مارسيل خليفة: أهلي في الكويت... كم يعوزنا الغناء!

نشر في 15-04-2015
آخر تحديث 15-04-2015 | 00:01
اجتماع عاجل يستدرك قرار «إلغاء الحفل»... ليعيده بعد ردود فعل احتجاجية
تنأى الثقافة بنفسها عن خوض الصراعات الكلامية في أشد المواقف؛ ولا يمكن لها إلا أن تحتكم إلى العقل لتفضي إلى تسوية في النهاية، وهذا ما حصل سريعاً في قرار إلغاء حفل الفنان مارسيل خليفة كما جاء في التصريح الرسمي أمس الأول... ليُستدرك أمس بإجراء حاسم وعاجل تأكيداً لإقامته!

بعد إعلان برنامج فعاليات مؤتمر القراءة الوطني الأول، أثار الحفل الغنائي للفنان مارسيل خليفة، والمقرر إقامته على هامش المؤتمر، تحركات واتصالات للتضييق على منظميه والتلويح لهم بالمساءلة في حال إقامته، لإجبارهم على إلغائه والتخلي عنه كما صرحت مصادر موثوقة إلى «الجريدة»، ما كان صادما للفنان نفسه، الذي خاطب أصدقاءه في الكويت بقوله «في هذا الجو الخانق كم يعوزنا الغناء»، ولمنظمي المؤتمر، ومروعا لأحباب الثقافة الذين تفاعلوا معه بحملة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان قرار «الإلغاء» بشكل رسمي والذي انفردت به «الجريدة» أمس الأول.

ورغم ما جاء في تصريح الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحة من أسباب اتخاذ قرار إلغاء الحفل «تجنبا للمشاكل وإثارة القضايا في وضع متأزم لا يحتمل المزيد»؛ استدرك أمس ليتم التراجع عنه بتصريح جديد يؤكد إقامة الحفل بعد جهود حثيثة لإتمام الفعاليات كما أريد لها بعد اتخاذ قرار جديد لحسم «المشكلات العالقة وحلها وتسهيل الإجراءات».

لا تمنعوا مارسيل

ردود الفعل كانت قوية وشاسعة من بعض نواب مجلس الامة الذين نشروا تصريحاتهم، إضافة إلى المدونين والمغردين الرافضين لقرار الإلغاء، والذين اتفقوا جميعا على رفض مهادنة العقول المتحجرة ومحاكم التفتيش التي نصبت نفسها وصيا على البشر، لتقرر له ما يرى ويقرأ ويسمع ويقول، وذلك ضمن وسم #مارسيل_خليفة_يمنع_من_دخول_الكويت.

إضافة إلى الرسالة الشجية التي كتبها الفنان مارسيل خليفة، ونقلتها مسؤولة «مشروع» حروف الثقافي، رزان المرشد، إلى «الجريدة» بتنسيق معها للتواصل، وهي صاحبة المبادرة الأولى لفكرة المؤتمر والمنظمة بشكل شخصي للحفل الغنائي.

شكراً... للعقول النيرة

وقالت المرشد، التي تعد ايضا صاحبة مبادرة مؤتمر القراءة الوطني الأول «وألقِ بصرك» ان ممثلي الفرق الثقافية اجتمعوا عبر ورشتي عمل أساسيتين لكتابة محاور المؤتمر ووضع العناوين والأسماء والتصويت عليها، وبينها مراسلات كثيرة للحصول على موافقات الأسماء المقترحة للمشاركة من الكتاب والمبدعين، وبعد إجراء التعديلات، والاتفاق على الشكل النهائي، كانت فكرة الختام بحفل غنائي يمثل الفن الراقي صاحب الرسالة السامية.

وفي ما يتعلق بتوقعاتها بشأن حدوث اصطدام مع بعض الجهات الرافضة لتنظيم الحفل، أوضحت: «منذ بدايات إعداد فكرة المؤتمر ونحن نعمل على المغايرة وجمع الأفكار الخلاقة والجديدة، وعندما فكرنا بإقامة الحفل الغنائي تمنيت أن يكون الفنان مارسيل خليفة أساسها. لم تكن تلك الحادثة حاضرة لأن الثقل الثقافي هو الأساس، لا أطروحات تسطيح الثقافة».

وعن التنسيق مع الفنان مارسيل خليفة قالت: «عندما علم الأمين العام اليوحة بمقترح اسم الفنان مارسيل خليفة، رحب كثيرا بالفكرة، وكبقية المراسلات التي قام بها الشباب العاملون ضمن تنظيم المؤتمر مساندة لدور المجلس الوطني للثقافة لإتمام المشروع، قمت بجميع الاتصالات شخصيا حتى وصلت إلى الفنان مارسيل خليفة ومدير أعماله، وتم الترتيب بموافقة شفهية، تم تأكيدها بعد سفري وحضوري حفله في سلطنة عمان ولقائي به، موضحا سعادته بهذه المبادرة التي تعيده إلى الغناء بالبلد الذي يحبه بعد انقطاع عشرين عاما. وتمت بعد ذلك الدعوة والمراسلات بشكل رسمي بين المجلس الوطني للثقافة ووكيل أعماله، والاتفاق على الترتيبات كافة».

