فريال فياض: لوحاتي وليدة لحظات خاصة أعيشها

نشر في 13-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 13-03-2015 | 00:02
فريال فياض، رسامة تشكيلية لبنانية، لوحاتها صفحات من كتاب المرأة النابض بالمشاعر المتناقضة، ألوانها تتمايل وتتناغم مع دفق عاطفي يبحث عن ملاذ يعبر فيه عن حب للحياة والطبيعة وكل ما هو جميل... خطوطها باقة آمال، وأحلام، وطموحات، وسفر في الذات لاكتشاف مكامن وخبايا البشر في لحظات ضعفهم وفرحهم،  أجمل اللحظات في حياتها هي تلك التي ترافق ولادة لوحة لها تحمل صرخة ألم وتمرد على الواقع.
حول مسيرتها التشكيلية ومفهومها للرسم والحوافز التي حركت ريشتها للغوص في عالم المرأة كان الحوار التالي معها.
كرست ريشتك لرسم المرأة، لماذا؟

كوني امرأة أعيش أحاسيس المرأة  بكل تفاعلاتها، معاناة، حب، فرح، حزن، ولكل واحد منها أثر خطته التجارب بعمق في نفسي وفي قلبي وفي وجداني، وانعكس تلقائياً في ريشتي، فرسمتها جميلة، رقيقة، مفعمة بالحياة ومتشعبة، تمثل الجمال والأنوثة أحياناً، والتمرد والعنفوان والقهر والحزن أحياناً أخرى.

ألواني وخطوطي وحتى لعبة الضوء والظل، تحركها مشاعر المرأة العاشقة، الحالمة، الممزوجة بألوان الكبرياء، المرأة التي تجرّحها الأيام والعواصف العاتية، مع ذلك تزداد جمالا ورسوخاً في المجتمع. تعاني التهميش والحرمان فتبادل كل ذلك بالعطاء والحب.

نلاحظ أن المرأة الضعيفة لا وجود لها في لوحاتك، فهل ترسمين نظرتك الخاصة لها بعيداً عن الظروف التي تثقل كاهلها؟

لا مكان للحظة الضعف في لوحاتي، فقد ولدت من رحم الأرض، أنا ابنة جبل عامل، الطبيعة أنا، الأرض أنا، امتزجت بها وانجبلت بطيب رائحتها، فملأت كياني بقوة وشجاعة، وعمقت جذوري الإنسانية الضاربة في عمق الحضارة التي بناها الأجداد على مرّ الأجيال. قوتي من ثقافتي التي تشربتها منذ طفولتي. أؤمن بأن الجمال نعمة إذا امتزج بجمال الأرض، فكيف لي بعد كل ذلك أن أسمح للضعف بأن يتسلل إلى عقلي وريشتي؟

هل نفهم من كلامك أنك ترسمين الجمال فحسب؟

بالطبع، الجمال انعكاس للقلب، وأنا أتغلب على الظروف الضاغطة التي تحاصرني  من خلال تحويلها إلى جمال في لوحاتي، لذا المرأة عندي موشحة بملامح الأنوثة ومظللة بعبق الحب، وجودها من نعم الحياة وحقيقتها ناصعة لا شيء يقوى على تلطيخها.   

تحضرين لمعرض جديد أخبرينا عنه.

يندرج المعرض تحت عنوان {مشاعر}، وهو اختصار للمعارض التي أقمتها والمتمحورة  حول المرأة العاشقة، الحالمة، المتمردة  التائقة إلى الهدوء والسكينة، رغم المشاعر المتناقضة التي ترافقها. باختصار هو رحلة داخل أنثى تبحر وتدعو المشاهد ليشاركها أحاسيسها، إلى جانبها الشريك هذه المرة، بعدما كان في لوحاتي الماضية إيحاءً، واعتبر ذلك تتويجاً لمشاعري.

إلى أي مدى تعكس لوحاتك  تجاربك الشخصية؟

ليس تجاربي الشخصية فحسب، بل أستوحي من تجارب المحيطين بي ومن تجارب المجتمع. لوحاتي صرخة ألم، صرخة حب، عشق للحياة... أرسم عندما اشعر بعاصفة من المشاعر في داخلي لا تهدأ إلا بولادة لوحة.  

القلق ثم القلق العنوان الأبرز في لوحاتك، لماذا هذه التوأمة بينكما؟

للقلق عندي معنى  مغاير عن المعنى المتعارف عليه، قلقي نابع من خشيتي من فقد المشاعر التي تحرك ريشتي، وألا تعود لدي حكايات عن المرأة أرسمها. أنا هاوية أعشق الرسم وأترك ريشتي المتمردة تعصف بالألوان وتمنحها  نكهة خاصة. بريشتي أرد على حروب الآخرين ضدي، وبريشتي أحول الألم إلى عمل فني، أجمّل  الواقع باستمرار، من هنا لوحاتي عفوية وصادقة.

