سنّة البصرة يديرون سياسة معقدة داخل حرب الطوائف

نشر في 06-01-2015 | 00:07
آخر تحديث 06-01-2015 | 00:07
No Image Caption
أحزاب العراق فشلت في استغلالهم طوال أعوام الصراع
لا توجد تقديرات دقيقة عن نسبة السنّة في البصرة اليوم، لكن المتبقي منهم ليسوا بأعداد كبيرة كما يتضح من خمس عمليات اقتراع جرت خلال 11 عاماً، ولم تفرز كل مرة سوى عضوين سنيين في الحكومة المحلية من أصل نحو 30 عضواً بينهم مسيحي واحد وصابئي واحد أيضاً، كما أن سنّة البصرة لديهم ممثل واحد في البرلمان العراقي من أصل 325 نائباً.

لكن لايعني ذلك أنهم طيف هامشي في المحافظة البالغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة، معظمهم مهاجرون من المدن الشيعية خلال نصف القرن الماضي، إذ أن في البصرة نحو 200 مسجد سنّي ترفع الصلوات الخمس، كما يقول الوقف السنّي هناك في سياق الإشارة إلى اغتيال ثلاثة رجال دين سنّة بارزين الأسبوع الماضي في البصرة، بينهم الشيخ يوسف الراشد إمام جامع الزبير بن العوام، المعروف باعتداله وفتواه بالقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وشراكته مع مرجعية النجف الشيعية للتقريب بين المذاهب وتخفيف الاحتقان الطائفي. والبصرة نموذج ديمغرافي شاذّ جداً في المنطقة، إذ تحولت بنحو أكثر حدّة من بغداد، إلى مدينة ذات غالبية شيعية بعد أن كانت أكثريتها سنّية قبل سبعة عقود، ولعبت الحروب والانقلابات العسكرية واكتشاف النفط بكميات كبيرة، دوراً أساسياً في هذا التحوّل السكاني، إذ أن أهم العائلات السنّية اضطرت إلى الهجرة لبريطانيا وأميركا وبلدان الخليج، بعد إلغاء العهد الملكي عام 1958 وقرارات التأميم التي أضرَّت القطاع الخاص وطبقة التجار حتى السبعينيات، ثم اندلاع الحروب التي لم تنته، وهي هجرات لم تقتصر على السنّة بل شملت الطبقة المتعلمة الشيعية ومعظم المسيحيين، فضلاً عن ذوي الأصول الإيرانية والتركية، والطائفة اليهودية التي رحلت بالكامل قبل حلول الستينيات، ما ترك البصرة لأغلبية شيعية معظمها من فقراء مدن الجنوب القادمين إلى العمل في الموانئ الخمسة، ومنشآت النفط والزراعة التي كانت مزدهرة.

ويمثّل سنّة البصرة واحدة من أكثر شرائح المجتمع هدوءاً وكياسة، وهم ينشغلون بالتجارة واكتساب المهارات العلمية، ولم ينخرطوا في حزب البعث ولم يقبلوا الانتساب إلى الجيش كما حصل مع باقي سنّة العراق، وهم في الغالب مجتمع غير عشائري، يمتلكون سمعة ممتازة في صفوف باقي الطوائف، ويمكن القول، إنهم طيف محبوب في البصرة، لذلك فإنهم يحصلون على تعاطف كبير من الشيعة حين يتعرضون إلى حملات اغتيال واستهدافات، تقوم بها ميليشيات متطرفة بين الحين والآخر.

لكن الطائفة السنية في البصرة، لا تواجه فقط صعوبة في التعامل مع تحولات السياسة الشيعية، بل تدير علاقة حذرة حتى مع باقي سنّة العراق، فسنّة البصرة في الغالب، رفضوا المشاركة في مهاجمة الجيش الأميركي، ولم يتعاملوا مع تنظيم القاعدة، وحاولوا البقاء محايدين في كل الصراع الطائفي الذي شهدته البلاد، ما جعل الأحزاب السنّية في بغداد والأنبار، ترى فيهم عنصراً غير متحمّس للعمل داخل الاستقطابات، إذ فشلت محاولات استغلالهم في هذا الإطار، بينما برزت منهم شخصيات كثيرة لعبت دوراً في تخفيف الاحتقان الطائفي وعملت مع علماء الشيعة لهذا الغرض.

وسمح ذلك لكثيرين توجيه الاتهام إلى تنظيم «داعش»، بتدبير اغتيال العلماء الثلاثة الأسبوع الماضي، بهدف تحريض السنّة هناك على العمل ضد الحكومة التي يقودها الشيعة، لكن آخرين يعتقدون بأن بعض الميليشيات الشيعية يحاول «توريط» سنّة البصرة في ردود أفعال غير محسوبة، ليقدموا مبرراً لضرب ما تبقى من هذه الطائفة وتهجيرها، إذ لا يخفي متطرفون شيعة انزعاجهم من قدرة المدينة الغنية بالنفط، على الاحتفاظ بهذا التنوع الرمزي في خليطها السكاني، لأنه يمكن أن يؤثر في المستقبل على سيناريوهات بناء نفوذ مستحكم لإيران، المنزعجة أساساً من وجود عمالقة البترول السبعة على ضفاف شط العرب والامتيازات النفطية التي ستتواصل حتى عام 2035.

back to top