وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني: أستعد لخوض المنافسة الفنية لا السياسية

نشر في 07-12-2014 | 00:02
آخر تحديث 07-12-2014 | 00:02
ليس بعيداً عن السياسة، بل بعيداً عن المناصب الرسمية التي تقلَّدها، بدايةً بمدير قصر ثقافة الأنفوشي في الإسكندرية، مروراً برئيس المركز الثقافي المصري في فرنسا، ثم بمدير لأكاديمية الفنون في روما، وانتهاء بمنصبه كوزير للثقافة في مصر لمدة 24 عاماً، يتحدَّث الفنان فاروق حسني لـ {الجريدة} عن معرضه الجديد الذي يعود به بعد غياب أربع سنوات من قيام ثورة يناير، وعن قضايا فنية لا تنقصها الرؤية السياسية ورؤيته كمثقف للنهوض بالحركة الثقافية، رغم أنه يرفض أن يطلق على نفسه لقب مثقف معتبراً أن كلمة {مثقف} أكبر من أن يطلقها الفرد على نفسه.
بعد 4 سنوات من معرضك الأخير في مصر تعود مجدداً لتقدم معرضاً في قاعة {آفق} في متحف محمود خليل. ماذا تقول عن تجربتك الجديدة؟

تعتمد لوحات المعرض على الحس الفكري أدبياً وليس كأعمال التجريد التعبيري التي تعتمد على حالة وجدانية بحتة، تتكامل الحالتان بعرضهما معاً ممثلتين لمزاجين متوافقين ويظل النسق بينهما هو الإحساس التجريدي الموجود في الأعمال التشخيصية لجمهور القاهرة. أرى أن العودة بعد أربعة أعوام للعرض في مصر جاءت بعد شعور بالغربة المطلقة، لذا أردت أن يكون المصريون أول من يشاهد هذه التجربة التي تُعد كفترة استراحة من التجريد وليس هجرة منه. يضم المعرض 40 لوحة.

 

يتصدَّر اللونان الأصفر والأزرق معظم أعمالك الفنية، فلماذا كان الإصرار عليهما؟

لا أستخدم اللون الأصفر كثيراً، لكن الأزرق يتصدَّر مع الفضي، وأخيراً استولى اللون الأزرق بشكل كبير على أساس أنه لون الوجود، والسماء الواسعة، المحيط 73% من مساحة الأرض، إذاً هذا اللون له مساحة كبير. أما الأصفر الأوكري فأعشقه لأنه تكدس في الفراع، صحراء البحر، والاثنان متشبهان ولكن بطعم مختلف.

نلحظ في لوحاتك الصدمة أو المفاجأة سواء من خلال اللون أو التوازن بين الكتل والفراغ، فما دلالة ذلك؟

إذا لم تكن ثمة مفاجأة في اللوحة فلماذا نراها؟ إذاً المفاجأة مطلوبة، والإيقاع البصري لا بد من أن يكون مختلفاً، والإيقاع الموسيقي لا بد من أن يكون لحناً جديداً في العمل الفني وإلا فلن نرى إبداعاً. الفنان يأتنس بالعمل الفني، طوال الوقت يحدثه، والعمل الفني حكاء بالدرجة الأولى.

ما هي طبيعة الحوار الذي يدور بينك وبين اللوحة؟

لا يتم حوار بشكل عادي. أكون أنا الحوار أحياناً واللوحة المستمع أو العكس. بالتالي، يكون الفنان في نصف وعي وبعد الانتهاء من العمل يصبح الوعي كاملاً ويبدأ الحكم على العمل.

مع أول ضربة فرشاة هل تعلم إلى أين ستنتهي اللوحة؟

 

لا أعرف بالطبع، لأني لا أرسم لها {إسكتشاً}. أدخل إلى العمل بإيقاعي الداخلي ولا أحدده حسب حالتي الخاصة أو الحالة التي أشعر بها.

