اقتصاديات عمل الفريق الناجح

نشر في 21-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 21-02-2015 | 00:01
No Image Caption
من شأن قمع الأقلية في أي مجموعة اجتماعية، بغض النظر عما إذا كانت صغيرة أو كبيرة، أن يفضي في نهاية المطاف إلى عواقب سلبية، كما أن كبت الأفكار والمشاعر والعواطف السلبية لدى الأقلية يمكن أن ينمو ويبرز في أشكال أخرى.
 Jeremiah Josey كيف تتمكن من تحسين ديناميكية المجموعات البشرية وجعل العامل أكثر إنتاجية، وشركتك أكثر ربحاً، وتعزز اعتماد المجموعات على نفسها، بينما تجعلها أكثر رضا وعطاء؟

يتمثل الحل في تطوير التنظيم الذاتي والتعاون في مكان العمل، وهو ما يعرف أيضاً باسم "سوسيوكراسي" في الصناعة.

عرفت شركات عديدة كيفية تحقيق هذا الهدف، وعلى سبيل المثال، فإن جنرال إليكتريك وبي إم دبليو and سيمكو (وهي شركة تصنيع برازيلية) توصلت إلى مثل هذا الحل، كما قام عدد من الشركات الأخرى التي تمارس هذا النهج بتسجيل أسمائها في وورلد بلو دوت كوم، وبينما يدعو وورلد بلو هذه العملية "مكان العمل الديمقراطي" فهو بقدر أكبر "بقعة تعاون"، لأنك عندما تملك شركة مرنة فإن من الضروري تحقيق موافقة بنسبة 100 في المئة من أجل إنجاز أي عمل، وليس مجرد وجود أكثرية في الرأي فقط، والكلمة الأساس هنا هي "الموافقة بالإجماع".

كيف تحقق نجاحاً كبيراً، مع نتائج رائعة، ورضا بشكل مقبول من جانب المجموعة بالنسبة الى المشاركين الآخرين، وللعالم بصورة عامة؟ هذا يتحقق من خلال التعاون وليس عبر المنافسة.

معظم النماذج المقبولة في الوقت الراهن في العديد من الشركات هي من الطراز العسكري، حيث تقوم على المنافسة التي تمثل استخداماً ضعيفاً للطاقة البشرية، كما أن الطرق الأوتوقراطية في القيادة تفضي الى ما يشبه الانفصال التام مع الجهاز العامل. ومع الأداء الضعيف تصبح قسوة الإدارة أمراً ضرورياً من أجل الحفاظ على الأداء، ومن السهل الشروع في هذه الثقافة، وقد يصبح النجاح واضحاً ومن السهل قياسه، لكنه يتحول في وقت قصير إلى فشل مؤسف كما هو الحال في العديد من صور النجاح في الأجل الطويل، حيث تهبط معدلات الحفاظ على الموظفين، وكفاءة الانتاج وجودته، ويعقب ذلك في وقت قريب تراجع الأرباح.

إنه ببساطة فشل مؤسف بالنسبة إلى البشر، وحتى بالنسبة إلى من يعتبر "ناجحاً" بصورة مباشرة، فهو يعاني ضغوطاً شديدة وضعفاً في الصحة وفترة حياة قصيرة وغير مرضية في نهاية المطاف.

وقد قام ريكاردو سملر بتوثيق أحد أكثر الأمثلة نجاحاً حول التعاون في شركته سيمكو التي تساوي اليوم ما يقارب المليار دولار، وعكف على تأليف كتابين عن هذه الشركة تحت عنوان "مافيريك" و"عطلة نهاية الأسبوع في اليوم السابع" وشرح كل شيء في هذا الصدد، كما نقلت الشركة الصغيرة التي أدارتها إلى مؤسسة دولية.

وعنها كتب يقول: "ليس لدى سيمكو بنية رسمية، ولا جدول تنظيمي ولا خطة عمل أو استراتيجية شركة، ولا خطة لعامين او اخرى خمسية ولا بيان هدف أو مهمة، ولا ميزانية في الأجل الطويل". وبين أن الشركة تخلو في أغلب الأحيان من رئيس تنفيذي محدد، وتفتقر إلى نواب للرئيس أو الى مديرين رئيسيين لتقنية المعلومات أو العمليات، وليس فيها أي مقاييس أو ممارسات، ولا إدارة موارد بشرية ولا خطة مهنية لتوصيف عمل أو عقود توظيف، وما من أحد يقوم بالموافقة على التقارير أو حسابات الإنفاق، كما أن عمليات الإشراف أو مراقبة الموظفين نادرة في حقيقة الأمر، وما هو أكثر أهمية أن النجاح في هذه الشركة لا يقاس بالربح والنمو فقط".

