تقرير اقتصادي: اربطوا البديل الاستراتيجي بأهداف الاقتصاد... لضمان نجاحه

نشر في 12-03-2015 | 00:09
آخر تحديث 12-03-2015 | 00:09
No Image Caption
• ضرورة إصلاح بيئة الاستثمار • معالجة اختلال سوق العمل وانكباب العمالة الوطنية على القطاع العام
مسألة البديل الاستراتيجي يجب ألا ترتبط بالأموال فحسب، بل بتوجيه هذا البديل نحو توفير فرص عمل في القطاع الخاص لتحقيق أهداف الاقتصاد التي تتبناها الدولة في خطابها، أيضاً.

يبدو أن البديل الاستراتيجي للرواتب يسير بسرعة نحو الإقرار، بعد أن سلمت لجنة الموارد البشرية البرلمانية الحكومة تقريرها إلى جانب جدول يتضمن المجاميع الوظيفية والتشريعات المطلوبة المتعلقة بهذا النظام.

ومع أن هدف البديل الاستراتيجي إعادة التوازن إلى رواتب وبدلات موظفي الدولة ودرجاتهم الوظيفية التي شوهت خلال السنوات القليلة الماضية عبر العديد من الكوادر المالية غير المدروسة، حتى بات راتب وبدل الوظيفة الواحدة مختلفا بشكل لافت حسب الجهة الوظيفية، حتى وإن كانت طبيعة العمل واحدة وهو هدف مهم وأساسي، الا ان المطلوب ان يتسق هذا البديل مع اهداف الاقتصاد، كي لا يزداد اختلال سوق العمل في الانكباب على القطاع الحكومي في حين من المفترض ان تستهدف الدولة توجيه الشباب للعمل في القطاع الخاص.

البديل الاستراتيجي وما سيترتب عليه من نمو في الرواتب سيدعم التوجه الموجود حالياً المتمثل في هجرة العمالة الوطنية من القطاع الخاص الى العام، خصوصا في ظل تقارب الأجور بين العاملين في القطاعين، فضلاً عن ان القطاع العام يمنح ميزات وظيفية كمدد الإجازات والامان الوظيفي وغير ذلك، ومن ثم فإن الهجرة العكسية من القطاع العام إلى الخاص، والتي تنامت مع نمو الرواتب بنسبة 9 في المئة منذ عام 2011، ستدفع العديد من موظفي الخاص إلى  العمل في القطاع العام في حال زيادة رواتب وظائف لم تكن خاضعة لأي كادر او بدل.

البديل الاستراتيجي يجب ان يتجاوز مسألة تحقيق العدالة بين موظفي الدولة ليكون عاملا من جملة عوامل لاصلاح سوق العمل الذي يصل حاليا الى 20 الف وظيفة سنويا، توفر الدولة معظمها عبر قطاعاتها، وسيصل بحلول 2030 الى 74 الف وظيفة سنويا، اي بمعدل 3.7 أضعاف طلب العمل الحالي، ومن دون تنويع الاقتصاد واستقطاب اموال اجنبية وتوفير فرص حقيقية للمبادرين الشباب ستكون لدينا بطالة حقيقية ذات تأثير اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي بالغ السوء.

مشاريع وأموال

ليس هناك استقطاب حقيقي لرأس المال الأجنبي يسمح بفتح مشاريع تستقطب الخريجين، ولا مشاريع صغيرة ومتوسطة وضعت لها لائحة تنفيذية لتشريع تقديم التمويل وتوفير الاراضي للمبادرين، وينتظر تطبيقها في ظل محدودية الاراضي والبيروقراطية، فضلاً عن توفير فرص العمل في القطاع الحكومي، لاسيما النفطي، لعوائد مالية تفوق أحيانا عائد القطاع الخاص، ومن ثم فإن كل ما يتعلق ببيئة العمل الحالية يشجع على الاقبال على الوظيفة الحكومية.

