أدباء وحقوقيون يقفلون أفواه الرقابة بالشمع الأحمر!

نشر في 09-04-2015
آخر تحديث 09-04-2015 | 00:08
وقفة احتجاجية بملتقى الثلاثاء في جمعية الخريجين

حضرت العقول بمنطق «الحق» لتحاور، وضجت صدور الكُتّاب والأدباء والمبدعين بهمومها لتواجه «تمنّع» الرقابة، وحاصرت الوقفات الاحتجاجية أبواب «الفسح» المغلقة، بل كادت تقفلها بالشمع الأحمر!
 كأن المشهد الثقافي منطقة بارود، استقالة أحد أفراد لجنة الرقابة على الكتب وتصريحات الكتاب التي سلطت "الجريدة" الضوء عليها من قبل، وتجمُّع أصحاب الكتب الممنوعة والقانونيين محتجين في ملتقى الثلاثاء أمس الأول في جمعية الخريجين، ألقى بالشرارة.

 وتحدث في الندوة التي أقيمت في "الخريجين" أمس الأول بعنوان "إبداع في مهب الرقابة"، المحامي والمهتم بحقوق الإنسان حيدر جمال، والمحامي والشاعر مصعب الرويشد، والمخرج والنقابي خلف العنزي.

وقدم الندوة الشاعر محمد السالم، الذي أشار إلى دائرة الرقابة التي تخضع إليها المؤسسات المدنية، "فهناك أنواع الرقابة الإدارية والدوائية والمالية والرقابة السياسية التي يمارسها أعضاء مجلس الأمة، أما رقيب الأعمال الفنية والإبداعية، فهو أيضاً يخضع لسلطة رقابية أخرى هي السلطة القضائية ممثلة بالقضاء الإداري".

 وقال السالم: "إلا أن التوسع الحاصل في أعمال الرقيب في هذه المرحلة ينذر بمؤشرات سلبية على حركة الإبداع والنتاج الثقافي في الكويت"، مشيرا إلى تراجع الكويت في هذا المجال خصوصا في موسم معارض الكتب ومقارنة بالوضع في دول الخليج المجاورة كمعرض الشارقة ومعرض الرياض"، مؤكدا أهمية دور المجتمع المدني لتوجيه العمل الرقابي.

قوانين الحسبة

واستعرض السالم أنواع الرقابة في المسرح التي تبدأ بإجازة النصوص - رقابة سابقة- والعرض الأولي - رقابة لاحقة- والعروض النهائية - رقابة مواكبة، مضيفا: "لا يبعد أن يتدخل المشاهد لإقامة الدعوى القضائية في حال لم يوافق العرض قناعاته. فالإجازة الرسمية للعرض لا تحصن الكاتب ولا النص ولا المشاركين فيه"، وتساءل: " ألا يحق بعد ذلك السؤال عن الجدوى من الرقابة أصلا في ظل قوانين الحسبة؟!".

ثم تحدث عن الرقابة في السينما مثنيا على التجربة المصرية التي تحدد تصنيفا عمريا لدور العرض، حرصا على حركة الإنتاج، مؤكدا أهمية "رقابة الجودة"، وطلب نقل صلاحيات الرقابة الى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتفعيل دوره في حماية حقوق المبدعين الكويتيين.

أهمية التقاضي

أما المحامي حيدر جمال، فتحدث عن الأصل الدستوري في محكمة التمييز عند القيد على الإبداع وهو الحرية، "أما القيد فهو استثناء على هذه الحرية، ولذلك لا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل أو يجور عليه أو يعطله، فيقتصر أثره على الحدود التي وردت به".

وأشار جمال إلى ما نص عليه قانون سنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر، مستفيضا بالشرح لما يتعلق بالمطبوعات، والصحف، والمحظورات والعقوبات، والأحكام الختامية

وبين أن "المطبوعات التي يتم طباعتها داخل الكويت، لم يرد في القانون أي قيد رقابي عليها، وإنما نظم عملية طباعتها فقط، بالإخطار والإيداع في وزارة الإعلام ومكتبة الكويت الوطنية قبل تداوله ونشره، أما المطبوعات الواردة من الخارج، فيجب إجازتها من وزارة الإعلام، بعد أن تقوم بالتثبت من عدم احتوائها على ما يحظر نشره وفقا للمحظورات الواردة في هذا القانون"، وهو ما وصفه بالفضفاض المرن نظرا لتغير مفهوم الحرص على "النظام العام".

