من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 4)

نشر في 29-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 29-10-2014 | 00:01
من دمشق إلى حائل على ظهور الإبل
في 16 ديسمبر 1913، انطلقت رحلة غيرترود بيل من دمشق، ميممة حائل بقافلة مكونة من 17 بعيراً محملة بالمؤن والخيام، وثلاثة جمّالين، وطباخ، ومرشد، وقد تلقت تحذيرات عن المخاطر المحتملة، وبالرغم من أخذها الحيطة والحذر في ترحالها، فإن المخاطر واكبت رحلتها: حين هاجم قافلتها بعض الفرسان وسلبوا أسلحتها وذخيرتها عنوة، وانتظرت أسبوعاً حتى أعاد أحد شيوخهم ما سُلب، ثم اعترض طريقها مسؤول عثماني لمنعها من السفر؛ وبعد 10 أيام من المفاوضات المضنية، تمكنت من إقناعه بالسماح لها بالسفر.

وعند مرورها بأراضي إحدى القبائل اعترض طريقها شيخ تلك القبيلة، ولم يسمح لها بالمرور، بحجة أنها "نصرانية"، واقترح سراً على رجال قافلتها قتلها وتقاسم حاجاتها، وفي حائل ظلت غيرترود بيل حبيسة في قصر برزان قرابة 11 يوماً، وقد سجلت معاناتها في يومياتها يوماً يوماً.

وكانت، مع كل تلك المصاعب، مفعمة بالحيوية والحماسة، وقد شدها جمال الطبيعة في صحراء النفود، وكثيراً ما اعتقدت أنها دخلت إلى كوكب آخر، وأنها تعيش أجواء "ألف ليلة وليلة" الحقيقية.

وتستعرض بيل في ما يلي يومياتها من 2 يناير 1914 إلى 19 يناير من العام نفسه.

الجمعة 2 يناير 1914

كان صباحنا دافئا، فاستيقظنا الساعة السابعة وأخذت أبحث مع علي وأربعة من الرجال في القصر في بعض الحجارة، ثبت أن القصر مشيد على أعمدة قوية، وهذه الأخيرة محاطة بحجارة شكلت المحراب، وأسفله ما يشبه السلة كانت تستخدم للقبور، حيث كان يقطن الرولة بأعداد كبيرة بالقرب من القصر. إنهم يأتون إلى هنا عندما كانوا في قوة كبيرة، وقبل أن يذهبوا إلى الشرق، عندما سقطت الامطار في الحماد، فكان بنو صخر لا يجرؤون على الهجوم عليهم.

معظم القريبين من موقع القصر هم الشرارات، ويقوم الأخيرون بتربية خيول الدروز في مراعيهم مقابل أن يقايضهم الدروز بالدقيق والبُن، وإذا ما وجد البدوي بعيرا شاردا في الصحراء قام بنحره وأكله، فحياتهم بائسة جدا.

امتطينا ظهور رواحلنا بالقرب من المقبرة وحمّلناها بـ11 قربة ماء، وهذا كل ما لدينا من القرب، شرعنا بالرحيل وبعد مسافة شاهدنا قصر عمرة، كان طريقنا طويلا عبر أرض مستوية، وكان نمران يردد بصوته الناعم الأنثوي عندما يُسأل: «قريب... قريب»، في هذه المنطقة هاجم رجال السردية بني خالد، وقتلوا امرأتين وطفلا وأضاف نمران: «وشبّتْ النار بين العرب».

 لقد بدّلْتُ بعيري ببعير إبراهيم ورافقتُ علي، وكان وصولنا الى قصر عمرة نحو الساعة الثانية بعد الظهر، منظره مبهج يقع في فم واد عريض، هو وادي البطم، وانهمكت بأخذ الصور الفوتوغرافية حتى الساعة الرابعة، وبعدها شعرت بالارهاق.

