الأديبة اللبنانية مايا الحاج: المرأة العربية تائهة

نشر في 28-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 28-10-2014 | 00:02
«بوركيني» تتناول «الحجاب» روائياً

مايا الحاج صحافية وناقدة أدبية وروائية لبنانية شابة، أصدرت روايتها الأولى {بوركيني} عن منشورات «ضفاف و{الاختلاف» في بيروت والجزائر ونجحت الرواية في جذب انتباه كثير من النقاد والروائيين والقرّاء، ووجدوا فيها موضوعاً جديداً وجريئاً قدّمته الكاتبة بأسلوب مختلف يجمع بين العمق والبساطة، حيث تعد الرواية الأولى التي تتناول «ثيمة» الحجاب روائياً.
لنبدأ من عنوان روايتك {بوركيني}... ما الذي أردت قوله من خلال هذا العنوان الغريب؟

صحيح أنّ العنوان يبدو غريباً وقد لا يوحي بشيء للقرّاء، لكنني بطبعي أميل إلى العناوين الغريبة أو الإيحائية أكثر من العناوين الواضحة التي يُمكن أن تضع العمل الإبداعي في إطار محدّد سلفاً قبل الشروع في قراءة الرواية. أمّا {بوركيني} فهي كلمة أجنبية مشتقة من كلمتين متناقضتين {برقع} وبيكيني}، وأحببت هذا المصطلح من الناحيتين اللغوية والدلالية، ووجدت أنه يصلح لأن يكون عنوان روايتي التي تقوم أساساً على صراع نفسي تعانيه امرأة تائهة بين الحجاب، بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد اجتماعية ونفسية وعقائدية، وبين السفور والتحرّر الجسدي أيضاً.

تناولت «ثيمة» الحجاب وبرز ذلك في الصراع النفسي الكبير الذي تعيشه البطلة، إلى أيّ حد ترتبط الرواية بالواقع؟

تدور الرواية في عالم نفسي معقّد لكنّه واقعي جداً، فالبطلة هي في الأساس إنسانة قلقة، وهذا ما نلمسه في علاقتها مع نفسها ومع حبيبها ومع الآخرين... اختارت الإيمان طريقاً لعلّها تتخلّص من شكوكها وأسئلتها وتخبطاتها، ومن ثمّ جاء الحجاب ليزيد من حدّة تأزمها النفسي، ومن هنا ولد الصراع بين أن تُبقي الحجاب على رأسها، وبالتالي أن تُكمل حياتها في خطٍ ملتزم، وبين أن تخلع الحجاب وتتخلّص من خوفها وتعيش حياتها كرسامة مثقفة ومتحررة فكرياً وجسدياً. والرواية كلّها تدور حول هذه النقطة، إنها تقبض على لحظة إنسانية هي قمة في الواقعية، فصراع المحجبة يتحول في مكان ما إلى صراع كلّ إنسان بين أيّ فكرتين تتقاسمانه، سواء كان في الدين أو السياسة أو حتى في تفاصيل حياتية عادية.

أعتقد أنّ أزمة البطلة في {بوركيني} وتخبطها النفسي يُحاكيان أزمة الشباب العربي المتخبط اليوم في مجتمع معاصر ومنفتح على الغرب وأفكاره وتحرّره ومنتجاته في وقت تحيط به جماعات تعيش في أزمان غابرة وتعيد إحياء أفكار {جاهلية} قديمة، لا علاقة لها بالإسلام الحركي الذي تربينا عليه.

 بأية هوية تفضلين تقديم نفسك هل كمبدعة أم كإعلامية؟

الإبداع ليس مهنةً أو رتبة، بل صفة يستحقها أي إنسان مبتكر وناجح ومتطوّر في أيّ ميدان، وليس في المجالات الفنية والأدبية فحسب. ولكن إن قصدت بسؤالك الأفضلية بين أن أكون كاتبة أو إعلامية، فأنا كلتاهما، علماً بأنني لا أعرّف نفسي كإعلامية، بل صحافية، هذه هي مهنتي، والكتابة الإبداعية هي شغفي، وأنا سعيدة لأنّ مهنتي تقوم أيضاً على الكتابة، وليست بعيدة عن المجال الذي أحبه.

هل تركزين على أجناس أدبية أخرى غير الرواية؟

أفضّل الرواية عن أيّ جنس أدبي آخر لأنها باتت اليوم قادرة على اختصار الأجناس الأخرى، ففي الروايات نجد الشعر والمسرح والسينما والتاريخ والمجتمع... ومع أنني أقرأ بقية الأنواع الأدبية ولكنني لا أتخيّل نفسي بعيدة عن النصوص النثرية والرواية.

