بغداد تقترب من العرب وأميركا وتثير قلق الإيرانيين

نشر في 15-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-09-2014 | 00:01
يقول خبراء في العلاقات العراقية ـــ الإيرانية إن طهران لم تشعر فيما مضى بالضعف في العراق، كما تشعر الآن. ورغم أن ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) القوي منح الإيرانيين نفوذا أكبر في أسابيعه الأولى بعد النكسة العراقية في يونيو الماضي، فإن ثلاثة عوامل يمكنها أن تعيد تعريف نفوذ إيران في جارتها الغربية، بنحو لافت.

فهناك دور جديد لمرجعية النجف، والخبرة السياسية التي تطورت لدى الأحزاب العراقية، والعودة المتسارعة لأميركا وحلفائها الى بغداد. ويمكن أن نضيف سببا رابعا هو الحماس الذي تبديه دول عربية وخاصة السعودية، للانفتاح على لحظة عراقية خاصة من المنظور الأمني والسياسي.

ويمكن أن نؤرخ لتزايد نفوذ الإيرانيين في العراق، بلحظة الانسحاب الأميركي في ديسمبر 2011، فقد أعلن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي نهاية عهد واشنطن، وبداية عهده هو، وبدأ بالتخلي عن التسوية السياسية التي كانت واشنطن راعية لها خاصة مع السنة، وحينئذ ذهب قادة عراقيون الى واشنطن وسألوا عن مصير الاتفاقات السابقة التي ينقضها المالكي، فلم يعرهم باراك أوباما اهتماما، وتركهم يناقشون تفاصيل مملة مع وزارة الخارجية التي امتلأت بموظفين حريصين على علاقة جيدة مع المالكي، تضمن صفقات نفط ومكاسب أخرى، حتى شعر المالكي أن في وسعه منح ذلك للغرب، مقابل أن يسمح له بإعادة بناء السياسة العراقية بطريقته الخاصة.

الانتقادات التي أحاطت نهج المالكي يومذاك، جعلته يواجه خصوما كثيرين فقد شعر بعزلة حتى داخل البيت الشيعي الذي انتقد سياسات الحكومة بقوة، وتعاطف مع الأكراد والسنة، ووصل الأمر الى درجة أن تصعيد المالكي للنبرة الهجومية مع أنقرة والرياض، قابلته زيارات للعاصمتين قام بها قادة شيعة مثل عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، كانت تهدف للتهدئة مع المحيط السني وإيضاح أن طريقة المالكي لا تمثل كل القناعات.

واستفادت طهران من العزلة السياسية للمالكي، وجعلته يشعر أنه بحاجة الى الإيرانيين في تدعيم نفوذه، فقامت بجره الى محور دمشق- موسكو- طهران. وجاءت انتصارات «داعش» في يونيو الماضي، لتجعل شيعة العراق وأكراده أيضا، يشعرون بالحاجة الى الدعم الإيراني العسكري في مواجهة منظمة مجنونة، وسط إصرار أوباما في بداية الأزمة على أن واشنطن لن تتدخل عسكريا. وبكل تلك المقاييس كانت طهران رابحا كبيرا من تحركات «داعش»، إلا أن المفاجآت توالت بنحو لا يصدق منذ مطلع اغسطس الماضي.

فحين باتت داعش على أبواب أربيل، رن جرس انذار كبير في واشنطن حول سيناريوهات التمدد والنفوذ والجغرافيا السياسية، وأمسك وزير الخارجية جون كيري بزمام المبادرة، معلنا أن أميركا ستعود بقوة الى العراق، دون أن ينسى عجز إيران عن مساعدة حلفائها، وانعكست العودة الأميركية داخليا، فاستطاعت الأحزاب العراقية أن تعمل مع النجف بشكل معاكس لما تريد طهران، وأنضجت طبخة استبدال المالكي، بشكل أعاد تعريف القدرات التفاوضية للعراقيين أنفسهم، وأعاد تعريف دور مرجعية علي السيستاني، التي تعارض سياسات طهران على أكثر من مستوى. ومقارنة بتشكيل الحكومات الثلاث السابقة، فإن طهران لعبت الدور الأضعف في اختيار حيدر العبادي رئيسا للحكومة، وتوزيع الحقائب وترتيب الاتفاقات السياسية الموازية، وبرز دور جون كيري والنجف وأشخاص من طراز عمار الحكيم، بينما توارى جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني كثيرا.

أما العلامة الأبرز فهي مؤتمر جدة الذي رعته السعودية الخميس الماضي، فقد حضر العراق مع أبرز المشاركين العرب والأجانب، بينما غابت طهران وراحت تنتقد هذا التحالف الإقليمي الدولي، وتحدثت مصادر إيرانية عن انزعاج من تقرب العراق كثيرا الى واشنطن ولندن وفرنسا، وإبداء الرياض استعدادها لتطبيع العلاقات مع بغداد. إلا أن الجميع يفكر الآن بكيفية تعامل إيران مع هذا التراجع في دورها، وحاجتها لإثبات أن على الجميع التعامل معها كقوة في العراق، حتى في ظل أي مؤشر على تقدم منافسيها. وهذا أحد التساؤلات الصعبة على طاولة أي تحالف دولي سيعمل في بغداد.

back to top