القبة ترتكز الى مثلثات ركنية، والأسقف محمولة على عقدين يستندان على دعائم جدارية قليلة الارتفاع شيدت على غرار قصر الأخيضر [في العراق]، جميع القباب بناؤها من الطوب الرقيق تشبه الحجارة.

كان غروب الشمس رائعا، وكان هذا أول يوم دافئ طوال رحلتنا، وظلت الشمس متوهجة حتى الساعة 5:45 مساء.

السبت 3 يناير 1914

وصلنا إلى قصر الحرّانة نحو الساعة 11 قبل الظهر بعد توقفنا لمدة نصف ساعة جمعنا خلاله الحطب من شجر البطم وشجيرات برية أخرى في وادي البطم.

الأربعاء 7 يناير 1914

أسرني الجو الجميل المنعش، ومنظر السهوب والتلال الصغيرة، وصعدنا التلال المحيطة بنا، وقابلنا أحد الرعاة بالترحيب، وقال انه كان يرغب بالمجيء إلينا لولا خشيته أننا أعداء، ودعانا لتناول الغداء في بيته. إنه منظر جميل وأنت ترى السهل الممتد وسطه زيزيا وعلى جانبه الآخر قصر المشتى. أخذت أكتب رسائلي، وذهب علي وسالم ومحمد إلى مأدبا، ونصبنا خيامنا وأقمنا حتى بقية اليوم.

الخميس 8 يناير 1914

جو صحو صباح اليوم، وهبت الرياح في وقت لاحق. ذهب عبدالله لمعرفة مصير الآخرين وماذا فعلوا، وعاد عبدالله وعلي ومعهما فتوح! وغمرتنا فرحة هائلة بمجيء فتوح، مازال يبدو شاحب الوجه وآثار المرض بادية عليه. جلب لي آخر الرسائل: واحدة من ديك مؤرخة في 23 ديسمبر. بعد تناول الغداء امتطيت بعيرا وذهبت مع علي إلى قصر المشتى أو شبحه.

الأبواب مائلة إلى الخلف، ومقبضها والكتابة على الجدران لا تدل على أنها قديمة، وأثناء عودتنا إلى مخيمنا شاهدنا 3 فرسان ذاهبين إلى مخيمنا وعندما وصلنا إلى هناك وجدنا 3 جنود جالسين حول موقد النار، وتلاهم بعد لحظات مجموعة جنود آخرين يتراوح عددهم بين 10 و12 وكلهم غاضبون جدا ومعهم الشاويش يوسف، ويبدو أنهم بحثوا عني في كل مكان وأن لديهم برقيات من اسطنبول، هنا أدركتُ المأزق الذي يواجهني.

 بعد غروب الشمس، تم إلقاء القبض على فتوح لاحتجاجه على ملاحقتهم إياي الدائمة وغير المقبولة من هذه المجموعة، وقاموا بسجنه في قلعة زيزيا، كذلك اعترضوا طريق عبدالله الذي كنت قد أرسلته إلى مأدبا مع البرقيات التي كنت أود ارسالها وجرى نقله إلى القلعة، وقاموا بتوزيع الرجال حول مخيمنا وسلبوا أسلحتنا.

الاثنين 12 يناير 1914

لم يصلني أي رد حتى الآن، فقمت بعمل رسومات أخرى لقصر الحرانة وبعد الظهر التقطت صورا فوتوغرافية للقصر، وزارني المدير محمد الشركسي، كما زارني مسيحي، خادم للخوري في مأدبا وأشار إلى أن شركسيا سلب منه زبيبا بقيمة 300 مجيدي، وتعهدت بالتدخل بالأمر.

