رحيل صاحب الشعر الإنساني «الرفيع»!

نشر في 12-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 12-03-2015 | 00:02
No Image Caption
غياب ترك «السكة» بلا حكايات... والبنات بلا «حنة ونشل»
رحل أمس الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع عن الحياة عن عمر يناهز 79عاماً، بعد فترة قضاها في المستشفى منذ منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي، تاركاً «السوالف الحلوة» عن «زمان الأول» تواسي ذكرياتها في شعره.

الشاعر الذي كان يجمع الضحكات من الوجوه المتحلقة حوله ليطلقها شعرا، الشاعر الذي كان يرسم الحكاية بأصابعه معزوفة للأرواح، الشاعر الذي كان يسلب العيون وينفض القلوب ويقلب الذكريات ليهز السامعين رؤوسهم تصديقا وتحسرا وترنما... رحل!

وكما كان جموحا، مغامرا، مقبلا على الحياة لا يتحمل نظاما يواظب عليه في معيشه؛ تاركا دراسة الحقوق ومهنة التدريس ووزارة الدولة للشؤون القانونية ووزارة الإعلام والفنون في نقلات لم يستقر فيها أبدا، ودعنا تاركا شعره ينبه الضحكات كلما انطفأت من دون كتاب يتضمن دواوينه الشعرية التسعة كلها، والتي أهمها: «أغاني البحار الأربعة» 1971، «الدوران حول البعيد» 1979، و«يسألني» 1981، و«لها ضحك الورد»، و»ديوان الشعر الشعبي» 1981، و«ديوان الشعر العربي»، و«أولها كلام» 1991 وغيرها.

وضمن هذه المسيرة؛ عبر عبدالرحمن رفيع تحت مظلة الإخوان المسلمين فترة من الزمن، ثم مال إلى حزب البعث ولم يطل فيه، حتى فضل أن يكون مستقلاً، متفاعلاً مع الإنسان ومعبرا عنه أينما كان، وكيفما كان، ومن هنا بدأ شعره الحقيقي.

هو الشاعر الحاضر في أسرار كل من واكب الأمسيات الشعرية في الزمن الجميل، التي كانت تنقل من المنصات على الهواء مباشرة أو تسجيلا، تنصت إليه القلوب قبل العيون، حيث يشكلها صورا متحركة تتهادى فيها المرأة ويطل صوت الرجل وينتعش فيها شارع ويتراكض فيها الأطفال، وتتداول فيها الوجوه شعرا بأسلوب مسرحي فكاهي، فهو حكواتي الشعر، من دون أن يقلل ذلك من قيمة شعره شيئا.

تلك المساجلات ومطولات الحكي الشعري، كانت ملاذ عشاقه لإيصال رسائلهم كيفما كانت، فالعتاب والتوبيخ والنقد والغزل والحب والانتماء والحنين... كلها قيم ومشاعر متوافرة في شعره، تطل بكلمات بسيطة لتعبير عن الأحاسيس العفوية بجمالية يشعر بها المتلقون كافة من مختلف المستويات الاجتماعية والأعمار، وكان الشعر بالنسبة إليه "الخبز الساخن" الذي يريده كل الناس.

شاعر «القرية» و«الفرجان»

ومن البيئة المحدودة للقرى وزواياها وأزقتها وشخصياتها، أطلت المفردة البحرينية بجمال ليفهمها الجميع، رغم أنه يردد دائما أنها "اللغة الوسطى" كما يسميها توفيق الحكيم، أو اللغة الثالثة بتعبيره: "أستخدم كلمات متداولة ومفهومة، فلا أغوص في الأعماق الشعبية، ولكن أعتمد على لغة التخاطب المتداولة، اللغة البسيطة" كما قال في حوار منشور له مرة.

عاشق القراءة

"خرج رفيع ليقول كلاماً غير الكلام المتداول المألوف، ويطرح أسئلة محرجة على العالم الذي يعيش، جاء ليكون صوتاً مختلفاً مغايراً غير مسبوق في طرحه ورؤيته"، هذا ما كتب الشاعر علي الشرقاوي عن " ابن فريج الفاضل"، وأكمل: "ومن خلال فرضته الصغيرة كان يستقبل سفن العالم محملة بالحاجات اليومية لإنسان البحرين، الرز والقمح والسكر والدهن والخضراوات والدنجل والأخشاب والصل والودج، وكل ما جادت به أراضي الهند والصين وافريقيا من بضائع وأناس" لينقل عن الراحل وصفا لطفولته التي قضى منها أربعة أعوام عند المطوعة قبل أن يدخل المدرسة: "أنا محب للقراءة، ووراقٌ بالفطرة، إلى درجة أنهم كانوا ينادونني على المائدة وأرفض لإكمال الفصل أو الفقرة... الحقيبة كانت منعطفاً كبيراً في حياتي المستقبلية".

