حكومة العراق الجديدة بين عصا الأزمات وجزرة التهدئة

نشر في 06-09-2014
آخر تحديث 06-09-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر بعد التغيرات التي طرأت على الساحة العراقية أصبح لزاماً على صانع القرار فيها- إن صحت هذه التسمية- التعامل مع الوضع الداخلي فيه برؤية جديدة تختلف عن الرؤية التي كان يتبناها المالكي طوال السنوات الثماني الماضية، خصوصاً بعد سيطرة "داعش" على مناطق واسعة من العراق، فالمعطيات قد تغيرت وغيرت معها الأولويات التي يمكن أن تتحرك وفقها الحكومة العراقية المقبلة كي لا تقع  في المطب ذاته الذي أوقع المالكي نفسه فيه خلال السنوات الماضية.

 وهنا علينا أن نتساءل: هل الحكومة العراقية الجديدة قادرة على الإفلات من دوامة الأزمات السياسية التي كان المالكي يثيرها؟ أم ستسير بأجندات فوقية لا يمكن تجاوزها؟

الدلائل تشير إلى أن العراق يقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن تستقر الأوضاع فيه بشكل كامل، ويتحول إلى دولة يقتدى بها في المنطقة، أو أن يتقسم بعد أن أصبحت الظروف فيها لا تتحمل أنصاف الحلول، وفي رأيي فإن احتمالات استقرار العراق ممكنة إذا ما أتيح دور للحكمة في الصراع الحالي.

بإمكاننا القول إنه قد جرى قسريا تصفير المشاكل بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، ليس لأن بغداد قد سلكت طريق الحل السياسي لها، إنما لأن إقليم كردستان استطاع فرض الحلول من طرفه كواقع حال على الأرض العراقية، وعلى حكومة العبادي، إن أرادت خلق وضع مستقر مع كردستان، أن تتعامل مع واقع الحال هذا كما هو، فموضوع المناطق المستقطعة قد حسم بسيطرة الإقليم عليها دون انتظار لتطبيق المادة 140، بعد أن سلمت حكومة المالكي أمر حمايتها إلى البيشمركة عقب هروب الجيش العراقي أمام عناصر "داعش"، أما ما يتعلق بملف انضمام البيشمركة للمؤسسة العسكرية العراقية، وهو أمر كان يدعو إليه الإقليم من الألفين وثلاثة، فلم يعد يعني الإقليم كثيراً  بعد الدعم العسكري والسياسي الذي حصل عليه عقب انتصاراته الساحقة على مجاميع "داعش" من الغرب وأميركا، إضافة إلى ملف النفط الذي حسمه الإقليم لمصلحته بإفشال محاولات حكومة المالكي التصدي لطموحات الكرد فيه، سواء ما كان يتعلق بعقود الشركات الأجنبية أو إنتاج النفط أو حتى تصديره مؤخرا.  

وعليه فإن الطرف الآخر المتمثل بحكومة المركز مطالب الآن بالتعامل مع هذه التطورات بشكلها الإيجابي وفق الأطر الدستورية لتحويلها من واقع حال إلى وضع قانوني دستورياً، أما ما يخص المكون السنّي فإن دخول "داعش" الأخير إلى المدن السنيّة قد ميّز الخنادق داخل المكون نفسه، وأفرز المؤمنين بالعملية السياسية ممن يقفون ضدها، ويؤيدون المنظمات والمجاميع الإرهابية، وعليه فإن التعامل مع مطالب السنّة الدستورية إيجابيا لا يعني خسارة المكون الشيعي لمكتسباته السياسية، بل سيؤدي إلى خلق واقع جديد قد يؤدي بالتالي إلى استقرار وضع البلاد وإنهاء حالة اللا استقرار التي تعانيها.  إن الانفتاح الحكومي هذا يجب ألا يكون بمنأى عن الدول الإقليمية المؤثرة في الواقع العراقي، سواء أكانت إيران أم بعض دول الخليج حتى تركيا، فهذا المشروع يجب أن يحظى بموافقة هذه الدول بعدما أثبتت الأحداث أن المنطقة كلها مهددة وليس العراق فقط.

أما إذا كان العبادي أراد استخدام سياسة العصا والسير على خطى سلفه المالكي في توتير الأجواء تلبية لنداء دول مؤثرة فهناك تخوف حقيقي من أن وجود قوات عراقية مدعومة بميليشيات تابعة لها من جهة، وقوات البيشمركة من جهة أخرى على خطوط التماس في المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، قد يؤدي إلى مواجهات دموية بين الطرفين بعد الانتهاء من مشكلة "داعش"، واحتمالية إدخال العامل السنّي مرة أخرى في معادلات القوة المهيمنة بما يتلاءم مع مصالح القوى المتصارعة، والاستفادة من التناقضات العراقية من هذا المكون أو ذاك، وبالتالي الدخول إلى دوامة جديدة من العنف والقتل قد يكون كفيلا بتدمير حقيقي للمكونات الثلاثة.

ولتفادي هذه المشكلة- إن حاول العبادي إثارتها- فإن على إقليم كردستان وحكومته التحرك وفق التوجهات التالية:

- الاستفادة من التأييد الدولي والغربي المنقطع النظير لقوات البيشمركة في الحصول على كميات إضافية من الأسلحة، تكون كافية لإيقاف وصد أي هجوم مستقبلي قد يفكر المركز بشنه على الإقليم.

- العمل وبشكل جاد للتوصل إلى اتفاقات مكتوبة مع المركز فيما يتعلق بتحويل واقع الحال في الملفات الثلاثة العالقة (سابقا) لتأطيرها بأطر قانونية دستورية تمنع أي حكومة فدرالية مستقبلا من التنصل منها أو التفكير في الانقلاب عليها.

- الإصرار على توقيتات زمنية في تأطير الوضع الحالي بإطار قانوني دستوري قبل الانتهاء من مشكلة "داعش" بإخراجه من العراق، كنوع من الضغط السياسي على الحكومة الاتحادية.

- العمل مع الممثلين الحقيقيين للسنّة العرب في العراق والمشاركين في العملية السياسية للتوصل الى تفاهمات مشتركة حول القضايا التي تهم الطرفين، مثل المناطق المتنازع عليها، وذلك لسحب البساط من تحت أرجل أي جهة عراقية ثالثة تحاول استغلال هذه القضية لمصالحها الفئوية، أو الدول المؤثرة في المكون السنّي التي قد تحاول استغلال هذا الملف لإثارة المشاكل بين السنّة العرب والكرد بما يخدم أجنداتها الإقليمية.

* كردستان العراق – دهوك

back to top