وقد عمدت أنا شخصياً الى تطبيق عمليات سملر بشكل بالغ النجاح في جهودي الخاصة، وقمت، على سبيل المثال، بأخذ مجموعة من الموظفين غير المرتبطين على الإطلاق وغير المنتجين تماماً، وقمت بتحويلهم إلى نجوم وشخصيات ناجحة تسعى إلى مهمات جديدة في المكتب.

وكانت واحدة من الأدوات المفيدة جداً لدى سملر التي أود في أغلب الأحيان أن أستخدمها هي أداة التغذية الاسترجاعية التصاعدية التي تزود الإدارة معلومات مباشرة تماماً، وفي بعض الأحيان موضحة للغاية عن الأداء عن طريق الموظفين.

وكنت أبحث عن نظام منهجي حول وصف أسلوب ومقاربة سملر، وكنت أدعو ذلك لفترة طويلة من الزمن "ديمقراطية "، كما فعل هو والعديد غيره، ولكنني لم أحب ذلك على الإطلاق... لم أحب كلمة ديمقراطية، وذلك بشكل أساسي عبارة عن نظام تنافسي.

وتفضي البيئة الديمقراطية التي أطلق عليها ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الراحل، صفة "الشكل الأسوأ للحكومة" بصورة آلية ومباشرة إلى قمع واضطهاد الأقلية، وأي مجموعة تشمل القمع من أي نوع، وهي ليست مسألة جيدة في الأجل الطويل.

وفي 11 نوفمبر عام 1947 كتب السير ونستون تشرشل يقول "تم اختبار العديد من أشكال الحكومات، وسوف يختبر في هذا العالم كثير من الخطايا والمصائب، وما من أحد يزعم أن الديمقراطية كاملة أو حكيمة بصورة تامة، وفي حقيقة الأمر قيل إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكومة باستثناء الأنواع الأخرى التي تمت تجربتها من حين الى آخر".

إن الديمقراطية، في صلب تصميمها، عبارة عن نظام قمع: وهي قمع الكثرة للقلة. وأنا أسمعك تقول "هذا عدل وإنصاف، ومسألة طبيعية فقط " ولكن هل تظن ذلك حقا؟ هل يمكن أن يكون أي قمع عدلاً؟ من أي جهة كانت؟ من الواضح تماماً أن قمع الأقلية في أي مجموعة اجتماعية بغض النظر عما إذا كانت صغيرة أو كبيرة سيفضي في نهاية المطاف الى عواقب سلبية، كما أن كبت الأفكار والمشاعر والعواطف السلبية لدى الأقلية يمكن أن ينمو ويبرز في أشكال اخرى، ثم إن التكلفة الاجتماعية والمالية في الأجل القصير والطويل، ستزداد بالنسبة الى الأكثرية، وبعد ذلك يحدث شيء غريب يتمثل في تحول الأكثرية الى أقلية، وتصبح الأقلية هي الأكثرية وتتكرر الدورة إلى الوراء وإلى الأمام.

والفئة التي كانت ذات مرة هي الأكثرية سوف تتشبث طبعاً بسلطتها السابقة بحماس شديد وبقوة بالغة، ما دامت قادرة على ذلك، وقد تعلمت الأكثرية ما يتعين عليها عمله خلال وجودها في السلطة، وأتقنت قواعد اللعبة، وكانت عملية "احتلوا وول ستريت" أو احتجاجات الـ 99 في المئة عبارة عن نموذج أبرز لكيفية تمكن الأقلية من السيطرة على الأكثرية، ولدى الأقلية قدرة أفضل على فهم القواعد.

وكان المثل الآخر هو التنافس بين أوباما وماكين في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة سنة 2008، وكانت النتيجة 53 في المئة مقابل 46 في المئة، هل هي ديمقراطية أن يتخلى حوالي نصف الشعب عن رغباته للنصف الآخر؟ هذا أشبه بمجتمع أقرب إلى إعادة تنظيم مع احتمال أن تتحول الأكثرية في وقت قريب إلى أقلية. كما أن مثل هذا التحول في السلطة سيحدث إما عن طريق العنف (كما حدث في العديد من الدول العربية عبر ما يدعى الربيع العربي) أو بصورة سلبية، كما كان الحال في أيسلندا، حيث رفض الناس أعباء ديون البنوك التي حاولت الحكومة فرضها عليهم في أعقاب انهيار عام 2008، وقد تم اعتقال عدد من المصرفيين وتغيرت القوانين بشكل يضمن عدم حدوث ذلك ثانية.

ما الأمر والحالة هذه؟ ما هو السحر الذي يعني إلهام مجموعة من الناس لتحقيق أداء من نوع ما؟ ومن تلقاء أنفسهم، مع القليل من التأثير الخارجي فقط.