الثلاثاء 13 يناير 1914

تناولت الإفطار مع المدير واليوزباشي، تحدثنا مطولا عن الشكاوى ضد الحكومة من الجميع، وقالا إن قرار هجرة الشركس من روسيا قرار خاطئ، وروى اسحق حكاية طويلة مفادها أن الإنكليز كانوا يرغبون في استقلال الشركس في مملكة خاصة بهم، لا تخضع لروسيا، وأضاف: جميع القبائل تتشاجر معا دون أن تقرر من هو رئيسها ومن هنا انفردت روسيا بحكمها. ثم ترسل القبائل الوفود ورؤساءها، ويقيمون في فندق وتسأل عنهم الملكة فيكتوريا من يكون هؤلاء الشركس، ثم ترسل إليهم من يطلب منهم «نقلهم من الفندق»، لكنها أوضحت أن روسيا قد استولت على أرض الشركس، وأصبح بعضهم بكوات، والبعض جنودا، وجنرالات والبعض مسؤولين حكوميين في روسيا، وبريطانيا لن تتدخل في هذه الأحوال.

 قلت ما تريده تركيا لم يكن الجيش أو الأسطول ولكن الجندرمة [الشرطة] والتجارة، أرسلت لي زوجة اسحق باقة من الورود: الزهور المخملية الداكنة والقرنفل الحمراء، وفي المساء وجهت لي الدعوة لزيارة المعلم البروتستانتي من مدينة السلط، ليلة رائعة والقمر يضيء نصف المسرح.

السبت 17 يناير 1914

استيقظنا قبل الساعة الخامسة، وشرعنا بالرحيل في الساعة السادسة وسبب تأخيرنا كان فقداننا دجاجتين عثرنا عليهما في خيمة الرجال! كذلك فقدنا بعيرا وكان لا بد من البحث عنه، ولأول مرة في حياتي رأيت عقربا، يوم جميل، رياح خفيفة هبت من الشرق ثم نشطت في وقت لاحق، ونحن في مسيرة نقطع المسافات الممتدة على أرض منبسطة تغطيها الشجيرات القصيرة نسبيا.

انضم إلينا طالب بن زبن مع عبده من شمر وهو في طريقه إلى قبيلته، وأمضى ليلته معنا، يتحدث صياح بلغة عربية واضحة جدا، وناقشنا لهجات القبائل العربية وقلد محمد بصوت حاد لهجة قبيلة قحطان، وقال إنه لم يسمع أي سوء منهم، وذكر أن حربا يقطنون بالقرب من الحجاز.

 لاحظ صياح أن أهل الشمال يجدون صعوبة في فهم لهجات أهل الجنوب، مصطفى هو فلاح من أبو غوش، وقال إنه جاء مع عائلته إلى زيزيا منذ سبع سنوات، وكان يبحث عن عمل في أم الكندم حيث أعجب في خدمتنا، وقال لزوجته إنه ذاهب منها إلى زيزيا، والفلاحون في تزايد اليوم.

في الصباح مررنا على مضارب المسيحيين في مأدبا ورأينا قطعان أغنامهم، وفي وقت لاحق شاهدنا بعض قطعان الإبل والأغنام لبني صخر، ارتوينا وملأنا قربنا بالماء من رجيمات علي، التي يكثر حولها الكثير من الحمامات، قال صياح: إن مسيرتنا تتجه نحو وادي السرحان، بعد فترة وجيزة نصبنا خيامنا، في هذه النجود نشاهد قليلا من الأشجار. قمت بتصحيح الأسماء التي ذكرها اسكندر في خريطته بمساعدة محمد، كان اسكندر هنا عام 1909، وهو العام الذي أمحلت فيه الأرض ولم تنزل فيه الأمطار «عام منحوس... هلك فيه الحلال».

 قبل أن نصل إلى مورد الماء كان هناك عمود حجري في وسط الوادي الذي يظهر عليه وسم حمد، ابن عم فواز، قال صياح: هنا سقط قتيلا بعد مناوشات بين الرولة ومتعب بن كنج، أما الآن فإن عنزة وبني صخر أصحاب، وأشار علي إلى حكاية ليتشمان (1) وتوقفه في الكويت، وقال صياح إنه رافق موسى وكان من المهتمين في الخريطة التي رسمها.

