الغالي والنفيس في «المقاصيص»

نشر في 16-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 16-03-2015 | 00:01
السوق وجهة الباحثين عن «الأنتيك» بأسعار رمزية
سوق المقاصيص من الأسواق الكويتية القديمة التي تباع فيها السلع الشخصية، سواء الجديدة أو المستعملة بأسعار تقل قيمتها عن نظيرتها بالشركات والمحال والمتاجر، وهو سوق يأتيه من يبحث عن الأنتيك والساعات والمسابيح والخواتم، وتعود تسمية «المقاصيص» إلى من يلجأ إلى بيع مقتنياته الشخصية في هذا السوق نظراً إلى حاجته أو لانعدام موارده المالية، وهو ما يستفيد منه المتسوقون من رواد السوق للحصول على تلك السلع بأسعار تقل عن نصف قيمتها الحقيقية.

«الجريدة» جالت في «المقاصيص» للتعرف على السوق من قرب، فالتقت عدداً من أصحاب بسطات البيع الذي بينوا عراقة السوق وأهميته بالنسبة إلى من يبحثون عن كل ما هو نادر وثمين للحصول عليه بأسعار بخسة، كما التقت عددا من رواد السوق الذين أكدوا أنهم يجدون فيه الفسحة ومتعة التسوق ومضيعة الوقت.

بداية، قال أحمد المشموم (أحد الباعة في السوق):  مضى على وجودي في السوق 46 عاما، وكان يسمى السوق في السابق سوق الحراج، وبعدين سموه سوق المقاصيص في عام 2008.

وأضاف أن ما يباع في السوق عبارة عن الساعات القديمة والتقليد والخواتم والمسابيح والأقلام، وأحيانا تباع التلفونات النقالة الجديدة، موضحا أن السلع التي تباع فيه هي السلع الزائدة عن حاجة ملّاكها، كما أن هناك من لديه هواية حب التغيير، يشتري السلع من المتاجر والشركات، وبعد مضي فترة على امتلاكها يعمل على بيعها لتغيير السلع، لاقتناء غيرها، و»احنا نشتري منهم تلك السلع ونعيد بيعها في السوق».

وأكمل: تعرض علينا أحيانا بعض السلع المسروقة، فنحن لا نشتري من أي زبون، وإنما من الزبائن الثقات أو من لديهم ما يثبت ملكية تلك السلع، لتجنب المشكلات التي تنجم عنها، كما أن لدينا بعض الزبائن الخليجيين الذين يأتون من دول الجوار خصيصا لسوق المقاصيص لاقتناء بعض السلع، ونحن نحتفظ ببعض السلع الثمينة والقطع القديمة لهم.

وتابع: أن أبرز ما اشتراه هو ساعات الرولكس والأوميجا والذهب والألماس، نشتريها بمبالغ تعادل 400 دينار للقطعة، ومن ثم نبيعها بعد ثلاثة أو أربعة أشهر بما لا يقل عن 700 دينار، إضافة الى بعض خواتم أحجار كريمة كالياقوت والزمرد واليماني التي تصل أسعارها إلى 50 دينارا، مشيرا الى أنه كانت لديه مسابيح كهرب ألمانية وبولندية عمل على بيع الواحدة منها بقيمة 400 دينار.

مشكلة النصابين

وذكر أنه في السابق كنا نواجه مشكلة من يحاولون النصب علينا، وذلك بوضعهم الساعات التقليد (المضروبة) في صناديق الماركات نفسها الأصلية على أنها ساعات أصلية، وبلا شك أن صاحب الخبرة يمكنه اكتشاف ذلك.

وبيّن أن أكثر رواد السوق يكونون من كبار السن، ولا شك في أن من يتردد على السوق من جميع الفئات العمرية ومن مختلف الجنسيات، سواء كانت الخليجية أو العربية أو غيرها من الجنسيات الأخرى ممن يبحثون عن «الأنتيك»، سواء من الساعات أو الأقلام أو المسابيح أو الخواتم.

وقال: سبق أن تعرضت لمشكلة، لأني اشتريت سلعة بمبلغ 400 دينار، وبعد يومين حضر رجال المباحث ومعهم رجل بيده الكلبشات، واتضح لي أن السلعة التي اشتريتها منه مسروقة، فسألوني كيف اشتريت منه تلك السلعة؟ فقلت لهم: اشتريتها بعد أخذ بيانات البائع، ولدي صورة من هويته، ومن ثم سألوني عن القطعة التي تم بيعها، فقالوا لي كيف تبيعها؟ ومن ثم أخذوا الرجل معهم، وأبلغوني بألا أشتري شيئا إلا بما يثبت ملكية الشيء قبل شرائه.

