إنه يرى بالأصوات

نشر في 16-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 16-05-2015 | 00:01
No Image Caption
بدأ براين بوروفسكي، وهو كندي في التاسعة والخمسين من عمره وُلد أعمى، يعلّم نفسه تحديد الأماكن بواسطة الصدى في سن الثالثة. يطقطق بلسانه أو بأصابعه وهو يتحرك، محللاً الصدى بطريقة لاواعية. صحيح أن مكفوفين كثراً يحصلون على معلومات من الأصوات المحيطة بهم، غير أن قلة تحوّل ذلك إلى حاسة خارقة بإحداث أصوات تساعدها على التنقل.
يخبر براين بوروفسكي: {عندما أسير على الرصيف وأمرّ بجانب بعض الأشجار، أستطيع أن أسمع الشجرة: جذعها العمودي وربما بعض الأغصان فوقي. بإمكاني أن أسمع شخصاً أمامي، فألتف من حوله}.

يعتقد بوروفسكي، الذي يعمل مبرمجاً في جامعة ويسترن في لندن بأونتاريو، أنه يرى {صوراً} بالطريقة عينها كما الناس المبصرين، إنما بتفاصيل أقل. يقول: {أقارن الصور، إذا جاز التعبير}. وقد لا يكون هذا بعيداً عن الحقيقة. يدرك العلماء من خلال عمليات مسح دماغ بوروفسكي وشخص آخر يتمتع بمهارة تحديد الأماكن بالصدى، أن هذه العملية تعتمد على أجزاء الدماغ عينها التي تتعاطى عادةً مع معلومات بصرية.

خلال تعاونه العلمي الأخير، ساعد بوروفسكي فريقاً من الباحثين في تحديد براعة محددي الأماكن بواسطة الصدى في معرفة الأحجام النسبية والمسافات. لا شك في أن المبصرين لا يواجهون عادة في معرفة ما إذا كان الغرض يبدو صغيراً لأنه بعيد أو لأنه صغير بالفعل، إلا أن كلتا الحالتين (كبير وبعيد أو صغير وقريب) تشغلان المنطقة والزاوية نفسيهما في مجال بصرنا. يقول لوري ثالر، أحد أعضاء الفريق من جامعة دورهام في المملكة المتحدة: {ليست هذه بالمسألة التافهة، غير أننا لا نفكر فيها}. إذاً، هل هذه سهلة أيضاً لمحددي الأماكن بواسطة الصدى؟ قد تظن ذلك، لكن الأبحاث السابقة تشير إلى أن الخفافيش التي تعتمد على الصدى لتحديد المواقع تناضل أحياناً.

لكن بوروفسكي يحقق نجاحات باهرة في الاختبارات، التي تشمل تحديد الحجم الحقيقي لمجموعة من الأغراض الموضوعة على مسافات مختلفة. في المقابل، أخفق نحو 20 شخصاً آخرين من العميان أو المعصوبي الأعين، الذين لا يملكون أي خبرات في عملية التحديد بالصدى، في اختبارات مماثلة، عندما طُلب منهم محاولة ذلك.

أما عن طريقة قيامه بذلك، فيشير ثالر إلى أن الصدى يحمل نظرياً معلومات أساسية عن مسافة المصدر، فضلاً عن حجمه، بما أنه يحتاج إلى وقت أطول ليعود بعد اصطدامه بالأشياء البعيدة. لكن بوروفسكي يشعر أنه يعتمد إستراتيجية مختلفة.

يوضح: {إن كنت أقرب إلى الأشياء، تسمع بوضوح أكبر وتحصل على تفاصيل أكثر}.

أثار تحديد الإنسان المواقع بواسطة الصدى اهتماماً كبيراً في أواخر العقد الماضي، عندما سُلطت الأضواء على دانيال كيش من كاليفورنيا. لكن منظمته World Access for Blind لا تزال الوحيدة التي تعلم هذه المهارات للآخرين، ولا تُعلّم هذه الطريقة عموماً للأولاد في المدارس. يذكر توم بي من الجمعية الملكية البريطانية للمكفوفين أن معظم مَن يعانون عمى جزئياً أو شبه تام يخسرون بصرهم بالكامل في مراحل لاحقة من حياتهم، وخصوصاً إن كانت حاسة سمعهم في تراجع أيضاً.

يقر ثالر أن لتحديد المواقع بواسطة الصدى بعض السلبيات (قد لا يكون ملائماً لتحديد موقع أغراض على الأرض)، إلا أنه مقتنع بأن من الضروري تعليمه، وهو يساعد اليوم مجلس مقاطعة دورهام لتأمين ورش عمل في هذا المجال. يضيف ثالر: {لا تحل هذه الطريقة كل المشاكل، غير أنها تسهم بالتأكيد في تأمين مزيد من المعلومات. ولا شك في أنها تشكل برهاناً دامغاً على مدى مرونة الدماغ}.

كيف تعلمت تحديد المواقع بواسطة الصدى؟

كان والداي ذات مرة يغرسان قضباناً حديدية في الأرض، فلاحظنا أخي وأنا، وهو أيضاً كفيف، أنها عندما تصطدم بالمطرقة تحدث أصداء قوية ترتد على المنزل. وأدركنا أننا نستطيع استغلال ذلك.

ساعدنا لعب {الغميضة} مع أخينا المبصر في شحذ مهاراتنا. فقد استند مفهومه عن الاختباء منا إلى الوقوف وسط العشب. لم نستطع، في البداية، تحديد موقعه، ولكن مع تحسن مهاراتنا في تحديد المواقع بواسطة الصدى صار عليه الاختباء وراء أشجار. لكننا سرعان ما تعلمنا العثور عليه هناك أيضاً.

بعدما أتقنا هذه المهارة، علمنا أنفسنا كيفية ركوب دراجة هوائية. ولم نعتمد على تحديد المواقع بواسطة الصدى فحسب، بل على مسائل أخرى أيضاً لننجح في تحديد موقعنا: منحدر الطريق، مواضع الحصى المبعثر أو المتراص... لكننا كنا نعمد دوماً إلى الطقطقة، مصغين إلى العشب وهو ينمو على طول الطريق أو لنعرف متى علينا الالتفاف لدخول باحة منزلنا.

لم نخضع لأي تدريب رسمي. وظن أساتذتنا أن هذه العملية ليست جيدة، وقالوا إن المكفوفين يواجهون أساساً مشاكل كثيرة للاندماج في المجتمع، وإن علينا ألا نقوم بما يجعلنا أكثر اختلافاً مما نحن عليه أساساً. لكننا تجاهلناهم نوعاً ما.

عندما كنت أصغر سناً، كنت أحصل على تفاصيل من عملية تحديد المواقع بواسطة الصدى. وأستطيع اليوم معرفة ما إذا كان الغرض كبيراً أو صغيراً، مع أنني لا أنجح بالضرورة في تحديد ماهيته.

قصة براين بوروفسكي كما أخبرها لكلير ويلسون.

back to top