تداعيات خروج اليونان من منطقة اليورو

نشر في 16-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 16-05-2015 | 00:01
No Image Caption
 Michael Lewis بات كل يوناني الآن يعلم أن هناك إمكانية حقيقية تماماً لخروج اليونان من منطقة اليورو، وإذا حدث ذلك فإن عملة اليورو في الحسابات المصرفية اليونانية ستتحول إلى العملة الوطنية (الدراخما) بين عشية وضحاها، وقد تنخفض قيمتها عندئذ إلى النصف.

قبل بضعة أعوام تقدمت ادارة شرطة بيركلي بطلب حظي بموافقة ولاية كاليفورنيا ويهدف الى تحسين سلوك وتصرفات السائقين المحليين، وقد جاءت الموافقة في أعقاب معلومات أظهرت أن بيركلي ربما تكون المدينة الأكثر خطراً في تلك الولاية من حيث عبور الشوارع؛ فقد كان عدد المشاة الذين تعرضوا لحوادث سيارات أكثر من أي واحدة من مدن الولاية التي تضم 55 مدينة.

ولكن كما يعرف كل من يعيش هناك فإن سائقي السيارات ليسوا حقاً المشكلة، أو بالأحري لم يعودوا مشكلة بقدر يفوق أي مكان آخر في كاليفورنيا، وربما كانت نسبتهم الأقل الى حد كبير في هذا السياق.

ومن جهة اخرى يبدو أن المشاة في مدينة بيركلي قد عقدوا العزم على التعرض الى الهلاك، وفي ساعات النهار تراهم وهم ينطلقون من وراء أشجار طويلة الى تقاطعات مزدحمة وقد وضعوا سماعات الأذن بحيث لا ينتبهون الى أي خطر محتمل، وخلال الليل يرتدون الملابس ذات اللون الغامق ويتوجهون مثل سلاحف النينجا نحو الشوارع الخفيفة الإضاءة. وينص قانون كاليفورنيا على ضرورة أن يتوقف المشاة عند المعابر والتأكد من رؤية السائقين لهم، غير أنه يندر أن يكترث أي شخص هنا بهذا القانون.

مواقع الخطر

وخلف الأضواء المبهرة يكمن الخطر الغريب الذي تتسم به شوارع بيركلي، حيث يتصرف مشاة هذه المدينة ليس بالرغبة في الانتقال من مكان الى آخر بل بشعورهم أن عليهم عمل ذلك بطريقة تنطوي على نوع من التعالي المعنوي. وهم يظنون – على الرغم من أنهم لا يظهرون ذلك – أن على كل سائقي السيارات الذين يسببون زيادة في معدلات الاحتباس الحراري أن يدركوا أنهم أدنى درجة من مستخدمي الطريق. وهذه الفئة ليست النوعية الانتحارية وهي لا تريد أن تتعرض لدهس من قبل سيارة عابرة، وقد يكون هدفهم أن يظهروا بشدة لك – وربما لأنفسهم أيضاً – أنهم في الموقع الأعلى، كما أنهم، من خلال ذلك العمل، يضاعفون من امكانية التعرض الى حادث والى الانتقال الى مستشفى في سيارة إسعاف.

هذا الوضع يدفعني الى التحدث عن النزاع السائد في الوقت الراهن بين اليونانيين والألمان. ونحن نشهد في تصريحات وزير المالية ورئيس الوزراء في اليونان وفي المحاضرات التي تصدر عنهما الى الألمان ما يوصف بروح مشاة مدينة بيركلي. ويبرز الاختلاف بجلاء فقط في مصدر اعتقاد الأفضلية في التقيد بالقانون لدى المواطن اليوناني: ويظن اليوناني أن على المواطنين الألمان أن يشعروا بالخجل بسبب أخطاء ماضيهم، وأن يتعهدوا بالتكفير عن تلك الذنوب.