الدمشقيون علاقاتهم راسخة مع الصحراء: كان سعيد بن فارس في الخريف الماضي في جنوب الجوف لشراء الإبل من الشرارات، وفي الربيع الماضي في الطبيق يتاجر هناك مع العرب.

سألت فلاح الشمري فيما إذا كان والده على قيد الحياة، فأجابني قائلا: «وَيْن، راح بعد ما أخذ العبدة» لكن أعمامه في نجد، مر أمامنا القطار وقت الصباح عندما شرعنا في الرحيل.

يحافظ صياح على أداء كل صلاة في وقتها، وخاصة إذا لم نكن راحلين، نهض الليلة الماضية وصلى في الخيمة في الساعة 8، وكان يسبح ويهلل حيث ترتفع إصبعه وتهبط، وهو يدعو ويقول: «الله أكبر» بينما كانت أحاديثنا تتطرق إلى بغداد وبلاد فارس.

الأحد 18 يناير 1914

صباح رائع وسماء صافية ودرجة الحرارة 6 تقريبا استيقظنا الساعة 6:15، كان طالب حريصا جدا على أن يتشرف باستضافتي «تشرفينا عند أهلنا»، ووعدته بزيارة بيته في طريق عودتي من الرحلة الطويلة، وبعد نحو ساعة افترقنا. عبرنا البوليات وسرنا في وادي يؤدي إلى طابا، حيث تنتشر الزهور المخملية الصغيرة، هناك بعض الآثار القليلة موجودة عند نهاية الوادي، الشمس لاهبة ودرجة الحرارة 17 في الساعة 3 عصراً.

قال صياح إن بني صخر يقطنون في فترة الصيف من 3 بيوت إلى 400 بيت شعر في باير والباقون يرحلون إلى وادي السرحان وإلى الغرب من زيزيا، وسألني عما إذا كنا نطلق على هذه الصحراء اسم صحراء بادية الشام، فقلت له: لا، إنها صحراء الجزيرة العربية، وقال لي: إنها تدعى صحراء بادية الشام، لأنها كانت تابعة لدمشق وتحت إطارها الحكومي.

 وأضاف إن البدو الرحل يأتون في الصيف والخريف إلى دمشق طلبا للكلأ والماء، ولكنهم ينطلقون في الشتاء والربيع في فضاءات هذه الصحراء الشاسعة. وذكر صياح تعداد قبيلته بني صخر كما يلي: نحو 500 بيت شعر من الفايز، و300 بيت من العثمان، و200 بيت من حديثة، هناك أيضا الخرصان والهقيش نحو 200 بيت.

في الصباح الباكر مررنا بمجموعة كبيرة من الجبور راحلين وإبلهم، ولكن مصدر ثروتهم الرئيسة من الأغنام. أحجار الصوّان تغطي الأرض، وتبدو لامعة تحت أشعة الشمس، وتنتشر أشجار التنوب التي لا تحبها الإبل كثيرا، وتحتنا غدير ماء نقي صالح للشرب، مرض صاحبنا سالم، ووصلت درجة حرارة جسمه إلى 40 درجة مئوية.

وصلنا إلى قصر الطوبة نحو الساعة الواحدة وقمت بالتقاط صور فوتوغرافية حتى الساعة الثالثة عصرا، قصر الطوبة الجزء الذي يعلو الأبواب يشبه تماما ما هو موجود بقصر المشتى، ولكن المبنى عمل متسرع غير بارع في الصحراء، ولا شك أنه مشيد في العصر الأموي، يغطينا غيم خفيف ومنظر الشمس وهي تميل للغروب رائع خلاب، بالقرب من القصر عدد قليل من القبور التي تعود لبني صخر ومبين عليها وسم الدبوس الخاص بهم.

تحيط بالقصر وبمقربة منه كتل من الحجر الرملي تظهر بين الصوان، وكان موضع مخيمنا رائعا، ولكن يبدو أن الرجال قلقون من أن نتعرض لغزو، فالصحراء وراءنا «فاضية» [خالية من القبائل] وقصر الطوبة هو البوابة لغزو متوقع من عنزة أعداء بني صخر: وخاصة الفدعان والسبعة عدا العيسى والسردية.

