جهادٌ رقمي... حرب العلاقات العامة في {الدولة الإسلامية}

نشر في 16-10-2014
آخر تحديث 16-10-2014 | 00:02
قد تبدو أساليب {الدولة الإسلامية} أشبه بممارسات القرون الوسطى لكن لا شيء يضاهي حملتها الدعائية. تستهدف فيديوهات الإسلاميين المحضّرة باحتراف جماهير محددة، لنشر رسالة معينة حيناً، أو لمجرد الترهيب أحياناً. {شبيغل} سلطت الضوء على أبرز التقنيات الرقمية التي يستخدمها الإرهابيون.
أصدر برنامج {الدولة الإسلامية} التلفزيوني الذي أصبح أسبوعياً حكمه على أحدث خطاب ألقاه باراك أوباما عن الجماعة. فقال المذيع وهو يسخر من استراتيجية الرئيس الأميركي: {إنه خطاب متوقع ومخيّب للآمال. الولايات المتحدة صالحة والدولة الإسلامية سيئة. هم سيُهزَمون بفضل الطائرات الجوية ومجموعة متشابكة من المقاتلين ميدانياً}.

تابع قائلاً إن حلفاء الولايات المتحدة في الجيش السوري الحر هم «قوة غير منضبطة وفاسدة وغير فاعلة». ثم أضاف المذيع: «الدولة الإسلامية ترحب بمواجهة جيش أوباما الذي لا يزال قيد الإنشاء».

بدا المتحدث شاحباً ونحيلاً لكنه تواجد وسط إضاءة احترافية فيما كان يجلس بهدوء على طاولة وكأنه مذيع حقيقي ولكنه في الواقع مجرد رهينة. بدأ العرض قائلاً: {مرحباً. أنا جون كانتلي، المواطن البريطاني الذي تخلت عنه حكومته وأنا مسجون منذ فترة طويلة لدى الدولة الإسلامية}. تغير الكاميرات زاوية التصوير بشكل متكرر، فتبدأ بمشهد أمامي ثم تعرض لقطة جانبية وتقرّب الصورة من وجهه الملتحي. كان كانتلي يتحدث دفاعاً عن حياته. بعد ست دقائق تقريباً، ختم قائلاً: {إلى اللقاء في المرة المقبلة}.

تُعتبر الفيديوهات الأسبوعية التي يظهر فيها كانتلي ويتحدث باسم الذين ينوون قتله من أكثر الإنتاجات خداعاً التي تصدرها جماعة {الدولة الإسلامية} الإرهابية. بعد فترة قصيرة على صدور أحدث فيديو عن كانتلي، بثت {الدولة الإسلامية} فيديو آخر يُظهِر قطع رأس مواطن كانتلي، آلن هانينغ، وهو سائق أجرة عمره 47 سنة وعامل في منظمة إغاثة كان قد خُطف في سورية منذ تسعة أشهر. هو رابع رهينة غربية تعمد الدولة الإسلامية إلى قطع رأسها.

في الأشهر الأخيرة، أصبحت {الدولة الإسلامية} معروفة بقدرتها على إنتاج الفيديوهات ويتواجد مقاتلوها على نطاق واسع في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تويتر وفيسبوك وتامبلر ويوتيوب وإنستغرام وساوند كلاود. إذا أُقفِلت حساباتهم، يتسجلون بأسماء جديدة بكل بساطة.

لكنّ المتخصصين بالحملة التسويقية للجماعة لا يكتفون بتكرار الرسالة نفسها في منصات مختلفة. بل إنهم يصممون كل فيديو وكل رسالة لاستهداف جمهور محدد. بالنسبة إلى المراقبين الغربيين، إنها فيديوهات عصرية ومتقنة ومتماسكة. أما بالنسبة إلى السكان المحليين، فهي دموية ووحشية وتثير الخوف.