وقد أظهرت الدراسات أنه في المشاريع الخلاقة المعقدة تعمل الحوافز المالية على الحد من الأداء، وطريقة العصا والجزرة ليست الأفضل لتحقيق النتيجة المرجوة عندما يتطلب الأمر نوعية من التفكير الخلاق.

تم عمل الكثير حول هذا الموضوع، وعندما تقرأ ما كتبه سملر في "مافيريك" وعطلة نهاية الأسبوع في اليوم السابع "سوف تفهم أن هذه عملية تطور، وهي تتم من خلال اتفاق أفراد المجموعة. هنا يمكن القول إن "الموافقة" هي الخيار الأفضل. وهذه هي الكلمة المهمة: موافقة.

وقد طرأ لي هذا النوع من العمل أخيراً من خلال المفكر الهولندي جيرالد اندنبرغ الذي يطرح مجموعة من العناصر المادية الجوهرية بالنسبة الى عملية التطور هذه، والإيجاز القصير الجيد الذي يتعلق بهذا التفكير يتمثل في كلمة "سوسيوكراسي: القوى الخلاقة للتنظيم الذاتي "من تأليف جيرارد إندنبرغ وجون بك".

المبادئ الأربعة

هذان المصدران، كتابا سملر وعمل إندنبرغ، يضمان النتائج في حصيلة متجانسة تماماً، والتي تنتهي إلى مرونة المنافع والفوائد والجوانب الأساسية من أجل الوصول إلى تلك الغاية، ويحددان في هذا الصدد أربعة مبادئ تتعلق بكلمة سوسيوكراسي:

1 – الموافقة: حيث يحكم هذا المبدأ مسألة اتخاذ القرار، وتعني كلمة موافقة أو القبول عدم وجود اعتراض ومجادلة، وبكلمات اخرى، يمكن اتخاذ قرار حول السياسة إذا لم يظهر أي شخص اعتراضاً منطقياً حوله، والقرارات اليومية لا تتطلب موافقة، ولكن يتعين وجود موافقة على استخدام أشكال اخرى من اتخاذ القرار، ومنها، على سبيل المثال، العمليات اليومية.

2 – انتخاب الأشخاص: يتم انتخاب الأشخاص من أجل العمل أو تحقيق الأهداف وفقاً لمبدأ الموافقة وبعد مجادلة علنية ومفتوحة.

3 – الدائرة: تحافظ الشركة على هيكلية من اجل اتخاذ القرار تتكون من دوائر تتمتع بما يشبه الاستقلال الذاتي (أي مجموعات من الأفراد) ولكل دائرة غايتها الخاصة، وتعمل على تنظيم الوظائف الثلاث المتمثلة في قيادة وتنفيذ وقياس التغذية الاسترجاعية. وتضع الدائرة سياستها الخاصة بالقرارات عن طريق الموافقة وتحافظ على نظام الذاكرة كما تطور نفسها عبر البحث المتكامل والتعليم والتعلم، وفي وسع الدائرة اتخاذ قرارات موافقة وقبول في اجتماعات خاصة فقط (تدعى أيضاً اجتماعات الطاولة المستديرة).

4 – الارتباط المضاعف: تمثل الدائرة صلة مع الدائرة التالية الأعلى في الشركة من خلال رابط ثنائي، وهذا يعني مشاركة شخصين على الأقل، أحدهما القائد العملي لتلك الدائرة، ومندوب واحد على الأقل من الدائرة التالية الأعلى.

اجتماع دائرة سوسيوكراسي

ومع تطبيق المبادئ الأربعة يمكن تحقيق خطوات محددة بقدر أكبر، ونستعرض في ما يلي أحد أمثلة اجتماع دائرة سوسيوكراسي انتهى بالموافقة:

1 – افتتاح الدورة: وهو وقت الاستماع إلى الأعضاء، وأشبه بالأوركسترا قبل بدء الحفل الموسيقي.

2 – الاهتمامات الإدارية: مثل الإعلانات والوقت المتاح للاجتماع والموافقة على مواد الاجتماع السابق وموعد الاجتماع المقبل وقبول جدول الأعمال.

3 – مضمون الاجتماع: مواد جدول الأعمال، وجدول العمال التالي إلى آخر ما هنالك.

4 – نهاية الجولة: وقت قياس عملية الاجتماع، مثل استخدام الوقت وكيف كان اتخاذ القرارات أكثر فعالية، وهل جاء كل عضو مستعداً لدى حضوره، وهذا هو الوقت أيضاً من أجل سرد جدول أعمال الاجتماع التالي.