بين الفن والسياسة

 هل وزارة الثقافة التي مكثت فيها 24 عاماً أخذتك كفنان تشكيلي من ممارسة الفن؟

بالطبع قللت من إنتاجي، ولكن الفن طاقة. الوزارة بالنسبة إلي كانت مهمة ورسالة للزمن والعالم كله، وهي أن مصر دولة ثقافة وهذا ما شغلني، والفنان يتعامل مع العمل بما يدور داخله.

صرحت أكثر من مرة بأن الوزارة ظلمتك، حيث انحصر النظر إليك في كره النظام السابق وأن الاحتفاء بك جاء من خارج مصر، فكيف كان ذلك؟

جاء الاحتفاء بي من العالم العربي لأنهم يرون الصورة من بعيد واضحة، لكن الصورة في الداخل تحمل تشويشاً ما. يدرك الخارج المتاح تماماً، وتقوم بالتالي عملية المنافسة والحوار في مناخ مختلف. اليوم يدور حوار ثقافي بين مصر وبين غيرها من بلدان العالم العربي، ثمة حالة انتعاش وحراك ثقافي. وقد أشرت إلى أن الوزارة ظلمتني بمعنى أن ما قدمته لها لا يمكن لي أن أحصيه ولكنه موجود، ولكن المعارضين كانوا أصحاب صوت عالٍ، يلقون بالتراب على الإنجاز كما ينصاع لهم كثيرون، لكن الزمن أنصفني وكان ثمة جهل بما قدمته، لا أطلب تقديراً بل المعرفة كي يستفيد الآخرون.

ولكن كيف تنظر إلى من هاجموك؟

ساعدني الهجوم كثيراً، ممن هاجم أو ممن أطرى. الهجوم يؤكد الحضور ويوضح الشخصية لأن رد الفعل يصنع حراكاً ذهنياً وحسياً. قد ينتج عن الهجوم تصحيح مسار ما، لكن من يهاجم لأجل التسلية لا ألتفت إليه. الناس تتوقف أمام أمور محددة تختلف عن الأمور المفتعلة.

الفنان فاروق حسني كيف أفاد نفسه كوزير؟

 يستفيد الإنسان من نفسه كمسؤول بقدر الخيال الذي يتمتع به والتخطيط الذي يقدمه، وهذه الاستفادة موجودة بالأساس لأجل إفادة وطن. يمكن للمسؤول أن يستفيد من الأمور المقدمة، وأيضاً سينال من الحظ جانباً. الفرد يتعامل مع الدولة كأنها مهمة رائعة وإذا استطاع تحقيقها فسيحقق لنفسه شيئاً.

لقبت بالوزير المدلل فما رأيك في هذا اللقب؟

لست مدللاً من أحد، أعيش الأيام العنيفة ولا أعرف معيشة الأيام الرحبة. مدلل من عملي، لا أحد يدللني أو يكسرني. أدلل نفسي بنفسي. وتأكدي بأني فخور جداً بما تم مع زملائي من إنجاز في وزارة الثقافة، وهي خطوة لم تتم في تاريخ الدولة، كيان ثقافي يحتفى به، المنشأت التي أقمناها.

وهل من الضروري أن يكون وزير الثقافة مبدعاً أو كاتباً كي لا يكون ثمة انفصال بين الوزارة والمجتمع؟

من الأفضل أن يكون مبدعاً، ولكن ليس معنى هذا أن يكون احتكار هذا المنصب للمبدع، وإنما قصدت بأفضلية المبدع كونه من الوسط الثقافي، ومن ثم يعي جيداً متطلبات الفئات المختلفة الخاصة بالسينما والأدب والفن التشكيلي لأنه جزء منهم، وسيكون على علم بتقنية البرمجة، وما تقدمه الدولة وجغرافيتها الثقافية بل ويقوم بزيارات إبداعية.