توحيد الناس

حين تصبّ الأمور في مصلحتهم، يبالغون في مجازرهم. كما أنهم يزوّرون أحياناً هوية ضحاياهم. اعتُبر آلاف السُّنة الذين قتلوهم في سورية مجرد {شيعة كافرين} على التلفزيون. حتى أنهم يسوّقون أنفسهم أمام الأولاد فيتلاعبون بألعاب فيديو شائعة مثل Grand Theft Auto V كي يظهر فيها مقاتلو {الدولة الإسلامية} وعلم الجماعة الأسود.

في الفيديوهات القصيرة من سلسلة «تغريدات المجاهدين»، يتحدث مقاتل ألماني عن حياته «المدهشة» ضمن دولة الخلافة. من الواضح أن هذه المشاهد التي تُظهِر الروابط الأخوية المتعددة الثقافات ضمن «الدولة الإسلامية» تستهدف المسلمين في الغرب. تقول الرسالة: «انظروا إلينا هنا. الجميع متساوون هنا!». تشير الصور إلى أن الجهاد لا حدود له وأنه يجمع الناس ويجعلهم سعداء. تشمل مدونات أخرى نساءً يتحدثن عن الحياة العائلية في زمن الحرب وعن شرف أن تكون المرأة أرملة شهيد.

تقدم الحملة الدعائية للدولة الإسلامية أمراً لكل فئة ديمغرافية: تم إنتاجها بطريقة احترافية لدرجة أن {القاعدة} تبدو تقليدية مقارنةً بها. كتبت صحيفة {نيويورك تايمز} حديثاً: {إنه جهاد 3.0}.

تجسدت استراتيجيتهم بأفضل طريقة في فيديوهَين صدرا في الوقت نفسه تقريباً منذ بضعة أسابيع. صدر أحدهما لنشر مقتل الصحفي الأميركي جيمس فولي الذي خُطف في نوفمبر 2012. أما الفيديو الثاني، فلم يكن يستهدف الجمهور الغربي مطلقاً.

في أول فيديو، أجبر الخاطفون فولر على توجيه رسالة إلى العالم. في ظل ضوء الصباح الخافت، لام فولي الذي كان يرتدي البزة البرتقالية الخاصة بمعتقلي غوانتانامو الولايات المتحدة على موته وعبّر عن أسفه لأنه وُلد أميركياً وأعفى قاتليه من أي ذنب. بعد أن أنهى كلامه، وضع الإسلامي المقنّع الذي كان يقف إلى جانبه سكينه على حلق فولي وبدأ يحركها ثم أصبحت الشاشة سوداء.

لا يمكن مشاهدة ولو قطرة دم واحدة في الفيديو، لذا قد يبدو قطع رأسه أمام الكاميرا مجرد محاكاة غير واقعية. ارتبك الخبراء حين حاولوا تفسير ذلك المشهد بما أنّ الخاطفين عادوا وأظهروا رأس فولي المدجج بالدم فوق جسمه. التفسير المنطقي لما حصل هو الرغبة في أن يبقى الفيديو مقبولاً بالنسبة إلى المشاهدين الغربيين: أهم رسالة فيه ليست القتل بحد ذاته بل تصريح فولي وقاتله قبل قطع رأسه. هدد القاتل كل من يهاجم {الدولة الإسلامية} بمواجهة العواقب. كان يتكلم لغة إنكليزية بلكنة بريطانية.

{شريعة الغاب}

يجيد خبراء العلاقات العامة بين المجاهدين تزييف الحقيقة كي تتماشى مع الرسالة التي يحاولون تسويقها، سواء عبر المبالغة في تصوير جرائمهم أو عبر تغيير هويات ضحاياهم. تدعي {الدولة الإسلامية} أنها تحمي مصالح المسلمين السُّنة وتمثلها. لكن قتل المجاهدون في سورية آلاف السُّنة الذين رفضوا الرضوخ لمطالبهم الوحشية بالسلطة. حفاظاً على الرسالة نفسها، ادعى المسؤولون عن حملة {الدولة الإسلامية} في نص مصوّر أنّ الذين قُتلوا هم من {جنود الأسد الشيعة}.