الاثنين 19 يناير 1914

سرنا في وادي الغدف حتى الساعة 6:45 وهناك في نهاية الوادي وجدنا خبراء مليئة بالماء النظيف فملأنا قربنا. ثم واصلنا مسيرنا من خلال أحد روافد الوادي وعبرنا إلى المحيور، شاهدنا فيه رأسا صخريا مرتفعا على بعد سبعة كيلومترات. تابعنا المسير فيه حتى الساعة 11.45 وعندما خرجنا منه أصبحنا نسير على أرض مستوية تتناثر بها صخور صوانية، وشاهدنا ثليثوات وإلى الشرق شاهدنا جبل وقف الصوان.

عبرنا وادي القشة الذي يصب في المخروق فوادي السرحان، شاهدنا إلى اليمين منا صخرة ضخمة منتصبة تدعى الهادي، ثم انحدرنا إلى وادي الذروة ونصبنا خيامنا فيه. كانت درجة الحرارة قد ارتفعت من 1 حتى 21 مئوية. ينمو نبات الغضا في وادي الغدف وفي جميع الوديان، كما شاهدنا الكثير من العجرم والشداد [القتاد] وهو من النباتات الشائكة، والشيح وبعض الشنان والرمث.

كان بنو صخر ينطلقون بغزواتهم من ديارهم إلى مناطق نهر الفرات حتى مشارف منطقة عانة لغزو الرولة والعمارات في مضاربهم هناك، وروى محمد حكاية مقتل عبدالعزيز بن رشيد، قال: إنه قتل في غارة ضد ابن سعود وأضاف «إي نعم» قطعوا رأسه ووضعوه فوق رأس رمح وألقى صبي الحجارة عليه فسقط من الرمح على رأس حاملة وكسر جمجمته مما أدى إلى وفاته. وقال ابن سعود: يا عبدالعزيز إنك تقتل من جماعتي وأنت ميت وكذلك عندما كنت على قيد الحياة. وأضاف محمد: لو كان قد عاش في قديم الزمان لأصبح عنترة زمانه، وبعد أن تولى إمارة حائل قام بغزوات لمدة سبع سنوات من دون الدخول إلى حائل، ولم يدخلها إلا في السنة الثامنة، وفي إحدى غزواته كسب 9000 بعير و20000 رأس غنم.

قال محمد المعراوي: لقد كسبت 14 بعيرا في تلك الغزوات، وعندما كسرت عصاي أهداني ابن رشيد عصاه الخاصة وهي التي أستخدمها الآن، شدني الفضول للاستماع إلى ثرثرة الرجال، فلا يتحدث العرب سوى عن الغارات والغزوات وعمليات القتل، وعندما نصبنا خيامنا كانت ظهورنا باتجاه الرياح لكنها سرعان ما انحرفت على الفور وأصبحت تهب على وجوهنا. صخر الصوان أنهك خفاف رواحلنا، روى محمد أنه ذهب إلى بئر ماء على تخوم الجوف، ووجد بداخلها جثة رجل وكان عطشا يكاد أن يموت من الظمأ «متنا من العطش» فشرب منها إلا أن بعيره لم يستسغه ولم يشرب.

هناك خوف من الغزاة لذا أخذنا الحيطة والحذر وظللنا متنبهين، إن هؤلاء اللصوص إن وجدونا متيقظين انقلبوا إلى ضيوف، وإن وجدونا نائمين فسيسرقوننا. قال صياح جميع الغزوات تأتي على هذا النحو في الصيف والخريف للقبائل القاطنة حول زيزيا.