وطالب جمال بالمزيد من الشفافية في ذكر أسباب المنع والتداول وإصدار القوائم بالكتب الممنوعة، مؤكدا أن "المسؤوليات موزعة على الجميع، حتى على الكُتّاب والناشرين أنفسهم، ويجب عليهم ألا يسكتوا عن المطالبة بحقوقهم، فأمامهم القضاء ويجب اللجوء إليه".

آداب... لغة المعارك

ولأنه شاعر ومبدع بالدرجة الأولى، أكد المحامي مصعب الرويشد أهمية تعلم "لغة من نخاطبهم لكي لا تضيع المطالبات في الهواء"، مشددا على ضرورة لجوء الكتاب والمبدعين إلى القضاء منعا لاستسهال "مجموعة صغيرة مدعومة من وزارة الإعلام وهي لجنة الرقابة على المطبوعات لإصدار قرارات خاطئة، ضاربة بحقوق الكتّاب والمبادئ الدستورية عرض الحائط"، وما يترتب على ذلك من أضرار بالغة الجسامة بحق الآداب والعلوم التي ينتجها المواطن والمقيم في بلد يقال عنه "مجازاً" انه بلد مؤسسات.

ودعا الكتاب إلى التخلي عن لغة الأدباء عند دفاعهم وتعلم لغة المعارك، ليكون طريق المحاكم مطروقاً في أوساط المثقفين، ولغة القانون هي سيف القتال.

نقابة الفنانين

وتحدث المخرج والمنتج خلف العنزي بدوره عن اللجنة المشكلة من وزارة الإعلام ونقابة الفنانين، والتي يشكل أحد أعضائها، عن المساعي المبذولة لتنظيم تراخيص المصنفات المرئية والمسموعة، ولتسهيل أمور الإنتاج الفني، ولإيجاد مخرج للتعميم الصادر أخيراً من الوزارة والقاضي بضرورة الحصول على إذن مسبق للمشاركة في أي عمل خارج نطاق عمل الوزارة، إضافة إلى مطالبات وجود لجان مشتركة لإجازة النصوص والرقابة ليكون العمل بكل شفافية بكل التخصصات، والتركيز على المواد 16-17-18، لإصلاح وترميم وتعديل اللائحة التنفيذية للمرئي والمسموع لتحاشي المزاجية والظلم وعدم المساواة.

مبدعون ضد الرقابة

 وضمن مداخلات الحضور التي تجاوزت سقف الرقيب وكاشفت الحضور بشفافية، تحدث الروائي إسماعيل فهد إسماعيل عن تجربته في منع ثلاث روايات سابقة له من بين عشرات الروايات منذ سبعينيات القرن الماضي بسبب انتقاد النظام العربي "الشقيق" الذي صار عدوا لاحقاً، مشيراً إلى تغير الظروف وإمكانية تصرف الكُتّاب بما يكفل لهم تجاوز المنع والتمكن من النشر بالتفاوض ومحاورة الرقيب، والتنبه إلى الرقابة القضائية التي تترصد الرقابة نفسها.

ومن جهته، لام جابر الحبابي الأدباء أنفسهم على مواقفهم المتخاذلة وصمتهم، وتفضيل بعضهم منع كتابه ليسهم في شهرة كتابه، ثم شارك الفنان عدنان الصالح بلوحة كاريكاتورية ساخرة من مقص الرقيب.

 أما الكاتبة دلع المفتي فتحدثت عن صدمة منع روايتها وتجربة الدرب الطويل رغبة في معرفة سبب المنع بلا فائدة! متسائلة عن إمكانية عزل واقع المجتمع ومشاكله وقضاياه ليكون خارج الأدب، إرضاء لرغبة الرقيب ونسفاً لمعنى الكتابة التي تعالج مساوئ المجتمع كما تستعرض جماليات الإنسان فيها، بينما تحفّظ الناقد فهد الهندال على مسألة "تعرية المجتمع"، مبينا وجوب الحفاظ على بعض الخطوط الحمراء رغم تضرر الناشر والكاتب من المنع.