علاقته بالقصيبي

ومن أشهر صداقات الراحل كانت علاقته الوطيدة بالشاعر غازي القصيبي؛ والتي بدأت منذ مراحل الدراسة الثانوية، مرورا بالمرحلة الجامعية (القاهرة) وحتى رحيله، فبينهما ذكريات الشباب والدراسة والحب والكتابة، والتي دون ملامح منها الراحل غازي القصيبي في روايته "شقة الحرية"، وهي الرواية التي كتبها غازي القصيبي بمحمول كبير من الواقع، وجزء كبير من الخيال، "فالغريب من غازي أنه خلط الأوراق، لأنه أعطى دوري لشخص آخر وأعطى دور الشخص الآخر لي أنا" كما ذكر الرفيع مرة.

وكان لفترة السنوات السبع التي قضاها القصيبي سفيرا للمملكة في البحرين حضورها في نفسه، حتى ودعه عندما غادر المنامة إلى لندن للعمل سفيرا هناك: "لقد صك سمعي أنك اليوم راحلٌ، فهل غازي الذي يهجر الأهل؟"، وبعدها كانت مرثيته تودع علاقتهما: ""من للمحافل والقلم، ذهب الفتى الفذ العلم.. لا لن يموت أبو سهيل، سيظل مصباح الظلم".

شعر الإنسان

"الغائب الحاضر أبدا"، بهذا التعبير تحدثت أستاذة الأدب العربي في جامعة الكويت د. ليلى السبعان إلى "الجريدة" وأكملت: "هو الشاعر حاضر الكلمة في كل الملتقيات والمنتديات والقضايا الوطنية والأحداث العربية بقيمتها الإنسانية، وفقيد الشعر عبدالرحمن رفيع شخصية رائعة خسرناها بعد أكثر من 60 عاما من العطاء، إذ كان مع الإنسان البسيط لغة ومستوى وعملا وتعبيرا عن نفسه، وكان مع المجتمعات في قضاياها وعاداتها وحكاياتها ومصائرها".

وأكملت د. السبعان عن شعر الراحل: "لم يكن شعر الفقيد عبدالرحمن رفيع شعبيا خاصا ببيئة محددة، كان بلغته البسيطة معروفا لكل من يستمع إليه، بدقة مفرداته وسهولتها وسلامة نطقها وأدائها"، وشددت د. السبعان على ضرورة  الاهتمام بالشعر الشعبي وحفظه: "فللشعر الشعبي سمات تفوق بعض الفنون الشعرية المعروفة وذلك بنقلها لهموم الناس وسهولة التقاطها وتداولها وتأثيرها في تراثهم، وكان العرب يقدرون اللهجات المتباينة ويتابعونها وينقلونها ولا يهمشونها، فاللهجة ابنة اللغة ولا تختلف عنها، وآن الأوان ليكون لهذا الفن الشعبي اهتماماته في التوثيق والتسجيل لأنه الوجه الحضاري الحقيقي لأفراد الشعوب البسطاء والمثقفين على السواء، وحفظا لإبداعات الشعراء الراحلين ومنهم الفقيد".

الصوت المميز

أما أمين السر في رابطة الأدباء الكويتيين الإعلامية أمل عبدالله فأبنت الشاعر عبدالرحمن رفيع بكلمات استذكرت فيها معرفتها القديمة بالراحل: "لا أحمل تعبيرا أكثر وصفا للخبر من "الأسى والعزاء بإبداعه والامتنان له بالراحة الأبدية، فقد كنت متابعة لحالته في الفترة الأخيرة، والتي كانت تصلني يوميا من الطبيب المتابع لحالته د. راشد نجم، وقد تعب كثيرا هذا الذي أسعدنا بطيبة قلبه وجمال شعره، وتعازي لأسرته الكريمة التي تربطني بها صداقة قديمة".