مطالبة ألمانيا بتعويضات الحرب

 

وكما لو أن الهدف هو تصوير هذه الفكرة قررت وزارة المالية اليونانية أخيراً تكليف لجنة لدراسة كمية المبالغ التي يتعين على ألمانيا دفعها الى اليونان في مقابل الوحشية التي ارتكبها الألمان بحق المواطنين اليونانيين خلال الحرب العالمية الثانية. (وقد وصل الرقم الذي طرح إلى 301 مليار يورو، وهو ما يقارب ديون اليونان المستحقة). ولم تجعل هذه الدراسة ألمانيا أكثر قرباً من دفع ذلك المبلغ على شكل تعويض، بل العكس من ذلك، فقد أغضبت رجال السياسة الألمان الذين تسعى الحكومة اليونانية إلى نيل تسامحهم، ولكن تلك الدراسة أسهمت في تذكير الكل بأن الشعب اليوناني لايزال يصر على أحقيته في بلوغ ما يريد.

من جهة أخرى، يتعين تجاهل الفساد في الحكومة اليونانية، والغش في مجال الضرائب ومقاومة الاصلاح، وإذا أراد مواطن يوناني أن يندفع على الطرقات العامة فيتعين على كل سائق ألماني أن يلاحظ ذلك وأن يضغط على المكابح.

وحيثما تذهب في اليونان اليوم فستلحظ تعليق المشاعر الذاتية من الحفاظ على الذات، وقد يكون المثل الأكثر وضوحاً هو رغبة المواطن اليوناني في انتخاب حزب عقد العزم على معاداة الدائنين، ولكن هناك شرائح أخرى، فعلى سبيل المثال يصدر في كل أسبوع تقرير يتحدث عن قيام المواطنين اليونانيين بسحب المليارات من اليورو من البنوك اليونانية، مع الافتراض أن الهدف هو ايداع تلك الأموال في أماكن أكثر أمناً في بنوك في ألمانيا وسويسرا، واللافت الى حد كبير هو وجود أموال يمكن سحبها من البنوك اليونانية.

الخروج من منطقة اليورو

ويعلم كل مواطن يوناني الآن أن هناك امكانية حقيقية تماماً في أن اليونان سوف تخرج من منطقة اليورو، وفي حال حدوث ذلك فإن عملة اليورو في الحسابات المصرفية اليونانية سوف تتحول الى العملة الوطنية – الدراخما – بين عشية وضحاها، وقد تنخفض قيمتها عندئذ الى النصف، وهذا الخطر حقيقي، ويكن تفاديه بسهولة، وعلى الرغم من ذلك، وبحسب آخر حساب لا تزال هناك حوالي 140 مليار يورو (160 مليار دولار) مودعة في تلك البنوك اليونانية وتحقق حوالي 1.5 في المئة على شكل فائدة سنوية، وإذا كان على اليونان الخروج من منطقة اليورو في الغد، فإن حوالي 70 مليار يورو من توفيرات اليونانيين سوف تتبخر.

قضاء وقدر

ومن المحتمل أن هؤلاء اليونانيين الموفرين يعلمون أشياء لا يعرفها بقية العالم، ومن الممكن أنهم على درجة من الكسل أو الايمان بالقضاء والقدر بحيث لا يشعرون بقلق أو استعداد لحدوث الأسوأ. ولكنني أميل الى الظن بأن تلك المليارات من اليورو التي لا تزال موجودة في البنوك اليونانية محكومة بالروح التي تحكم تصرفات المشاة في مدينة بيركلي. إنها المشاعر التي تقول "أتحداك أن تفعل هذا بي"، وربما تعززت من خلال خمس سنوات من التكرار والإعادة.

وإذا أردت التنبؤ بما يمكن أن يفعله المرء في معظم المصاعب المالية التي قد تعترضه يتعين عليك معرفة ما يمكن أن يقدم عليه ضمن نطاق مصلحته الشخصية الضيقة، مع الإفتراض بأنه سوف يدرك ذلك عاجلاً أم آجلاً أيضاً.

ولكن هذه الفكرة لا تنجح عندما لا يقتصر سلوك الناس على المسار الضيق للمصلحة الشخصية، ولهذا السبب فإن من الصعوبة بمكان التنبؤ بتصرفات الشعب اليوناني في المستقبل.

back to top