من وجهة نظر تقنية، {تحسّن} الجهاد الرقمي بشكل ملحوظ في آخر سنة ونصف بحسب قول كريستوف غونثر، خبير في شؤون الإسلام في جامعة لايبزيغ. منذ عام 2007، هو يراقب استراتيجية العلاقات العامة لدى الجماعة. في البداية، أي قبل أن تتبنى اسم {الدولة الإسلامية} الذي يعكس جنون العظمة لديها وتعلن عن نشوء دولة الخلافة، كانت عروضها متواضعة. يوضح غونثر: {في السابق، كانت نوعية التصوير في فيديوهاتهم مريعة}. في أغلب الأحيان، يتم تحميل الخطابات التي تدوم لساعات باللغة العربية على الإنترنت بكل بساطة.

اليوم يقول إن الوضع تغير بشدة بفضل الشركات التي تديرها {الدولة الإسلامية} الآن في الأراضي التي تسيطر عليها. نجمت التحسينات أيضاً عن تدفق مقاتلين أجانب يستطيعون الآن نشر الحملة الدعائية للجماعة باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها.

لكن ثمة أمر واحد لم يتضح بعد: ما هي رسالة {الدولة الإسلامية} الدينية؟ بذل أسامة بن لادن وأتباعه الجهود اللازمة لتبرير أعمالهم قبل وبعد 11 سبتمبر 2001 بحسب قول فواز جرجس، خبير في شؤون الإرهاب في كلية لندن للاقتصاد: {لقد ابتكروا تبريرات دينية وتحدثوا عن معاناة الفلسطينيين أو زعموا أنهم يدافعون عن المسلمين}. لكن بالنسبة إلى {الدولة الإسلامية}، بالكاد تلعب التبريرات أي دور. الرسالة الوحيدة هي العنف وهي تستهدف الجميع، حتى إخوتهم السُّنة. يضيف جرجس: {لا شيء هناك. إنها صحراء فكرية}.

طوال سنوات، كان جرجس يراقب الرجل الذي زعم أنه {المتحدث الرسمي} باسم {الدولة الإسلامية}. هو يسمي نفسه أبو محمد العدناني وقد أضافت وزارة الخارجية الأميركية اسمه إلى لائحة الإرهابيين في 18 أغسطس. يُقال إن العدناني هو من بلدة بنش السورية الشمالية وعمره 37 سنة وهو من أوائل أعضاء {الدولة الإسلامية}. هو أحد أقرب الأشخاص إلى زعيم {الدولة الإسلامية} أبو بكر البغدادي وكان من الأفراد الذين أُرسلوا إلى سورية في عام 2011 للانتشار هناك. اليوم، يُعتبر العدناني اليد اليمنى للبغدادي الذي أعلن نفسه الخليفة. تُرجِم خطاب ألقاه بعد بدء ضربات قوات التحالف ضد {الدولة الإسلامية} (حيث اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري {رجلاً مسناً وغير مختون}) إلى لغات عدة.

يسرد جرجس قصة تعبّر عن حقيقة العدناني. منذ سنتين، يتذكر جرجس أن ممثلين عن مختلف الجماعات الإسلامية اجتمعوا بالقرب من حلب للتحدث عن صراعات بين جماعاتهم. وافق آخرون على ضرورة تأسيس مجلس ديني لحل الصراعات بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية. لكن يُقال إن المتحدث باسم {الدولة الإسلامية} نظر إليهم بازدراء ثم قال: {الشريعة الوحيدة التي أؤمن بها هي شريعة الغاب}.

{انظر إلى السكين}!