وأكملت: "التقيت الشاعر عبدالرحمن رفيع أول مرة منتصف السبعينيات، كنت مسؤولة الدراما في الإذاعة، وكنا متجهين مع الشاعر إبراهيم العريض لإعداد بعض الأعمال الثقافية للإذاعة قبل رمضان، وسجل ثلاثين حلقة لبرنامج شعري استمر أعواما بسبب جمال كلماته وأدائه وقوة صوته، وهو من أوائل من أسس البرامج الشعرية في الخليج، وفقده خسارة، لأنه من أعلام الخليج ثقافيا، فقد خسرنا الإنسان، الفنان، المبدع في الشعر والإذاعة والأداء والعطاء للآخرين، وهو صاحب الكلمة التي وصلت إلى أقصى البقاع لبساطتها وحملها هموم الإنسان البسيط مجردا من أي تمييز خاص".

تأبين شعراء البحرين

ونشرت وكالة أنباء البحرين الكلمات التي سجلها شعراء البحرين في رثاء الراحل، ومنهم الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة الذي رثاه في تصريح منشور له، مبينا خسارة البحرين لشاعر من أهم رواد الحركة الشعرية الخاصة بالنقد اللاذع والهزل والفكاهة، وقال: "سوف نفتقد جديد شعر التيار الفكاهي الذى تميز به، وقد استطاع الشاعر رفيع تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة جدا من خلال روح الفكاهة التي كانت تحتويها أبياته الشعرية باللهجة العامية، رحمه الله".

أما الشاعرة فوزية السندي فقالت: "إننا فقدنا شاعرا عظيما بشعره، وعظيما بمحبته، وعظيما بتواضعه، وعظيما بابتسامته الدائمة، والراحل رفيع من الشعراء الصادقين والمؤثرين على تاريخ الساحة الشعرية في مملكة البحرين، وقد تمكن الشاعر أيضا من خلال بساطته الشعرية الوصول الى قلوب كثير من محبيه سواء على مستوى البحرين أو الوطن العربي، وداعا شاعرنا الكبير عبدالرحمن رفيع".

غارس الحياة شعراً

أما الناقد البحريني فهد حسين فدوّن في صفحته الشخصية الإلكترونية كلمات مؤثرة جدا يخاطب بها الموت بعد خسارة الروائي عبدالله خليفة هذا العام، ليجيء دور الشاعر عبدالرحمن رفيع، ومما كتب: "إنه الشاعر عبدالرحمن رفيع الذي عجن خبز الحياة بفطرية الواقع، وعاش ملامسا أفئدة النساء بعفوية الإنسان دون تعقيد أو شروط. رحل عنا الشاعر الذي كرّس نفسه في كتابة اللغة والشعر للمهمشين والفقراء والبسطاء. كتب النص الشعري باللغة البحرينية المحكية (اللهجة) بلغة بسيطة بعيدة عن التقعر والفذلكة. بلغة يفهمها القاصي والداني. يفهمها القارئ البسيط، ويستوعبها الأمي الذي يجهل الحرف العربي. رحل عنا الشاعر عبدالرحمن رفيع وقد ترك لنا همنا الذي كان يعالجه بقصائده وكأنها بلسم يشفي العليل من سأم الحياة. كان شاعرا موهوبا مطبوعا لا تعجزه اللغة أو البحث عن مفردة. كانت اللغة مطواعة إليه منقادة في نصه سواء كان مكتوبا باللغة المحكية أم اللغة الفصحى. رحل شاعرنا وترك نصوصه وسادة حلم اجتماعي وحياتي للناس. كان يجلس على كرسي البوح بالشعر وقلوب المستمعين قبل آذانهم متجهة نحو تلك الحركات والثيمات التي تميزه وهو يلقي الشعر. رحل بعد حالة المرض الذي كان يهيئ إليه الطريق نحو عالم آخر. لكنه عالم في رحمة الله وجنانه هي الملاذ الذي ستستقر عنده هذه الروح. إنا لله وإنا إليه راجعون. الرحمة لك أيها الشاعر النبيل. الشاعر الذي غرس في نفوسنا محبة الحياة".

