عصر ذهبي جديد في بولندا

نشر في 06-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 06-11-2014 | 00:01
 جونتر فيرهوجن  إن العالم اليوم ليس هو ذلك المكان المستقر الذي دخل مرحلة ما بعد التاريخ كما تخيله البعض في عام 1989 عندما سقط الستار الحديدي وانتهى الحكم الشيوعي في شرق أوروبا، ولكن رغم أن أحداث 1989 لم تجلب السلام الدائم والرخاء، فإنها كانت سبباً في تحريك بعض قصص النجاح الحقيقية.

وكان نهوض بولندا كدولة ذات ثِقَل سياسي واقتصادي في أوروبا بين أكثر قصص النجاح هذه إبهارا، وتُعَد الذكرى السنوية الثلاثية هذا العام- بمناسبة خمسة وعشرين عاماً من الديمقراطية وخمسة عشر عاماً من عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، وعشرة أعوام من عضوية الاتحاد الأوروبي- مصدر فخر واعتزاز للشعب البولندي.

ولنتخيل معاً كيف كان نجاح بولندا أشبه بالمعجزة، فنحن إزاء دولة اختفت من خريطة أوروبا في القرن الثامن عشر ثم قسَّمَها وحكمها محتلون إمبراطوريون طيلة مئة وخمسين عاما، وفي القرن العشرين كانت بولندا ضحية إيديولوجيتين وحشيتين، الفاشية والستالينية، وكان عصر بولندا الذهبي قبل خمسمئة عام، وعند بداية هذا القرن كان كثيرون ينظرون إليها باعتبارها رمزاً للتخلف.

ولكن الشعب البولندي ناضل وضحى لجلب النهضة إلى أمته، وفي هذه العملية فتح الطريق لعصر جديد في أوروبا والعالم، فما كان سور برلين ليسقط على النحو الذي سقط به، وفي ذلك التوقيت بالتحديد، لولا حركة تضامن ونضالها من أجل الحرية وحقوق الإنسان في بولندا.

ومع ذلك فإن بولندا، مثلها في ذلك كمثل غيرها من البلدان الأعضاء "الجديدة" في الاتحاد الأوروبي (وهو المصطلح الذي أصبح غير ملائم بعد عشرة أعوام من العضوية)، تظل غير معروفة نسبياً لكثيرين في البلدان الأعضاء "القديمة"، والواقع أن اكتشاف بولندا يعني العثور على بلد يقدم تراثاً ثقافياً خصباً ثريا، ومدنية نابضة بالحياة، وشعباً كادحاً مبدعاً وقادراً على غمر ضيوفه بكرم ضيافته.

وبوصفي مواطناً ألمانيا فأنا سعيد لأن العلاقات الألمانية البولندية لم تكن في أي وقت أفضل مما أصبحت عليه منذ انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تطور بالغ الأهمية، ولابد من حمايته بكل عناية لأنه يوفر ضمانة قوية للسلام والاستقرار في قلب أوروبا.

في الشهر الماضي، اختير دونالد تاسك رئيس وزراء بولندا السابق رئيساً للمجلس الأوروبي، فأصبح بالتالي واحداً من أكبر ثلاثة قادة في أوروبا، والواقع أن هذا القرار لا يعكس فقط زعامة تاسك الناجحة في بولندا، حيث عمل على ضمان الاستقرار السياسي وأشرف على تقدم اقتصادي مبهر؛ بل كان أيضاً بمثابة إشارة واضحة مفادها أن قادة الاتحاد الأوروبي يدركون ويعترفون بأهمية بولندا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كما أعطى القرار البلدان الأعضاء الجديدة الأخرى إشارة واضحة إلى كونها كيانات متساوية عن حق في صنع القرار الأوروبي.

 ومرة أخرى كانت بولندا هي التي مهدت الطريق، مذكِرة البلدان الأعضاء القدامى منذ بداية عملية الانضمام بأنها لم تكن دولة دخيلة أو قريبة فقيرة في حاجة إلى الصدقة والإحسان، بل كانت مصدراً للإلهام في عملية التكامل الأوروبي، ولم يتأخر تأثيرها إلا بسبب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، والآن، بعد عشرة أعوام من عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ربما يلوح في الأفق عصر ذهبي جديد في بولندا.

إن بولندا قادرة على التحول إلى دولة أوروبية قائدة مرة أخرى، وبرسوخها في مجتمع الديمقراطيات الغربية، فإن دورها يتجاوز الجوانب الفنية لعملية التكامل الأوروبي، لأنها تتحمل المسؤولية عن ضمان عدم ظهور أي حاجز جديد يحرم جيراننا في الشرق من المشاركة في هذه العملية.

كان من المنطقي أن تضطلع بولندا بدور الروح المرشدة للشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي، والذي أدى إلى إبرام اتفاقيات شراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا، ولن نجد لدى أي بلد آخر مصلحة أقوى في نجاح جيران الاتحاد الأوروبي الشرقيين وخاصة أوكرانيا.

والواقع أن بولندا اتخذت خلال الأزمة الحالية موقفاً حازما: فلا أحد يملك الحق في حرمان أي دولة أوروبية من اتخاذ قرارها السيادي بشأن علاقتها بأوروبا، وبفضل العلاقات التاريخية بين البلدين، كانت بولندا في وضع أفضل من غيرها لفهم طبيعة المشاكل في أوكرانيا، ومن الحكمة بالتالي أن نصغي إلى نصيحة المسؤولين البولنديين.

إن الشعب البولندي يستحق مستقبلاً مشرقا، وهو يقدم درساً لبقية أوروبا مفاده أن الأحلام من الممكن أن تتحقق إذا كرسنا جهودنا بالكامل لتحقيقها، وكما وعد تاسك بصقل لغته الإنكليزية وهو ينتقل إلى مركز الساحة الأوروبية، فربما كان لزاماً على بقيتنا أن نبدأ بتحسين لغتنا البولندية.

* المفوض الأوروبي لشؤون التوسعة بين 1999 و2004، والمفوض الأوروبي للمؤسسات والصناعة بين 2004 و2010.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top