ترسمين الأبنية والأماكن، فإلامَ ترمز؟

رغم مشاعر التمرّد والحب والقلق والتحدي التي تجول في داخلي، أتوق  إلى السكينة والهدوء، وأعبر عن ذلك برسم البيوت والمدن. فالبيت، بالنسبة إلي، هو مملكتي التي أتلمس فيها الحب والدفء والاستقرار، والمدن والأبنية تشعرني بالانتماء إلى الأمكنة التي احتضنت أحلامي وآمالي وشهدت ولادة موهبتي الفنية... لذا يطغى عليها الأحمر لأنه لون الحب والعطاء.

أنت شاعرة ورسامة فكيف تتكامل الموهبتان لديك؟

عندما أشعر بأن الرسم لم يعبر بطريقة كافية عن أفكاري ولم يشبع أحاسيسي العفوية، أرفقه بخواطر، فهما يجتمعان مع بعضهما البعض للتعبير عما في داخلي. خواطري ولوحاتي  لحن موسيقي متناغم تتداخل فيه الكلمات مع تموجات الريشة لتخطّ مشاعر صادقة. لوحاتي وليدة لحظات خاصة أعيشها، أترك للمتلقي أن يقرأها ويتملى من خباياها، وأكون أكثر سعادة عندما يجد فيها ما يحاكيه ويعبّر عن أحاسيس عايشها.

تشبهين المرأة بالفرس العربية الأصيلة، فما هو القاسم المشترك بينهما؟

تحمل الخيول في سرها معالم أنثى متمردة تتوق إلى  الحرية والأحلام الوردية، ثمة قاسم مشترك يعطي طابع الجمال للمرأة والخيل، هو التناقض بين التمرّد والجمال والأصالة والعطاء. فالمرأة في لوحاتي عاشقة للحياة، متمسكة بأهدابها حتى في لحظات ضعفها، وهي قوية وجريئة تشبه الفرس العربية الأصيلة بإبائها ومعاندتها للزمن، وأنا دائماً أقول إن المرأة تصبح أكثر جمالا عندما تعدو وتسابق الريح.

انتهجتِ في رسمك خطاً خاصاً، عُرفت به وطبع فنك بأكمله، فإلام ترمين من خلاله؟

إبراز مكامن الأنوثة والجمال لدى المرأة، وتسليط الضوء على المشاعر التي تعيشها من ألم وقلق وفرح وحب وتمرد، حتى لحظات الضعف أعتبرها مرحلة هدوء وسكينة لتنطلق بعدها إلى حلم وأمل جديدين. تجيب لوحاتي عن مكامن النفس بضربة لون، ألواني زاهية تظهر حقائق لا يمكن للكلمات أن تتلقفها.

ماذا يعني الرسم بالنسبة إليك؟

 

الرسم لغة تعبير عن حالة يعيشها الرسام، هو رسالة جمال أحاول قدر المستطاع إيصالها إلى المجتمع، وأحد اشكال التواصل بين الفنان والناس، بين أفكاره وعالمه غير المحسوس وواقعه الملموس. الرسم عالمي الخاص الذي أجد فيه ذاتي وأعبر من خلاله عن مشاعري الصادقة التي تحاكي واقعي، حتى الأشخاص عاشوا وتفاعلوا في داخلي قبل أن تحضنهم لوحاتي. أجمل اللوحات التي رسمتها كانت وليدة لحظة حزن.

أقمت معارض في مقاهٍ  وفنادق بعيداً عن الطريقة التقليدية للمعارض، ما الذي دفعك إلى اتخاذ هذه الخطوة؟

التقرب من الناس والتواصل المباشر معهم على اختلاف طبقاتهم ومستواهم الثقافي. أريد أن تكون لوحاتي جزءاً من نسيج هذا المجتمع الذي تربيت فيه وترعرعت على قيمه ومبادئه، وعشت فيه أفراحي وأحزاني. أريد أن أنثرها مثل فوح الأزهار وطيبها، لتلبي حاجة العين إلى رؤية الجمال في زمن البشاعات هذا، أريد أن أقول إن الظروف مهما قست لا تستطيع أن  توقف الريشة من التماهي مع كل ما هو جميل ودعوة الناس إلى تلمس هذا الجمال أينما كان... أريد وأريد وأريد ولا تنتهي القائمة، لأن مع ولادة كل لوحة جديدة آمال وأحلام بغد أجمل من الحاضر الذي يبقى ظلي الذي اتفيأ به بانتظار المقبل من خفايا  الأيام.    

نبذة

فريال فياض من بلدة انصار جنوب لبنان، أقامت أربعة معارض خاصة: «ألوان جنوبية» في مركز كامل يوسف جابر في النبطية (2008)، «يسألونني» في مقهى «سيتي كافيه» بيروت (2009)، «رؤى» في فندق البريستول (2010)، «أتوق إلى السكينة» في مقهى سيتي كافيه (2011).

شاركت في معارض جماعية  هي: «آرت أوف ليفينغ»، فندفق موفمبيك - بيروت (2008)، «تأملات»، فندق مونرو (2008)، في بحمدون (جبل لبنان) وفي «سيتي مول» في بيروت (2009)، «نادي اليخوت»- سان جورج  بيروت(2012)، «الفن التشكيلي الرابع»- عاليه (2014)، معرض الخريف في بيروت (2014).

back to top