سوالف أمي العودة

يدتي أمي العوده... طيبه من نسوانا لول

اقعديت مره معاها قلت لها سولفي عن اول

ابي جمن سالفه منج تذكرين ايامج اول

اوصفي لي شلون اهلها كانو اكراه والا اشكل؟

علميني شلون زمانج كان مثل ما نشوف او اكمل؟

اضحكت مني وقالت هذي شي يا ولدي كمل

لا تذكرني بزمان ليته بس شويه طول

كان ابوك العود يا ولدي لين لبس زين وتعدل

قلبي ما يتم في مكانه وعيني عنه ما اتحول

ولين مشى صرت نعاله وانتفخ ثوبه الململ

ولين تحنحن او تخنخن كل دراشينا اتقلقل

كان يبل... له هيبه حلوه... ولين ضحك ويه يتهلل

مو بمثل سبلان زمانكم هالرخو الي يتدلدل

كشة الراس جنها عشه هذي راس واحد مخبل

يصلح الواحد من ذولا في الدكاكين والله سمبل

قلت بعد يا يده با سأل... قالت شقد اتسأل

قلت لها يوم كنتي شابه صغيره قد حبيتي احد؟

اضحكت وايد وتمت تنتفض والدنيا مو ابرد

قالت استغفر من الله لا تكفر يالهيس الاربد

كانت البنت في زمانا في السكيك مول ما اتردد

لو اطلعت من بيتها مره في السنه اتروح اتحمد

ولو اطبقوها امن الدريشه تطل... امن الخوف اتبريد

مو بمثل ايامنا هذي تمشي في السوق واتصيد

شمس الأغنية العربية

للشاعر الراحل عبد الرحمن رفيع كثير من المواقف الطريفة، التي اشتهر بها في قصائده.

ومن المواقف الطريفة التي علقت بأذهان عشاقه، قصته حين فوجئ بوجود الفنانة نجوى كرم معه على متن إحدى الرحلات الجوية؛ ليكتب أبيات غزل في لحظة مرح في محاسن "شمس الأغنية العربية".

أَنتِ صَوْتٌ ونَغَم..

وشَمِيمٌ والشَّمَم..

أنتِ إنْ غنَّيتِ نَعْلُو فوقَ هاماتِ القِمَم..

أَنتِ يا نجوى كرم..

البدره

لابسه دفه، يوم في درب

شفتها تسحب ريلها سحب

ماشيه حزة مغربية

والعجب وياها كلب

قلت في نفسي هذي صيدة

سهلة مول ما فيها صعب

يله يا منحوس مراجلك

لي متى اتلين وأنت صلب

أرفع الفرمن وعليّ

الهوى من اشويه هب

عمره ما فاز باللي يبي

اللي دوم ما عنده قلب

خوض ترى الدنيا معارك

والعشق لو تدري حرب

قرّبت منها وقلبي

في الصدر أسمع له ضرب

وهي ما تدري كأني

في القنص باصيد لي ضب

قلت: وازين هالكلب واحلوه

كلب أصيل من أم وأب

ليتني كركوشه في رقبته

وإلا طوق صابينه صب

يا سلام كأنه غزالة

هذي كلب ما فوقه كلب

هذي أكله لحوم قواطي

ما مثلنه عيش وحب

لندني هذي يا حلوة؟

لندني؟ قالت لي جب

قلت أفا! لكن في لحظة

الأمل في عروقي دب

قلت: أكيد هذي اتدلع

والدلع ثلثينه سب

قلت لها: ليش جب يا بدرة؟

أحنه يعني مالنه رب

من دقيقتين مب دقيقة

في هواج أفادي طب

وخّري الدفه عن ويهج

طفي شي في صدري شي

أنتي لو تنفخين في ميت

كان من الموت قام وخبّ

أنتي شمس ما جاف مثلها

قيس ولا اللي قبله حب

يله آمري بس وطلبي

لو القمر آجيبه غصب

ورحت أسمعها واخويك

لين صبغ بالسانه ذرب

****

وأنا وياها في حاله

شافني صدفة صديج

صاحبي، روح بالروح ولكن

شوفته ذيك الساعة ضيج

قلت له: والله لو بغيتك

ما لقيتك في الفريج

يعني مالقاك إلا قانص

ول ترى الصيد في الطريج

ورحت أسب حظي وأتمتم

حظي زفت حظي عتيج

****

قال لي: ذي أم دفه صيدك

يا سبع صدت الجمل

وراح يأشر لي ويضحك

ضحكة داخ منها وسعل

قلت له: لتكون هذي أختك

وأنا كثرت الغزل

قالي: لا، قلت خطيبتك

أو صديقه للأهل

قال: لا قلت له فهمني

هالضحك ليش يا بطل؟

قالي: ذي كلبها وعصاتها

عمره ما مل العمل

وهذي ذي أمي العودة

عميه ما تشوف يا خبل

back to top