البنيان أم الإنسان؟

نشر في 14-02-2015
آخر تحديث 14-02-2015 | 00:01
 أنور اللحدان لنتخيل أن هناك مدينة رائعة المباني، تتخللها أبراج شاهقة مثل نيويورك، ولكن، ليس بها بشر! في مقابل واحة صغيرة، يملؤها مجموعة من الناس، يلعب بها الأطفال هنا وهناك، ولكن ليس بها أبراج عالية!

إن تنمية الإنسان والاهتمام به هما العنصر المهم والثروة الحقيقة لكل دولة وزمان؛ حيث بدأت المنظمات العالمية، منذ أكثر من 25 سنة، الاهتمام والتركيز على موضوع التنمية البشرية وكيفية الحفاظ على هذه الثروة، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن مازال العالم يفكر ويبحث ويهتم بكيفية تنمية هذا العنصر المهم، بالشكل الذي يؤدى إلى الحفاظ على هذه الثروة، ألا وهي الإنسان.

التنمية البشرية أساس نجاح الدول وتقدمها، فلا توجد دولة على وجه الأرض، استطاعت أن تتقدم دون أن تهتم بتنمية مواردها البشرية، إذ إن الاهتمام بها كاهتمام الزارع بمزرعته وثماره وأرضه، عبر حرصه عليها واهتمامه بكل جزء منها، منذ اللحظة الأولى بالحرث الصحيح والطريقة المناسبة، ما يؤدي إلى أن يجنى ثماراً ومحصولاً لا يجعلانه يتذكر التعب والمجهود الكبير.

بمقارنة بسيطة جداً، نلاحظ الفرق الشاسع والتطور الكبير الذي حدث في سنغافورة، حين اهتم المسؤولون هناك بتنمية مواردهم البشرية، مدركين أن الاهتمام بالتنمية البشرية سيؤدي بهم إلى خلق جيل من المهارات العالية والمثقفين والمنتجين، وأن هذا سيقودهم إلى التطور اقتصاديا وماليا وثقافيا، لذا بدأت بجذب الشباب إلى التعليم والإنتاج، وفتحت المجال للجميع للمشاركة والمساواة في جميع المجالات.

إن الاهتمام بتنمية الإنسان لا يقتصر على التعليم فقط، بل يشمل الحرية البشرية، فمن حق الإنسان أيضا أن يعيش حياة سعيدة ملؤها الصحة والإبداع؛ ويسعى فيها إلى تحقيق أحلامه التي يتخيلها؛ فالبشر أفراداً وجماعات، هم محور التنمية البشرية، وهم في النهاية المستفيدون منها.

وقد نجحت بعض الدول في التقدم في مجال التنمية البشرية، على سبيل المثال سلطنة عمان، ففي أواخر الستينيات، اكتشفت سلطنة عمان كميات وافرة من النفط والغاز، أسهمت في انتعاش الدولة. وأظهرت البيانات أن السلطنة سجلت زيادة قدرها أربعة أضعاف في معدل الالتحاق الإجمالي بالمدارس وفي معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة.

كما استطاعت سلطنة عمان أن تحتل المرتبة الأولى في جدول الدول التي تقدمت بشكل سريع في التنمية البشرية غير المرتبطة بالدخل، وهذا ما يدعو إلى مزيد من التفاؤل والأمل.

لقد أدت بعض الصراعات إلى تأخر دول كثيرة في العالم، لكنّ هناك دولاً استطاعت أن تقاوم هذه الصراعات، مثل كولومبيا، التي عاشت فترة طويلة من الصراعات، إلا أنها استطاعت أن تحرز تقدماً جيداً في التنمية البشرية، مع أن هذا التقدم كان يمكن أن يكون أفضل لولا هذه النزاعات.

 قد يكون للمال دور أساسي في التنمية البشرية، إلا أنه ليس بالشكل الذي يؤدى إلى عدم تنمية الموارد البشرية، فالحرية والعدالة والمساواة، لا لها علاقة بالمال.

إن التقدم والاهتمام بنواحٍ أخرى من التنمية البشرية من الأمور الممكنة حتى بصرف النظر عن النمو الاقتصادي للبلاد، حيث يمكن القول إن تطوير الموارد البشرية ممكن حتى من دون توفر أموال ضخمة، وهذا يعني أن معظم البلدان لديها فرصة لتحسن حياة الإنسان فيها، دون أن تنتظر وجوداً ودعماً في الموارد المالية.

فإن لم تقم الحكومات بالاهتمام بالعدالة والمساواة، لتحقيق السعادة والرخاء والتقدم لشعوبها، فلن تستطيع أن تتطور وأن تبقى على قيد الحياة؛ فالإنسان هو أساس التنمية وجوهرها.

back to top