كان الفيديو الثاني مختلفاً جداً. فهو يرصد مقاتلي {الدولة الإسلامية} وهم يقتلون مجموعة من أعضاء عشيرة متمردة لا تبعد كثيراً عن بلدة دير الزور السورية. يصعب أن نجد كلمات مناسبة لوصف ذلك الفيلم الذي يمتد على 11 دقيقة. يتمدد الضحايا على الأرض وينظرون نحو الأعلى بعيون تملؤها الخوف قبل ذبحهم واحداً تلو الآخر وقطع رؤوسهم أو فصلها عن جسمهم. يضحك الجزارون حين يقتلون ويقولون عبارات مثل {انظروا! لديه بعض اللحم على خدّيه!} أو {أنت هناك! انظر إلى السكين وأنا أقطع رأسك!}. يتحدث القتلة اللغة العربية بلكنة مغربية ومصرية.

هذا الفيديو يستهدف جمهوراً مختلفاً، أي الأشخاص المقيمين تحت سيطرة {الدولة الإسلامية}، لا سيما أولئك الذين يمكن أن يجرؤوا على مقاومتها مثل رجال قبيلة الشعيطات وهم الذين ذُبحوا أمام الكاميرا. وفق مصادر متنوعة، قُتل نحو 700 رجل قبليّ في تلك المجزرة. ويبدو أن الرسالة أعطت مفعولها: رد شيخ القبيلة متوسلاً {الدولة الإسلامية} كي تسامحهم وترحمهم.

بالنسبة إلى كل من تحاربه {الدولة الإسلامية}، لا تتغير الرسالة: يجب أن تخافوا! أصبح الخوف الشديد سلاحاً حقيقياً للمجاهدين بما أنهم يتفوقون بعددهم على خصومهم. لقد نجحت هذه المقاربة في بلدات وقرى سورية وعراقية عدة. في بداية شهر أغسطس مثلاً، تخلى مقاتلو البشمركة الأكراد عن معظم مواقعهم في وجه تقدم مقاتلي {الدولة الإسلامية}.

لتوسيع نطاق الهلع، غالباً ما تبالغ {الدولة الإسلامية} في ممارساتها الدموية. بعد المعارك التي دارت بين 11 و14 يونيو، حين سيطرت {الدولة الإسلامية} على المناطق السنية في شمال غرب العراق، أصدر قسم العلاقات العامة ضمن الجماعة فيديوهات عن أعمالها الوحشية. فزعموا أن مقتطفات الفيديو تُظهِر مجاهدي {الدولة الإسلامية} وهم يقتلون 1700 جندي شيعي موالي للنظام في مسقط رأس صدام حسين، تكريت، وقد شاع هذا العدد سريعاً في التقارير الإعلامية الدولية.

لكن أظهرت الفيديوهات، رغم وحشيتها، مقتل عشرات الجنود المخطوفين كحد أقصى. زار الناس عدداً من المدن العراقية الكبيرة بحثاً عن أدلة على المجزرة، لكن لم يتم رصد أي جنازات أو مراسم تشييع جماعية. درس الناشطون من منظمة {هيومن رايتس ووتش} صوراً فضائية عالية الدقة لمواقع حفريات جديدة يمكن أن تشير إلى وجود مقابر جماعية. فوجدوا أدلة على وجود مقبرتين جماعيتين واستنتجت دراستهم الأولية أن عدد القتلى يتراوح بين 160 و190. تشتبه الجماعة بوجود مقابر جماعية أخرى لكن ما من إثبات على ارتفاع عدد الضحايا حتى الآن.

حاول الغرب التعامل مع مزاعم {الدولة الإسلامية} الوحشية، إذ من المستبعد أن يبالغ أحد في تسويق وحشيته. لكن كانت {الدولة الإسلامية} تحاول على الأرجح حصد ثمار مبالغاتها الواضحة.

* كريستوف رويتر | Christoph Reuter & رانيا سلوم | Raniah Salloum & سميحة شافي | Samiha Shafy

back to top