وأكد أنه يتعامل مع العديد من الشخصيات السياسية والعامة، ومنهم وزراء سابقون ممن يبيعون كل ما هو قديم ونادر وثمين، وأنه إذا لم يأتوا اليه في السوق للبحث عما يريدون، فإنه يتوجه اليهم، مشيرا الى أن منهم من لديهم محال لبيع تلك السلع.

ومن جانبه، قال محمود الإبراهيم، (أحد أصحاب المواقع بالسوق) إن تاريخ السوق قديم قبل أن يدخل السوق، وكان يسمى بسوق المقاصيص، مشيرا الى أن السوق أول ما كان وضعه الحالي، بل كان على نظام «كبتات»، وكل واحد عنده كبت، واحنا ما لحقنا عليهم.

سوق الأوميجا

وأضاف الإبراهيم: إحنا أصحاب السوق ملقبون بعدة أسماء، أي عندما يقول أحدهم أنا ذاهب لسوق الأوميجا يقولون له رايح عند سوق الحرامية أو سوق النصابين، لكونهم ينظرون إلى من يجلب الى السوق الأنتيكات أو الأشياء ثمينة بأنه حرامي مع احترامنا للناس ونحن نثبت لهم أننا اشرف منهم، لكون من يبيع في السوق مكانه ثابت، فكيف أستطيع شراء سلع مسروقة وأعرضها للبيع عندي، وأنا صاحب موقع ثابت في السوق؟

وبيّن أن سبب تسمية سوق المقاصيص بذلك أن هناك من يأتي للسوق لبيع مقتنياته، ومنهم من يبيع سلعة أكثر من سعر الوكالة، ويعود ذلك الى شطارة الشخص، وكثيرا ما يأتي الى السوق العديد من الشخصيات ونواب مجلس أمة سابقون، وبعض كبار الشخصيات في الدولة، وهم من زبائننا الخاصين الذين نتزاور معهم في ديوانياتهم، وعندما نحصل على سلع تتناسب ورغباتهم نذهب إليهم لنعرضها عليهم.

وقال: غالبا ما نشتري الساعات والأقلام الثمينة من بعض موظفي الدولة الذين يحصلون عليها كهدايا تكريم لهم ممن لا يستخدمون تلك الساعات التي تصل قيمتها الى مئات الدنانير، ونشتريها تقريبا بنصف القيمة منهم، ومن ثم نعرضها للبيع للزبائن بما فيها من فائدة، كما نشتري كل ما يعرض علينا للبيع من الزبائن ممن نرى أنهم أهل للثقة، ولا نتعامل في الشراء مع الأحداث في السن وكذلك النساء.

وأوضح أنه أحيانا يأتينا من هم ليسوا «شرايه»، لا يعرفون أنواع الماركات ولا قيمتها ولا حتى الأصلي من التقليد لها، ونختصر معهم برفع قيمة السلعة حتى لا يزعجوننا في وقت ذروة السوق، مبينا أن السوق لا يقتصر على فئة معيّنة، وأن من يترددون على السوق من جميع الفئات العمرية ومختلف الجنسيات، وأنه لا وقت محدد للسوق، وبالإمكان أن نأتي لنعرض سلعنا والسوق يعمل على مدار الأسبوع.

أغلى قطعة

وقال إن أغلى قطعة حصلت عليها هي من إنسان وشخصية كبيرة عرفته من هذا المكان وليس بسلعة، لكونه أصبح زبوني الخاص ويشترى مني ما أعرضه عليه من قطع ثمينة بآلاف الدنانير، وهو إنسان كريم ومحترم وخلوق، وأعتبره أغلى إنسان تعرفت عليه.

 وبيّن أن رواد السوق يأتون لشراء ما يرغبون به من سلع بسعر أرخص بمعدل نصف القيمة من الشركات كالأقلام والساعات والمسابيح والخواتم وغيرها من الأنتيكات الثمينة.

ونواجه مشكلة ثقتنا بالناس، فهناك من يأتي ويشترى منا مرة أو مرتين ونعطيهم الثقة، ومن ثم يشترون ولا يدفعون قيمة السلعة كاملة، بحكم انه زبون وسيعود مرة أخرى لنحصل على بقية القيمة، ثم لا نراه مجددا في السوق، مضيفا أننا «نتبايع» في ما بينا، ولكن هناك من يحاولون «يشربكون ويخربون العلاقات» على خلفية تلك البيعات بقولهم «إن فلان قص عليك بهالبيعة وما شابه»، مؤكدا أن «سوق المقاصيص فيه الحقد والحسد وايد».