لذلك، فإن الحديث عن بيئة استثمارية سليمة هو اساس اصلاح سوق العمل، ومن دون هذه البيئة لن تكون امام الشباب الكويتيين خيارات كثيرة للعمل في القطاع الخاص، وهنا يجب ان يتوسع القطاع الخاص نفسه، فلا معنى لتحكم الدولة بعدد الشركات او البنوك المرخص لها قانونا بمزاولة النشاط ما دامت هذه الشركات هي التي تتنافس في كل قطاع، فما الذي يمنع أن يكون لدينا 10 شركات اتصالات أو طيران و20 بنكا؟ وهكذا مادام هناك مجال للمنافسة، اذ يجب أن نجعل رأس المال هو من يقرر جدوى المنافسة من عدمها لا الدولة.

بيئة استثمار

كذلك، عندما يرتبط الحديث بعمل الموظف في القطاع الخاص، فهذا لا يعني فقط القطاع الخاص المحلي بل ايضا الشركات الاجنبية، حيث تعاني الكويت بسبب بيئتها الاستثمارية الضعيفة التي تخفض امكانية دخول الاستثمارات الاجنبية اليها، وحسب تقرير الاستثمارات العالمية السنوي، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تعتبر الكويت اقل الدول الخليجية استقطابا للاموال الاجنبية بـ2.3 مليار دولار عام 2013، مقابل تصدرها اللائحة العربية كأكبر دولة مصدرة أو «طاردة» للأموال بـ8.4 مليارات دولار في العام نفسه.

بالطبع، ضعف بيئة الاستثمار الى جانب قلة الشركات الاجنبية، فضلا عن صعوبة استخراج تراخيص لمزاولة انشطة اقتصادية كبرى وغيرها من اسباب، كلها تؤدي في المحصلة النهائية الى ضعف نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص.

إن جذب الشباب الى العمل في القطاع الخاص، والذي يعتبر احد اهم الاهداف الحكومية لمعالجة الاختلالات في سوق العمل لا يرتبط ببدل دعم العمالة الوطنية ليواكب الارتفاعات في رواتب القطاع الحكومي فحسب، لأن الدولة اصلا ليست مسؤولة عن رواتب العاملين في القطاع الخاص، بل عليها أيضا ان تضطلع بدورها في توفير بيئة استثمارية سليمة للأعمال، ومن ثم ستتوافر فرص عمل للشباب الكويتيين، وبرواتب عالية دون حاجة حتى الى بدل دعم العمالة، والاقتصاد لا يمكن أن يتعافى الا بوجود فرص ومشاريع تستقطب العمالة وفقا لحاجتها.

وسكان الكويت من الشباب، بمعنى ان 60 في المئة من مواطنيها دون سن الـ24 عاما، ومن ثم فإن تحدي سوق العمل يتشابك مع تحدي تطوير النظام التعليمي الذي يتم الانفاق عليه بمعدلات عالمية تصل الى 3.9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو رقم يوازي ما ينفق على التعليم في دول ككوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا وغيرها، ومع ذلك فالعوائد من هذا الانفاق العالي تأتي سلبية جداً، فالكويت تحتل المرتبة الـ92 بين دول العالم على صعيد جودة التعليم الابتدائي، والمرتبة الـ75 على صعيد جودة التعليم الأساسي، والترتيب الـ104 في جودة التعليم العام.

الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل باتت واضحة لدرجة ان الضغط صار يتركز في السنوات الاخيرة على اقل التخصصات ارتباطا بسوق العمل، وسط تراجع الطلب على التخصصات التي يحتاج إليها السوق، خصوصا تلك العلمية او المالية مقابل نمو لافت للتخصصات الأدبية، وهذا يحتاج الى «بديل استراتيجي آخر للتعليم» اهم بكثير من بديل الرواتب الاستراتيجي.

المطلوب أيضا على صعيد البديل الاستراتيجي ألا يتم تعديل او زيادة الرواتب الا بقانون، ووفقا لدراسات تبين الآثار التضخمية الناتجة من الزيادة، فكم من زيادة سابقة أدت إلى نمو في مؤشرات التضخم والغلاء، فضلاً عما توجده من طبقية واختلاف في السلوك الإنفاقي بين موظفي النفط والعاملين في القطاع الحكومي.

back to top