الفنون الجميلة وتلك التطبيقية، دوراً أساسياً في ممارسة الفن الحديث والمعاصر في القرنين 20 و21، وكانت فنون مصر القديمة والفنون الهندسية الإسلامية مرجعية أساسية لهذه الفنون المعاصرة.

يقوم التحرك بأفكاري وأعمالي على التعامل مع المساحة الرابطة بين النحت والعمارة والتصميم، كذلك تلك المساحة بين الفنون المصرية القديمة والفنون الإسلامية والفنون المعاصرة من خلال لغتي الفنية التي تقوم على تكوينات بنائية وتبديلات وترددات المتواليات الهندسية. هذه المساحة هي الإطار الأساسي للمنظومة التي تقوم عليها أعمالي الفنية، المنطق الرياضي والهندسي المحكم والتكرار داخل الحيز البصري في أشكال النحت المجسمة أو المسطحة يضعها في منطقة مفتوحة ولانهائية تجعلها قابلة للتغير والتطور.

لماذا قررت الانتقال من النحت المتعارف عليه بخاماته التقليدية إلى بناء لغة نحتية خاصة بك؟

بدأت علاقتي بالنحت كمشاهد ومحب للفنون عبر أعمال الفنون الكلاسيكية والحديثة، سواء العالمية أو المصرية. وتأكدت هذه العلاقة من خلال الدراسة على يد أساتذة كبار أمثال صبحي جرجس وعبد المنعم حيوان وغيرهما. تخرجت وبدأت بممارسة النحت باللغة والطريقة اللتين تعلمتهما على يد أساتذتي. ورغم ما حققت من نجاح في بداياتي الأولى محلياً كفنان شاب على مستويات متعددة فإن سفري إلى الخارج ومشاهدة أعمال الفنون الأوروبية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة وضعني في مواجهة مباشرة مع الذات!

وتراكمت الأسئلة عن ماهية أعمالي النحتية، ومكانتها ومكاني إزاء التراكم الفني والتاريخي. ولم يكن لدي أدنى شك في أن ما أنتجه جيداً ولكنه ليس أصيلاً بما يكفي، لا يمثلني بقدر ما يشبه أعمال آخرين. من هنا بدأ البحث عن لغة خاصة بي تمثلني، وتطرح أفكاري.

يحمل بعض الأعمال حالة من التجاور والتضاد في ذات الوقت، فما هي الفلسفة وراء ذلك؟

التجاور والتضاد منطقة بحث في أعمالي، عبر استعمال خامة يظن البعض أنها هشة ولكنها صلبة بطريقة الإنشاء والبناء التي أتعامل بها. هي أشكال شديدة الصرامة الهندسية ولكنها ليست صناعية بل تحمل بصمة اليد والإنتاج اليدوي أو الأعمال المركبة (الإنستاليشن) وتتمثل في: الشرق- الغرب/ الشمال- الجنوب/ هو- هي/ أبيض-أسود/..... كثير من المتجاورات تبدو مضادة إنما تكون أحياناً مكملة لبعضها كوجود مواز.

لماذا تزيد من استخدام اللغة العربية بصورة تفوق معارضك السابقة؟

اللغة جزء مهم وأصيل في ما يعرف بالفن المفاهيمي أو فن الفكرة، وكان استعمال العربية في أعمالي مقصوراً على بضع كلمات أصممها وأطبعها على أوراق ألصقها على تركيباتي النحتية، ولكن في أعمالي الأخيرة تحول بعض الكلمات إلى عمل نحتي قائم بذاته، أو جمل مختصرة تكتب في تركيب نحتي كما في النحت البارز على جدران المعابد أو أفريز الجوامع.وربما يعود هذا إلى كم الأسئلة السياسية والمبدئية التي طرحها علينا التغير الحادث في العالم كله وفي عالمنا العربي بشكل خاص في السنوات الأخيرة.

هل في استعمالك ورق الجرائد دلالة لغوية أو علاقة مباشرة بالشكل؟

ورق الجرائد بالنسبة إلي يمثل ورقاً محايداً، وتُضاف إلى ذلك فكرة إعادة الاستعمال أو التدوير، سواء للخامة كورق جرائد أو إعادة التوظيف للكلام المكتوب الذي أختار الحجم (الفونت) بشكل ثابت في كل عمل، ولا يعنيني المكتوب ولا يهمني أن يستطيع المتلقي قراءة أي نص أو خبر أو ما شابه من أي جريدة أستعملها، بل مجرد أنها كلمات أو كانت كلمات تحولت إلى شكل وحالة لونية، ولا معنى محدداً لها.

يحمل بعض الأعمال أفكاراً ذات أبعاد سياسية، فإلى أي مدى تلجأ إلى ذلك الاتجاه؟

البعد السياسي موجود في أعمالي من فترة وليس جديداً، وكان محوره يقوم على سؤال الشرق والغرب - الشمال والجنوب، نظراً إلى طبيعة حياتي بين مصر وأوروبا والتحرك والانتقال الدائم بين هنا وهناك.

أما في السنوات الأخيرة فأتجه الأمر إلى أسئلة بديهية في عالم السياسة واللغة المعبرة عنها، مثل التساؤل عن معنى {الحرية} ومدى وضوح مدلول الكلمة، البحث في مصطلحات مثل {الشفافية} والتي تحولت إلى مضغة في فم كل السياسيين الفاسدين ورجال البنوك اللصوص...فأصبحت كلمة فارغة من المعنى والمضمون والدلالة.

ما هي نوعية الجمهور الذي تستهدفه إذا جاز لنا تحديد المتلقي؟

لا أختار جمهوري، بل أمارس ما أحب بالطريقة التي تناسبني وأستعمل اللغة التي أجيدها. منتج فن، تصميم، عمارة، فن جميل، فن تطبيقي، فن مفاهيمي... لا تشغلني هذه التصنيفات كافة. هنا يكمن دور النقاد، وتاريخ الفن ربما يكون الأقدر على تقرير هوية العمل.

back to top