الفرق بين اسكتلندا وكردستان كالفرق بين بريطانيا والعراق

نشر في 27-09-2014
آخر تحديث 27-09-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر لم تكن نتيجة الاستفتاء الشعبي للاسكتلنديين مفاجئة في قرارهم البقاء ضمن حدود المملكة المتحدة وطي مرحلة من الجدال السياسي استمرت لسنوات بين خيار الانفصال من عدمه، فالعلاقة بين اسكتلندا وإنكلترا لها جذور تاريخية لا يمكن القفز عليها عند دراسة نتائج هذا الاستفتاء، لكن أهمية الحدث هذا تكمن في اتخاذ قرار إجراء الاستفتاء والموقف البريطاني منه، خصوصا ونحن نواجه حالة مماثلة لها في إقليم كردستان العراق وبردود أفعال مختلفة فيما يخص حكومة العراق الاتحادية.

وهنا نريد أن نتساءل فيما لو أصر الكرد على إجراء الاستفتاء وتقرير مصيرهم: هل سيكون الموقف الرسمي لحكومة بغداد آنذاك نفس موقف الحكومة البريطانية بقبول الذهاب إلى الاستفتاء؟ وإذا أجري الاستفتاء فهل ستكون نتيجته بالبقاء ضمن العراق أو الانفصال عنه؟

 للإجابة عن هذين السؤالين علينا دراسة جملة من الأمور يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

- رغم الإرث الاستعماري الطويل للمملكة المتحدة واستعمارها لأغلب مناطق الشرق فيما كان يسمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، غير أنها وعت أن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس، ومن الصعب (إن لم يكن مستحيلاً) الوقوف ضد طموح الشعوب في تقرير مصيرها، في حين في العراق، ورغم عدم وجود إرث استعماري له، ورغم أنه لم يحكم من قبل عراقيين منذ العهد الآشوري ولغاية ثورة عبدالكريم قاسم فإن أي كلام عن إجراء استفتاء كردستاني حول تقرير المصير يعتبر من باب الممنوعات والمحرمات سياسياً.

- أدركت بريطانيا أن الوقوف ضد طموح الاسكتلنديين في تقرير مصيرهم لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار، وإلى استنزاف الطاقات الاقتصادية والبشرية للطرفين، الأمر الذي سيعجل من الانفصال الاسكتلندي أمراً مفروغاً منه، في حين في الحالة العراقية ورغم تاريخه الدموي والصراعات التي عاناها على مر التاريخ فإن أنصاف الساسة لا يزالون يفضلون التضحية بالمزيد من الدماء والطاقات البشرية والاقتصادية منه للنزول عند منطق الحكمة والعقل؛ لفرض حالة قسرية من الارتباط بين الطرفين قد تكون مرفوضة عند الشعب الكردستاني.

- بريطانيا ذهبت إلى خيار الاستفتاء، وهي واثقة بأن ما قدمته من ازدهار ورخاء للشعب الاسكتلندي لا يمكن لأي حكومة اسكتلندية منفصلة أن تقدمه له، أما بالنسبة إلى الحكومة العراقية فهي ترفض أي استفتاء كردستاني على تقرير مصيره لعلمها أنها لم تقدم للشعب الكردستاني غير المزيد من القتل وسفك الدماء، والمزيد من إهدار الكرامة الإنسانية على مدى العقود الماضية؛ ولذلك فأي استفتاء بهذا الصدد ستكون نتيجته الحتمية هي خيار الانفصال عن الجسد العراقي.

- لم تتهم الحكومة البريطانية الداعين إلى إجراء الاستفتاء والمتعاطفين مع الانفصال بتهم الخيانة والتآمر، بل تعاملت معهم من خلال رؤيتها لحقوق الإنسان تماشياً مع مبادئ العالم الحر وقوانين الأمم المتحدة، في حين يواجه أي تصريح للساسة الكرد بخصوص الاستفتاء بسيل من الانتقاد والتهجم واتهامات الخيانة والتآمر، غير آبهين بأن إيمان الشعوب بحق تقرير مصيرها لا يمكن وصفه بهكذا صفات ولا ينبغي انتقاده.

إن المبدأ الذي يجب أن نرسخه في منطقتنا هو احترام خيار الشعوب واعتباره قيمة عليا في تفضيله على مفهوم الدولة والشعارات التي أثبتت عقمها من قبيل الوطن الواحد والتاريخ الواحد وغيرها من الشعارات (الكبيرة) التي أثبتت عقمها وعدم فعاليتها، فعندما تكون الشعارات المنثورة عكس ما هو مترجم على أرض الواقع تسقط الشعارات وتتكسر أمام قرارات الشعوب.

وأخيراً يبقى السؤالان: هل سيتعاطى العراق مع استفتاء كردستان مثلما تعاطت بريطانيا مع استفتاء اسكتلندا؟ وهل سيكون خيار الشعب الكردستاني مثلما كان خيار شعب اسكتلندا؟ سؤالان سيجيب عنهما شعب كردستان عندما يقرر مصيره.

* كردستان العراق – دهوك

back to top