افتتاحية النفط ليس سلعة انتخابية

نشر في 17-05-2015 | 00:15
آخر تحديث 17-05-2015 | 00:15
No Image Caption
يشهد القطاع النفطي في السنوات الأخيرة حالة من القلق وعدم الاستقرار، وهي في حقيقتها تجسيد لانقضاض المصالح السياسية والانتخابية على القدرات والكفاءات الفنية، مما غدا هاجساً لدى الكثير من الناس الذين يخشون مصيراً غامضاً لشريان الحياة في البلاد.

وفي سابقة لم يشهدها هذا القطاع، يسعى وزير النفط الدكتور علي العمير إلى تغيير أعضاء مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية قبل انتهاء مدة عضويتهم القانونية بسنة دون أي مبرر أو سبب يستدعي هذا التغيير، اللهم إلا إذا كان مجلس إدارة المؤسسة قد تمسك بالقانون ورفض بعض ترشيحات الوزير السياسية لأعضاء في مجالس إدارات الشركات التابعة لمؤسسة البترول، وهي المؤسسة القابضة والمالكة للشركات النفطية في البلاد.

وغاب عن الوزير ومجلس الوزراء أن إنهاء عضوية مجلس إدارة المؤسسة قبل مدته القانونية، دون أسباب موضوعية أو مقنعة، يشكل مساساً بكرامة ونزاهة أعضائه وتشويهاً لسمعتهم، وهو تطاول على حصانة القرار الفني لمجلس إدارة المؤسسة.

في سبعينيات القرن الماضي وتحديداً في 1974 أنشأت الدولة مجلساً أعلى للبترول لتولي الإشراف على حسن استغلال الثروة النفطية وتطوير أنشطتها، بهدف ضمان الاستثمار الأفضل لهذه الثروة وتحقيق أكبر عائد منها. وبسبب الطبيعة الفنية لمثل هذه المهمة، كان ضرورياً أن تنشأ مؤسسة مستقلة ذات طابع فني تشرف وتدير مباشرة وعلى أسس تجارية بحتة الأنشطة المتعددة للقطاع النفطي، والتي غالباً ما كانت تعاني تداخل الاختصاصات وثقل البيروقراطية الحكومية.

وتحققت استقلالية قطاع النفط في مطلع عام 1980، بقيام مؤسسة البترول الكويتية كمؤسسة قابضة شرعت في إعادة تنظيم القطاع وفصل المهام والاختصاصات على أسس فنية وتجارية بحتة، فاختصت شركة نفط الكويت بالاستكشاف وإنتاج النفط الخام، والبترول الوطنية بالتكرير، وعلى ذات المنوال حددت اختصاصات شركات ناقلات النفط، وصناعة البتروكيماويات والاستكشافات الخارجية، واختصت المؤسسة بالإضافة إلى الإدارة الفنية والاقتصادية للقطاع بمهمة تسويق النفط ومنتجاته.

منذ ذلك الحين، حرص المشرع على حماية استقلالية مؤسسة البترول وتحصينها من التدخلات والضغوط السياسية الداخلية «وكل ما ليس له علاقة بسياسة الأسعار وكميات الإنتاج لأنها مرتبطة بأسواق ومنظمات دولية عالمية»، وتأكيداً لهذا التحصين نص المرسوم 6 لسنة 1980 الخاص بإنشاء المؤسسة على شخصيتها الاعتبارية المستقلة، وأكد طابعها الاقتصادي والفني، واشترط تعيين أعضاء مجلس إدارتها بمرسوم أميري، لا بقرار من وزير أو من مجلس الوزراء فحسب. وكلف وزير النفط برئاسة مجلس الإدارة، تماماً مثلما كلف وزير المالية برئاسة مجلس إدارة هيئة الاستثمار، أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وهذا التكليف لا يلغي استقلالية أي من تلك المؤسسات، كما لا يمنح الوزير سلطة تغيير أعضاء مجلس الإدارة المعينين بمرسوم أميري.

الآن، وبكل أسف وأسى، يشهد القطاع النفطي محاولة انتقام من مجلس إدارة مؤسسة البترول لأنه لم يوافق على ترشيحات وزير النفط لأعضاء جدد في مجالس الشركات النفطية التابعة لها.

لقد حققت مؤسسة البترول على مدى 35 عاماً إنـجازات عديدة، وتمكنت من تطوير القطاع النفطي لأنها كانت تتمتع باستقلالية القرار بعيداً عن التدخلات السياسية المكلفة، فما كنا مثلاً لنشهد خطيئة صفقة «الداو» لولا التدخل السياسي في القرار الفني.

كثيرون كانوا قد تفاءلوا خيراً بتولي الدكتور علي العمير حقيبة وزارة النفط، لأنه وزير منتخب أولاً، ولأنه متخصص من الناحية العلمية ثانياً، وحري به أن يعرف آلية القطاع الذي يتولى مسؤوليته، إلا أن ترجيح كفة الحسابات والاعتبارات السياسية و«الانتخابية» لدى الوزير جعل التشاؤم يحل بدلاً من ذاك التفاؤل، وأصبح القلق على مستقبل القطاع النفطي هو الهاجس.

إن الحكومة والقيادة السياسية مسؤولتان عن الحفاظ على الكفاءات الفنية وحمايتها من الهجمات السياسية والمصلحية وتحصين استقلالية قراراتها، ويجب ألا ترضخا لضغوط بعض الوزراء أو تلويحهم بالاستقالة. وإذا لم تكن الدولة بأجهزتها، قيادة وحكومة ومجلساً، قادرة على تفعيل آليات الإصلاح والسير في طريق التطوير، فعليها - وهذا أضعف الإيمان – المحافظة على من تبقى من الكفاءات الفنية في هذا القطاع وحمايتها من غزو المصالح السياسية والشخصية.

إن الحفاظ على القطاع النفطي وتحصينه وحمايته جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الوطن نفسه، فهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، وندعو كل من يعنيهم هذا الأمر من موقع مسؤوليتهم إلى تحكيم ضمائرهم لا مصالحهم.

back to top