جهل البرلمان

 أما الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي، فتحدث عن تجربة الرابطة في الوقوف مع الكاتب عبدالله البصيص الذي منعت روايته، واستضافة المحامي وسمي الوسمي للتعرف إلى حقوق الكتاب والناشرين بدقة بندوة تحت عنوان "محاذير قانونية في الكتابة الأدبية".

 ومن جانبه، استعرض الشاعر عبدالله الفلاح تجربة المنع في الكويت تحت قبة البرلمان الذي طالب بمنع معروف الرصافي وجلال الدين الرومي من دخول الكويت تحت وطأة جهل تام بمعرفة شخوص الرواد والأدباء وتخبط ممثلي التيارات جميعاً في الشأن الثقافي.

كما تطرق الكاتب خالد النصرالله إلى ضرر الرقابة التي أسهمت في عزوف الكُتاب والناشرين والقراء عن معرض الكتاب في الكويت، في حين تحدث الكاتب محمود شاكر عن ملاحقة خيال الكاتب ورغبة الرقيب المحضة في التغيير وفقاً لما يوافق المدينة الفاضلة التي يبتغيها!

وأشارت عائشة العجمي إلى حق السلام الذي يؤكد أهمية الاستفادة من الثورات العلمية والثقافية، وضرر الرقابة التي تعطل ذلك.

تجربة الجريدة•

 استعرض الشاعر محمد السالم تجربة جريدة "الجريدة" التي بادرت إلى نشر الجزء الأول من مذكرات د. أحمد الخطيب في كتابه المفصلي "ذكريات العمل الوطني... الكويت من الإمارة إلى الدولة" الذي تميز بالجرأة والصراحة، وذلك بعد إجازة الرقابة له بصعوبة.

 وقال السالم: "ترددت الصحف من نشر وقائع الكتاب ووقف التعليقات عليها، وجندت جريدة الجريدة فريقاً من القانونيين لدراسة تبعات النشر، التي تحتمل مسؤوليات قانونية سلبية، كما جاء في بيانها، بما يدل على تباين شديد في القانون في رقابة الصحافة واختلافها عن رقابة الكتب ورقابة الكمبيوتر والمدونات، وحذفت بعض الفقرات من الكتاب في نسخته الصحافية لأسباب رقابية بحتة".

مليونية الكتب أصبحت آلافاً معدودة!

 شن عضو المنبر الديمقراطي الكاتب أحمد الهندال هجوماً عنيفاً على الرقابة التي شملت الإبداع في كل المجالات، وركّز على الكتب التاريخية التي مُنعِت رغم معرفة الجميع بحقائقها، مستشهداً بتجربة الباحث محمد اليوسفي وكتابه الممنوع عن التاريخ السياسي للكويت.

 واستذكر الهندال كلمات للراحل د. أحمد الربعي في مهمة التغيير، وتجربة وزير الإعلام الأسبق الراحل الشيخ سعود الصباح الذي سمح بمليوني كتاب انتعش بها معرض الكتاب الدولي في عهده، ليتم التضييق عليه واستجوابه مما دفعه إلى الاستقالة، وصولا إلى معارض الكتب التي لا يتجاوز عدد الإصدارات فيها 50 ألف كتاب!

غياب رقابة الإعلام

تساءل الشاعر سالم الرميضي عن أسباب عدم حضور ممثل عن الرقابة في تجمع الأدباء والمبدعين ليكون اللقاء محايداً، وهنا أجاب الشاعر محمد السالم أن إدارة المطبوعات في الإعلام كانت مدعوة من قبل ملتقى الثلاثاء بكتاب رسمي، كما وجهت دعوات إلى جميع الأطراف لحضور الملتقى بهدف الوصول إلى دعم المشهد الثقافي والإبداعي بالكويت.

back to top