ميركل تتفوق على كاميرون

نشر في 12-01-2015
آخر تحديث 12-01-2015 | 00:01
 الغارديان تبدو أنجيلا ميركل مصممة على تقديم درس في السياسة الدولية عندما تقوم بزيارة خاطفة إلى ديفيد كاميرون في مقر الحكومة البريطانية بعد أيام، ولا نقصد بكلامنا هذا أن المستشارة الألمانية ستتبنى موقفاً متعالياً، فهي أكثر تهذيباً من أن تقدم على أمر مماثل، إلا أن الهوة في القوة والنفوذ بين هذين القائدين على المسرح العالمي تبدو شاسعة على نحو محرج، تأملوا في موقفَي فريقي كرة القدم في كلتا الأمتين وستفهمون الفكرة.

يبدو كاميرون، الذي لم يعرب يوماً عن حب كبير للسياسة الخارجية، أكثر تركيزاً على انتخابات شهر مايو التي قد تسم نهايته السياسية، في المقابل قطعت ميركل نحو نصف ولايتها الثالثة في هذا المنصب، وهي تتعاطى بمهارة مع عدد من التحديات الدولية بثقة قائد لا نظير له في الاتحاد الأوروبي، قائد يمثل الاقتصاد الأكبر في أوروبا، وعلى غرار رئيس فرنسا الضعيف فرانسوا هولاند بات على كاميرون محاكاة أجندة سياسية لم تحددها لندن أو باريس أو بروكسل بل برلين.

لا شك أن ميركل كثيرة الانشغال، فمع عودة الشركات والأسواق المالية الأوروبية إلى العمل بعد عطلة نهاية السنة، ينصب الاهتمام على اليونان واحتمال أن ترفض سيريزا، حركة يسارية شعبوية، ديون عملية إنقاذ هذا البلد التي قدمها الاتحاد الأوروبي، في حال فازت في الانتخابات في 25 يناير. نتيجة لذلك تزداد توقعات أن تكون اليونان الدولة الأولى التي تتخلى عن اليورو، مشعلة أزمة جديدة في منطقة اليورو.

اتهمت وسائل الإعلام وسياسيو المعارضة في ألمانيا ميركل أخيراً بتعمدها تأجيج هذه المخاوف كوسيلة لزيادة الضغط على الناخبين اليونان، بعد أن توقعت مصادر حكومية مجهولة أن خروج اليونان يُعتبر "محتماً تقريباً"، في حال فازت سيريزا، فقيل إن ميركل ووزير خارجيتها فولفغانغ شوبل قررا أن هذا السيناريو ممكن، إلا أن متحدثاً رسمياً في برلين أنكر لاحقاً هذه الأخبار، ولكن إن كانت هذه خدعة مزدوجة تعمدت ميركل إطلاقها، فقد يتعلم كاميرون الكثير منها، حيث جاءت تهديداته بالخروج من الاتحاد الأوروبي واضحة على نحو جلي.

لكن تفادي أزمة أخرى في منطقة اليورو ليس سوى بند واحد على جدول أعمال ميركل الطويل، فسيتحول اهتمامها نحو أوكرانيا في الخامس عشر من يناير، حين يُفترض أن تلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة أزمة في كازاخستان، فمنذ ضم القرم السنة الماضية عمقت ميركل اتصالها المباشر ببوتين، سواء شخصياً أو عبر الهاتف، مقارنة بأي قائد أوروبي (أو باراك أوباما)، ولا شك أن نفوذ ألمانيا في موسكو، النابع من علاقة ثنائية في مجالي التجارة والطاقة تبلغ مليارات الدولارات، لا يُستهان به، ومع أن ميركل حذرت علانية من أي توسع روسي إضافي، تُعتبر عموماً السياسي الأنسب للترويج لصفقة سلام ما في المسألة الأوكرانية.

في هذه المسألة، يُعتبر كاميرون (الذي لن يشارك في قمة كازاخستان، بخلاف هولاند) مجرد متفرج، وينطبق الأمر عينه على السياسة الغربية عموماً تجاه روسيا، بعد فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على روسيا، تراجع أسعار النفط، وما نجم عن ذلك من انخفاض حاد في قيمة الروبل. ساءت علاقات بريطانيا بموسكو كثيراً خلال عهد كاميرون، متأثرة بإخفاق محاولة أوباما إعادة ضبط الروابط الأميركية-الروسية، فضلاً عن ذلك بدا كاميرون عاقد العزم في مسألة القرم.

في المقابل، تحذر الأصوات الواسعة النفوذ في حكومة ميركل من الضغط بقوة على بوتين، إذ ذكر نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابريال أخيراً: "لم يكن الهدف مطلقاً الضغط على روسيا سياسياً واقتصادياً لتهبط نحو الفوضى"، فقد أراد البعض في أوروبا والولايات المتحدة رؤية العدو الروسي القديم يركع، إلا أن غابريال أضاف: "لا يخدم هذا مصلحة ألمانيا أو أوروبا".

سواء كانت المسألة تخفيف سياسات التقشف التي تقودها ألمانيا بعد الأزمة (أجندة قمة مجموعة الدول السبع في بافاريا التي سترأسها ميركل في شهر يونيو) أو الرد جماعياً على الهجرة الكبيرة إلى أوروبا من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المؤكد أن كاميرون سيصغي حين تتكلم ميركل.

في رسالة رأس السنة، شددت ميركل بقوة على أن واجب أوروبا الأخلاقي يحتم عليها مساعدة الأعداد الكبيرة من اللاجئين وطالبي الحماية الذين يهربون من الحرب والاضطهاد في سورية ودول أخرى، فأعلنت: "لا داعي لأن نقول إننا نساعدهم ونقدم المأوى لمن يلجؤون إلينا"، ثم أدانت ميركل الاضطرابات المناهضة للهجرة في ألمانيا التي تتبع أسلوب حزب الاستقلال في الممكلة المتحدة، وبينما تقدم ميركل للمهاجرين نسخة إنسانية قابلة للتطبيق عالمياً، يمنحهم كاميرون تخفيضات في الرعاية الاجتماعية.

أما إذا تناولت المحادثات بين كاميرون وميركل التهديد الذي يشكله "داعش" خصوصاً والتطرف الإسلامي عموماً، فقد تدعي بريطانيا أنها تتولى القيادة، حيث عادت القوات البريطانية إلى القتال في العراق، في حين أن ألمانيا قررت، كما خلال غزو عام 2003، الوقوف على الهامش، وينطبق الأمر عينه على أفغانستان، حيث تفادت القوات الألمانية الاضطلاع بأي دور قتالي، وبعد أن انتصرت بريطانيا على ألمانيا في حربين كبيرتين خلال القرن العشرين، يبدو أن مكافأة بريطانيا الأخيرة تقتصر على اكتفائها بتولي الشؤون الأمنية في حين تدير ألمانيا أوروبا.

* سيمون تيزدال

back to top