عراقيل إدارية

وبشأن العقبات التي واجهتها قبل إعلان برنامج فعاليات المؤتمر، أشارت المرشد إلى أن ثمة إجراءات لاقت بعض التأخير بسبب الميزانية والترتيبات المالية «كما علمت من متابعتي، حتى تمت الموافقة عليها بشكل نهائي، وتم إعلان برنامج فعاليات المؤتمر الذي لم يتبق عليه سوى بضعة أيام، لأفاجأ بقرار إلغاء الحفل، وقد جرى التراجع عن القرار بجهود حثيثة وداعمة من الأمين العام للمجلس الوطني خلال يوم لإبقاء الفعاليات كما خطط لها».

سيمفونية للتراث الكويتي

وعن تنسيقها مع الفنان خليفة وتعطل الترتيبات، قالت المرشد: «بالنسبة إلي كنت محرجة منذ البدء لأن الدعوة تمت بجهود فردية لا بدعوة رسمية تمثل البلد، وشعرت بالمسؤولية التامة لأن الجهود ربما تضيع سدى، وكنت متابعة لترتيبات خليفة نفسه، حيث كان متحمسا جدا، وطلب إلغاء حفل متعلق به كان مقررا أن يقدم في نفس الموعد. وأشعر بالحزن كلما تذكرت حديث مارسيل خليفة ومشروعه الموسيقي الضخم الذي كان يخطط له لتقديم التراث الكويتي وأغاني البحر بأسلوب جديد وسيمفونية خاصة بموسيقاه وغنائه».

أصدقائي... ارفعوا أصواتكم

بعدما علم مارسيل خليفة بقرار إلغاء الحفل، الذي كان يعرفه قبل أيام من إعلانه، كتب رسالة إلى أهل الكويت، فيما يلي نصها:

«إلى أهلي في الكويت، يؤسفني أن يخاف البعض من أغنيتي، لمنعي من التواصل معكم، هل لأنني أبني جنتي زهرة زهرة، وردة وردة، بمعزل عن السلطات كافة؟ ولأنني تمكنت من استدراج المستمع لهذه الجنة كعشاق وكأرواح شاردة؟

ورغم منعي من ملاقاتكم، تيسر لي بعض الاطمئنان، ورغم ما حصل بأن في الحياة متسع من الوقت للاتصال بمن يبحث عن ذاته في ذوات أخرى في فتح الروح على الأرواح الأخرى.

لقد عشت تجارب صعبة ومريرة في كامل التراب العربي، وكانت الموسيقى تحميني وتمنحني قوة صمود الأمل، لذلك لم أهزم داخلياً، كنت حراً بالفعل في مواجهة العالم، تعلمت الزهد بأشياء الحياة، واكتشفت قيمة الحب بفعل صادق ومستمر وبلا مقابل، وكنت أسهر دوماً على صوغ روحي، وكنت حراً أكثر بالمعنى العميق للحرية.

كنت دائما خارج السلطات مهما بطشت أو تجرأت في العنف، ماذا دهى العاملين في ظلام الجبن والاستعباد لينزعجوا؟

أقول لهم: جروحنا عميقة ترفض أن تندمل، جروح تصرخ قهرنا وتمردنا إلى حد العصيان، وزمن يمرّ متقلباً، والذات دائماً في ثبات وتجدّد في صورة وحلم ومرآة للواقع وللثورة عليه.

كلي أمل، ورغم اعتراض متشدّد بالتغيير، تغيير الإنسان والعالم والإيمان بتغيير الحياة نحو الجمال والسعادة، فماذا دهى العاملين في ظلام الجبن والاستعباد حتى أخذوا يفككون جسم الحرية ويسحبون كرسيه من تحت أقدامنا بهدوء المجرمين بعيدي النظر... طويلي النفس؟!

إننا في الطريق إلى الحروب الصغيرة والكبيرة، في الطريق إلى الذبح، في الطريق إلى معسكرات الاعتقاد، وكم خضنا من معارك الدفاع عن حرية التعبير، وكم خضنا معارك التجديد، وكم خضنا معارك رفض التبعية الثقافية لأية وصاية! لم ننطلق من موقف ذهني بل من تجربة ذاتية وجودية حيّة.

لعلّ الخلف الفني هو الذي يحمينا من النزعة التشاؤمية التي تغور وتغلي، ولكن إيماننا بالتغلب على الضعف والكبوات والمشاكل والمآزق والمآسي لا بل الفواجع لا بل الموت. نتمالك ملتمعين ببريق الأمل وقوة الانبعاث...

نعيش في محرقة يأكل بعضنا بعضاً، العلّة فينا داخل أرواحنا داخل التراث، وما لم نعالج ذلك فسنظل مهزومين. فلنزل العوائق ونبدد الأوهام، وليكن ذلك من الجذور لا من القشور وإلا فسيتزايد «الهدامون»، نتطلع إلى المستحيل لأنه وحده بين الحب والموسيقى والأغنية لتجتاز الحقارة لأن النجمة التي في السماء هي النجمة التي في القلب، لأن القمر الذي في السماء هو القمر الذي في القلب، لأن البياض الذي في الطبيعة هو لون نقائنا.

أصدقائي في الكويت هناك من خان لتسليمنا، هناك خديعة كبرى خديعة موجهة ضدكم أولا ضد وجودكم النفسي والتاريخي، وضد النظيف مما تسمعونه والبريء المزروع في مستقبل أولادكم وإذا نجح المتآمرون فسيهبط الويل.

المهم أن تبقى لديكم القدرة على الرؤية في الظلام، ومهما منعونا من التواصل معكم يجب أن تبقى أصواتكم مرتفعة، وتقول: لا نخاف،

وفي هذا الجو الخانق كم يعوزنا الغناء».

back to top