ومن ناحيته، قال بشار الخالدي (أحد رواد السوق):

نحن نتردد دائما على السوق لمضيعة الوقت وتغيير الجو والتمشية، ونبحث عن الأنتيك وعما هو نادر وعن الأشياء الثمينة التي تعرض للبيع لاقتنائها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، مدللا على ذلك بأنه كان هناك من يعرض ساعة قيّمة مثل أوميغا أو رولكس بسعر ألفي دينار مثلا، يأتي الى السوق لبيع هذه الساعة بما لا يزيد على نصف قيمتها، فيكون هناك من الهواة ممن يرغبون اقتناء تلك الساعة فيعملون على شرائها.

جوفيال... 80 عاماً

وبيّن أن السوق موجود لإحياء التراث وتداول بيع الأشياء التراثية، لافتا الى أن أثمن ما اشتراه من السوق ساعة «لونجين» مصنعة من الذهب والألماس بمبلغ 400 دينار، وباعها بمبلغ 750 دينارا، على الرغم من أن قيمتها الحقيقية تعادل 1500 دينار، كما اشترى العديد من الساعات التي تتراوح أسعارها بين 100 و200 دينار، إضافة الى العديد من المسابيح والخواتم، وأنه مازال يقتني ساعة جوفيال تراثية عمرها 80 عاما.

وأوضح أنه يأتي الى السوق حاليا للبحث عن الخواتم ذات أحجار الياقوت، مبينا أن هناك أجهزة تفحص الأحجار إن كانت أصلية من غيرها، وإن كان هناك شك في السلعة كانت أصلية من غيرها، هناك العديد من المحال التي يمكن فحص السلع فيها، كما بيّن أن السوق يعمل على مدار الأسبوع وينشط يوم الجمعة، فهناك العديد من الرواد الذين يترددون على السوق في ايام العطل.

الصراف والسوق... علاقة وطيدة

أبوحمد الصراف, أحد الرواد المخضرمين للسوق يروي علاقته مع السوق فيقول: في الماضي كنت آتي الى السوق، ومن ثم انقطعت عنه بسبب المشاغل، ومن ثم استمريت في التردد شبه اليومي عليه منذ عام 1993 حتى الآن، مشيرا الى أن ما يباع في السوق الساعات القديمة والأنتيك والمسابيح والأشياء الثمينة، مضيفا: السوق أصبح كالمتنفس لنا، ولا نشعر بالراحة إن لم نأت إليه.

وتابع: نشترى ما يروق لنا من الخواتم والمسابيح والساعات التي تعرض به، لا شك في أنها إن كانت قيمتها ثمينة ووجدت سعرها مناسبا، فأنا أشتريها، ونحن نهوى شراء واقتناء القطع الأنتيك أو الثمينة.

وقال عبدالرزاق العوضي (من رواد السوق): نحن نأتي للسوق للتسلية، ورؤية الناس ومضيعة الوقت، وإن وجدنا أشياء تستاهل نشتريها، لكوني أحب الأشياء القديمة كالمسابيح والأقلام القديمة، خاصة منها قلم الباركر القديم الـ(51)، وعندي الكثير منهم لأني أحب اقتناءها.

وأضاف أن أكثر شيء أشتريه هو المسابيح القديمة، الاستكرات القديمة، إن وجدت، وأيضا العملات المعدنية الفضية القديمة، وكذا الساعات القديمة القيمة التي تتميز بالقصات القديمة، فأنا دائما أبحث عن الأشياء القديمة الأصلية لاقتنائها، وأول سلعة اشتريتها من السوق أعتقد انه كان مسباح قديم، وأعتقد أني اشتريته بسعر رخيص إن لم تخني الذاكرة بخمس وعشرين دينارا، والان يتجاوز سعره 500 دينار، ومازلت أحتفظ به لأن قديم ومميز.

وزاد: هناك بعض الساعات التي اشتريتها بأسعار تتفاوت بين الـ800 والـ1000 دينار، ومازلت أحتفظ بها، لأن سعرها يزداد مع مضي الوقت، وأحيانا يأتي من يبيع السجاد الإيراني القديم، وهو لا يقدر قيمته، لأنه كلما قدم ازداد جمالا.

back to top