ماذا لو عدت إلى وزارة الثقافة. هل لديك خطة للنهوض بالحركة الثقافية؟

نعم، إذا قيل لي تعال مجدداً وتولى الوزارة وقبلت، وهذا غير ممكن فعلاً، فلا يمكن أن أستكمل ما كان موجوداً. منذ أربع سنوات كانت ثمة أدوات لنشر الثقافة، التلفزيون لم يكن يساعدني حيث كان يرفض نشر الأعمال الثقافية غيرة من الثقافة واعتقاداً في المنافسة. المفترض أن نعتمد على الوصول إلى البيوت والإيدي أيضاً بأعتبار أن الأغلبية أصبحت تحمل أجهزة اتصال يمكن لها أن تستقبل أخبار الأنشطة الثقافية والفنية على عكس الماضي. العمل الثقافي من المفترض تنفيذه بآلية جديدة توافقاً مع المستحدثات التي طرأت على المجتمع.

كيف نظرت إلى الثقافة في عهد الإخوان وهل شعرت بالخوف؟

لم أر ثقافة في عهدهم، وأدركت أن على الدنيا السلام. تماثيل تغُطى أو تقُطع رؤوسها، هذا هو الغباء الإنساني بعينه. إذا كان الله سبحانه وتعالى أمر الجان أن تقيم التماثيل والمحاريب لسيدنا سليمان. هذا معناه أن الإخوان لا يعرفون الإسلام جيداً، لم نسمع النبي يأمر بتغطية تمثال ما. الثقافة عندهم تقتصر على الأحاديث الدينية وبعض الكتب المحفزة على التشدد.

ترفض دائماً أن تُطلق عليك كلمة مثقف، لماذا؟

لا يجب أن يقول الإنسان {أنا مثقف}، لأن هذه مسألة نسبية. الثقافة إدراك، لا يوجد المثقف الأكبر، كل فرد له ثقافة من زاوية معينة. هذه كلمة كبيرة لا أحب أن أقولها، لأني أعرف أن ثمة من هم أكثر ثقافة مني، رغم أني تعلمت وقرأت منذ كنت وزير ثقافة ولكن ليس معنى هذا أني الأكثر ثقافة.

حياة وامرأة وطقوس

كيف تسير حياتك راهناً؟

الفترة الراهنة إحدى أمتع الفترات بالنسبة إلي. لدي مرسمي الذي سيتحوَّل إلى متحف لاحقاً. كذلك أقرأ كثيراً في مختلف المجالات، في الفكر والسياسة. لا أنتهي من معظم الكتب ولكن أجد كتاباً ما يجذبني إلى تكملته. أسافر إلى باريس وروما ودبي. هي محطات ملونة في الدول حيث أقيم.

كيف تتجلَّى صورة المرأة في حياة فاروق حسني؟

المرأة موجودة في حياتي دائماً، منذ كنت شاباً يافعاً، وقد تزوَّجت بشكل روتيني غير معلن، لكني لم أفضل الاستمرار، فضلت الصداقة، شعرت بأن الزواج يصنع قيوداً. الفنان يشعر كأنه طائر، وزمن الفنان يختلف عن الإنسان العادي. لا يعرف متى يكتب أو يرسم، هي مسألة لا بد من أن تكون مهيأ لها نفسياً وذهنياً.

هل من طقوس خاصة بك في ممارسة العمل الفني؟

قد أجلس لمدة أسبوع من دون الدخول إلى مرسمي. وأدخله أياماً عدة متتالية وأنتج، لا أفضل التواجد في المرسم من دون الإنتاج كي لا أشعر بإحباط. بعد الظهر، أجلس كنوع من الراحة في المرسم وأعيش حالة من التأمل. قد أجد شيئاً يدفعني إلى العمل حالاً، حينها أحضّر فوراً أشياء خاصة بالعمل، هي ليست طقوساً، لأنها تتطلَّب وجود مساعدين.

back to top