هل تعدين كتاباتك ناقدة للعادات والتقاليد؟

لا يُمكن أن يكون أحدنا مع العادات والتقاليد والآخر ضدّها، فأنا لا أحبّ هذا التعميم أو هذه الشمولية في التفكير، فالعادات والتقاليد فيهما ما يُفيد الإنسان ويعزّز وجوده وأصالته وهويته وجذوره، ومن جهة أخرى ما قد يُعيق تقدّم الإنسان وتطوره وبراغماتيته. أمّا أنا فأعتزّ بهويتي وشرقيتي وأحبّ أن أحتفظ لنفسي بكلّ ما يعزّز إنسانيتي وحضوري ودوري في مجتمعي، وأرفض كلّ ما لا ينسجم وذهنية الإنسان المنفتح والمفكّر والمتحضّر.

كيف تتابعين ردود الأفعال على كتاباتك؟

أهتمّ بسماع آراء بعض الأشخاص الذين أثق فيهم، وأتابع المقالات النقدية التي تُكتب عن روايتي وتمنحني فكرة عامة عن كيفية تلقي العمل، وسُعدت أيضاً لأنّ الرواية صدرت أخيراً عن منشورات «ضفاف» بطبعتها الثانية بعد أقلّ من ستة أشهر على نشرها، وإن لم يكن هذا معياراً لأهمية الرواية ولكنه دليل على انتشارها.

يرى البعض أنّ النقاد يجاملون المرأة ولا يقيمون منجزها الأدبي بشكل جيد، ما تعليقك؟

يرى البعض أنّ ثمة نقاداً يستخفون بعمل الكاتبات ولا يعطونه حقّ قيمته! أما أنا، فلا أؤمن بمثل هذه المقولات لأنّ الناقد الجيّد يشتغل على نصّ بين يديه، وليس على الكاتب الذي يقف خلفه، فالنقد هي عملية تفكيك منجز أدبي ما ومن ثم إعادة بنائه بحسب وجهة نظر الناقد، بعيداً عن أي حسابات شخصية أو أحكام مسبقة أو اعتبارات لجنس الكاتب وجنسيته واسمه... وإلاّ فالنقد لا يكون نقداً بل مجرّد حكم اعتباطي أو انطباعي، وأولئك لا يستحقون أصلاً أن ندعوهم {نُقاداً».

ماذا عن الروافد والتجارب التي شكلت وعيكّ الإبداعي وصقلت موهبتك الأدبية؟

لا يمكن لأي وعي ثقافي أو إبداعي أن يتشكّل من دون أن نرفده بقراءات ومشاهدات وتجارب إنسانية منوعة. بدأت علاقتي بالمسرح في سنّ مبكرة جداً، وأذكر أنه كان للمسرح والسينما والتلفزيون في بداية وعيي دور أكبر من الكتب والقراءة، لأنّ والدتي لم تكن قارئة وإنما من هواة المسرح والسينما، ولا شكّ في أنّ هذا الارتباط بالعوالم الإبداعية {البصرية} منحني رؤية مختلفة للعالم بحيث كنت أعلم منذ الطفولة معنى أن نتقابل مع عوالم وحيوات {مُتخيلة} وإنما موازية لحياتنا وعالمنا نحن، وفي مرحلة لاحقة أصبحت القراءة جزءاً من حياتي، إلى أن قررت التخصص في الأدب الفرنسي حيث انفتحت على الآداب الفرنسية والأجنبية، الكلاسيكية منها والمعاصرة.

كيف ترين واقع المبدعات اللبنانيات اليوم؟

كانت الكاتبة اللبنانية من أوائل الحاضرات في المشهد الأدبي العربي، فقد كانت مي زيادة هي الأديبة المعروفة والمتميزة بين عصبة من كبار الأدباء في مصر، وأسهمت بقوة في الحركتين الثقافيتين المصرية واللبنانية ورحلت بعدما خلّفت وراءها إرثاً أدبياً كبيراً. وفي لبنان إنجازات أدبية كثيرة حققتها كاتبات نجح بعضهن في أن يتصدّرن قائمة الكتّاب اللبنانيين، وحظيت أعمالهن بالنجاح والانتشار والترجمة إلى لغات عالمية كثيرة. الأسماء كثيرة جداً ولكن يُمكن أن نذكر على سبيل المثال نادية تويني، حنان الشيخ، ليلى بعلبكي، إميلي نصرالله، علوية صبح، هدى بركات، ليلى عسيران، رجاء نعمة، نجوى بركات. وقد ظهرت أخيراً كاتبات شابّات قدّمن الكثير من الأعمال الروائية الجيدة وأصبحن اليوم معروفات في أنحاء العالم العربي.

برأيك، ما هي أهم المشاكل التي تواجة الكاتب والأديب العربي؟

ما نعيشه اليوم من تخبطات وانشقاقات وحروب وصدامات وإرهاب بشع لا يُطاق، كلّها مخاطر تهدد الحياة الثقافية في العالم العربي، وتعوق تطوّر الأدب كما المجالات الأخرى كافة.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

لا أقرّر مسبقاً ولا أرسم مخططات. أتابع عملي الصحافي والنقدي، بموازاة الكتابة على أمل تقديم رواية ثانية تُكرّس اسمي بعد عملي الأول {بوركيني».

back to top