لم تكن مأهولة ولن تكون كذلك، وعندما انتهيت من حديثي نزع عباءته المصنوعة من الفرو وألقى بها على الرمل، وقال حان وقت الصلاة. قلت له: صل يحفظك الله، وقال صياح: كل رجل يجب أن يصلي؛ وصياح يصلي كل صلاة مع أقصى قدر من المثابرة.

من المعالم الغريبة في منطقتنا ثلاثة تلال مدببة حجرية تبدو بارزة وسط السهل المغطى بالأحجار الصوانية تسمى ثليثوات، وأنا أتساءل كيف شكلتها الطبيعة إلى حيز الوجود.

التقينا مجموعة من بني صخر وهم راحلون، وأخبرونا بأخبار سيئة عن مصادر المياه والرعي أمامنا، حيث قالوا إن مصادر المياه شحيحة وسيواجهون مصاعب هم وأنعامهم، قلنا لهم ستصلون إلى مصادر المياه، لكن ليست هذه الليلة، وبعد الظهر رأينا راكبي بعيرين يلحقان بنا من الخلف، وعرفنا أنهما الشيخ جدعان من الهقيش من بني صخر وأحد رجاله، وقد شاهدانا عندما عبرنا ثليثوات، وتوقعا أننا غزاة، قلت لهما: «نحن خشينا أن تكونا أنتما أعداء»، فقال لي: «لا، لا، نحن أصدقاء ولله الحمد،، كان الخوف يسيطر على الجميع ما عداي إنني الوحيدة التي ليس لديها ما تخشاه من الأمور. ودلفنا إلى وادي الباير الكبير الذي تكثر به شجيرات الطرفاء وهي أشجار رفيعة الأغصان، وعبره وصلنا إلى بئر باير الشهيرة، المكان الوحيد الذي يقطنه بنو صخر في الصيف فقط، وتصل بيوت الشعر حوله إلى 500 بيت، وبالقرب منه آثار قصر الباير آخر القلاع في الصحراء.

ولم يزر قصر باير أي أوروبي من قبل سوى كاروثرز، ولم تلتقط له صور فوتوغرافية على الإطلاق، وليس هناك سمة معمارية تميزه وهو قديم جدا، وقد يكون تشييده في القرن الثامن الميلادي، والآن سوف أذهب إلى المخيم لأستمتع لمدة ساعة بحكايات رجالي حول موقد النار.

الهوامش

 (1) هو اللفتينانت كولونيل جيرارد ايفلين ليتشمان 1920-1880 (Gerard Evelyn Leachman) رحالة وضابط مخابرات بريطاني، قام برحلات على نطاق واسع في الجزيرة العربية. خدم في الهند وفي حرب البوير. أول رحلة قام بها في شبه الجزيرة العربية عام 1909، وشهد معركة شرسة بين قبيلتي عنزة وشمر قرب حائل، وزار الرياض عام 1912 لكي يقوم برحلة ثانية لعبور الربع الخالي، ولكن السلطان عبدالعزيز بن سعود رفض السماح له بذلك.

قضى معظم حياته المهنية كضابط سياسي في العراق، يسميه العرب «نجيمان» أو لجمن، كان قائدا لمنطقة البادية الغربية أثناء الاحتلال البريطاني للعراق-وكان مقربا لغيرترود بيل- وزمن ثورة العشرين (1920) التي شارك فيها العراقيون شيعتهم وسنتهم ضد الاحتلال. وكان ليتشمان متعجرفاً يعامل العراقيين بقسوة وجلافة، نشب خلاف بينه وبين الشيخ ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع الشمرية، فأطلق أقرباء الشيخ النار عليه ثم أجهز عليه الشيخ ضاري بسيفه، وقيل إن الشيخ ضاري كان يردد قبيل قتله بيت الشعر التالي: «يا ربعنا حيفٍ عليكم كيف العدو ما تذبحونه». ووقعت الحادثة في خان النقطة بالقرب من الفلوجة، وأثار مقتل ليتشمان اندلاع الانتفاضات القبلية على الفرات بين الفلوجة وهيت.  [المترجم]

من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 3)

back to top