انتخابات سوسيوكراسي

خلال اجتماع الدائرة سوف يتاح الوقت لتعيين قائد أو تحديد هدف أو دور أو عمل لأحد الأفراد، وفي ما يلي كيفية القيام بهذه المهمة:

1 – الهدف: وضع توصيف الوظيفة وفترة أداء الشخص للعمل المكلف به.

2 – الاقتراع: ملء أوراق الاقتراع وتسليمها إلى المسؤول عن الانتخابات.

3 – الآراء العامة: يقول كل شخص ما الذي دفعه إلى ترشيح الآخرين.

4 – التغيير: يسأل قائد الانتخابات كل فرد إذا كان يرغب في تغيير تصويته وفقاً للمجادلات التي تم طرحها.

5 – المناقشة: يقترح قائد الانتخابات عادة أحد الأسماء بعد النقطة رقم 4، وعلى أي حال قد تتم المطالبة بالشروع في النقاش إذا كانت المجادلة غير واضحة تماماً، أي في حال عدم التوصل إلى موافقة رسمية.

6 – جولة الموافقة: يسأل قائد الانتخابات كل شخص ما إذا كان موافقاً على المرشح المقترح، وفي حال وجود اعتراض يقرر قائد الانتخابات العودة إلى النقطة رقم خمسة قبل أن يحاول القيام بعملية موافقة اخرى.

قرار الموافقة

ومن أجل اتخاذ قرار بالموافقة يتعين على الشركة العمل وفقاً للطريقة التالية:

1 – الموافقة على القضايا التي يجب إقرارها بعد تحديد المشكلة والتحديات.

2 – طرح اقتراح... ما هو رأينا؟ وفي أغلب الأحيان يطلب من المشاركين إعداد اقتراح لتقديمه في الاجتماع التالي.

3 – الموافقة على الاقتراح. ما هو قرارنا؟ وذلك يأتي عبر:

أ – الاقتراح الحالي عن طريق أسئلة ومناقشة من أجل التوضيح فقط.

ب – جولة ردود أفعال سريعة باستخدام تغذية استرجاعية سريعة حول الاقتراح

ج – تعديلات يقوم مقدم الاقتراح بها عند الحاجة بناء على أسئلة تم طرحها.

د – جولة موافقة بجمع وتسجيل أي اعتراضات ولكن من دون مناقشات.

هـ مناقشة وتحسين الاقتراح للتعامل مع الاعتراضات في حال وجودها.

و– جولة موافقة يشير فيها كل شخص الى موافقته على الاقتراح، ويكون مقدم الاقتراح آخر المتحدثين، وفي حال وجود اعتراضات متبقية يتم تسجيلها (من دون نقاش) ثم العودة إلى النقطة "هـ" قبل طرح جولة اخرى للموافقة.

ويتطلب تأسيس مجموعة ذاتية التنظيم موافقة من قبل الأشخاص الذين يملكون سلطة على المجموعة، وببساطة فإن هذا يعني أن الإدارة العليا أو أصحاب الشركة يتعين عليهم دعم السوسيوكراسي، من دون كلمات "إذا" أو "لكن" أو حتى "حقوق نقض".

وبخلاف ذلك سوف تبرز تصدعات داخلية عندما تواجه "سلطة مفترضة" في الدائرة السلطة المعلنة الأعلى، وفي حال حدوث ذلك يتعطل النمو وتتم العودة الى الطريقة الاستبدادية.

يتمثل الجانب الرائع في هذه العملية كما وصفها إندنبرغ في أنها طريقة ممتازة من أجل الوصول إلى تنظيم ذاتي، وذلك من دون تغيير أو إحداث اضطراب في بنية السلطة القائمة، وعندئذ يبدأ السحر وبمجرد أن يعمل النظام بشكل جيد ومريح سوف تبرز المبادرات والتحسينات بصورة عضوية وطبيعية، ولن تكون هناك، في هذه الحالة، ثورة بل تطور وتقدم ونمو فقط ولا شيء غير ذلك.

ثم إن كل الشركات والمجموعات التي تستخدم مثل هذه الأنظمة أو تلك المشابهة لها سوف تشهد درجة أفضل من الأداء ونوعية أحسن من المنتجات مع تطور في الإبداع والمعنويات الأعلى ودرجة أقل من الخسائر ومن التكلفة أيضاً.

لقد ابتكر سملر هذه الطريقة لأنها ببساطة الأسلوب الإنساني للعمل.

( * مواطن أسترالي عاش في منطقة الشرق الأوسط سبعة أعوام، ويتمتع بمعرفة واسعة في أسواق المال والطاقة، كما أنه رئيس مجموعة ميسي التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، وهي شركة استشارية تعنى بقضايا التجارة والاستثمار وتعمل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا).

back to top