دور التمويل في خدمة المجتمعات
إبان السنتين الماضيتين دفعت الشركات المالية أكثر من 100 مليار دولار على شكل غرامات بسبب انتهاكات تتعلق بالكذب حول مضمون عمليات الرهن العقاري وتبييض أموال لمصلحة جماعات المخدرات في أميركا اللاتينية.
هل يقدم التمويل فائدة ما إلى المجتمع؟ إنه سؤال انطوى على أهمية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، ويتعين على الأكاديميين الاقتصاديين القيام بمزيد من العمل من أجل الإجابة عليه وتوضيحه.يفترض معظم الاقتصاديين أن إدارة الموارد المالية تمثل جانباً من الجهد الذي يقول كلما حصل الناس على مزيد من الفرص من أجل التنويع والتأمين ضد الأخطار كانوا في وضع أفضل، ورغم ذلك فإن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت سنة 2008، والشريحة الواسعة من عمليات الاحتيال والاختلاس وفضائح الأسواق التي أعقبتها قدمت إلى العامة وجهة نظر مختلفة، إذ تظهر أحدث موجة من مؤشر شيكاغو بوث – كيلوغ سكول فايننشال تراست أن 48 في المئة من الأميركيين يظنون أن عمليات التمويل تلحق الضرر باقتصاد الولايات المتحدة، بينما قالت نسبة تصل الى 34 في المئة فقط إنها تقدم مساعدة في هذا الصدد.ورغم ما يبدو عليه هذا الطرح من غرابة بالنسبة إلى الأكاديميين يتعين عليهم الاهتمام بالصورة التي قدمها الرأي العام، ومن المحتم أن يفضي الاستياء الشعبي إلى تقويض البيئة القانونية المستقرة التي يتطلبها النظام المالي السليم. ولننظر، على سبيل المثال، إلى الضريبة البالغة 90 في المئة وبأثر رجعي التي أوشك الكونغرس الأميركي أن يفرضها على مكافآت البنوك سنة 2009 في خضم غضب شعبي بسبب عمليات الإنقاذ، ثم إن الخوف من مثل هذا التجريد من الملكية سيدفع القطاع المالي بشكل طبيعي الى السعي من أجل الحصول على حماية سياسية، وهي رفاهية تستطيع أكبر المؤسسات التي تعمل في الأسواق الأقل تنافسية تحملها فقط، وتقوض هذه الحصيلة حكم القانون كما تضاعف من غضب العامة، في حلقة مفرغة شهدها العالم، وهي تهدد الولايات المتحدة في الوقت الراهن.تباين وجهات النظرولكن من سوء الحظ، أن الرأي العام المتعلق بالتمويل لا يمثل مجرد مشكلة سوء فهم فقط، على الرغم من قدرة الأكاديميين على طرح الكثير من الأدلة عن إمكانية تقديم البعض من الأنشطة المالية لفوائد إلى المجتمع، وليس في وسعنا التأكيد على قدرة كل تلك الأنشطة، أو معظمها، على القيام بذلك العمل. ولننظر إلى قروض الرواتب التي توسع الائتمان غير المضمون إلى أصحاب الدخل الأدنى وفقاً لمعدلات سنوية تصل إلى 440 في المئة، وهي تكتسي في أغلب الأحيان صورة رسوم يبدو المقترض غير قادر على فهمها.وبينما قد تنطوي قدرة الحصول على أموال طارئة عبر تلك الوسيلة على فوائد فإن مؤسسات إقراض الرواتب تحقق منفعة من خلال توريط الناس في حلقة تصاعدية من الديون، وتظهر مشاكل مماثلة في العديد من الأسواق حيث يفتقر المشتري إلى قدر من التقدم أو يعاني تضارباً بحيث يصعب عليه تقدير التكلفة الفعلية للخدمة المالية التي تقدم إليه. ثم توجد لدينا حالات اختلاس جلية حققت عوائد جيدة بالنسبة إلى مرتكبيها خلال الطفرة المالية الأخيرة، وإبان السنتين الماضيتين دفعت الشركات المالية أكثر من 100 مليار دولار على شكل غرامات بسبب انتهاكات راوحت بين الكذب حول مضمون عمليات الرهن العقاري وبين تبييض أموال لصالح جماعات المخدرات في أميركا اللاتينية، وبينما قام المساهمون بدفع الثمن فإن الرؤساء التنفيذيين الذين قاموا بمخالفة القانون تمكنوا إلى حد كبير من الإفلات من العقاب.تجاهل فوائد التمويلسيكون من الخطأ تجاهل فوائد التمويل، ومن ثم تصوير الصناعة المالية برمتها على شكل مشروع جنائي إجرامي، كما سيكون من الخطأ بالقدر ذاته التعامي عن مدى هذه المشاكل، إذ يتحمل الأكاديميون في القطاع المالي مسؤولية المساهمة في ضمان حسن حال الصناعة التي نحن بصددها، والسؤال هو: ما الذي بوسعنا القيام به؟يتعين علينا أولاً توظيف البحوث التجريبية من أجل كشف وعرض المشاكل في هذه الصناعة، وتشتمل الأدبيات هنا على بعض النماذج المفيدة والجيدة للتمويل "القضائي" مع الإشارة إلى نوع من السلوك على غرار التواطؤ بين متداولي مؤشر ناسداك والمخادعين في خيارات الأسهم، ويتمثل التحدي الأكبر هنا في قدرة الوصول إلى المعلومات من الشركات ووكالات التنظيم، التي تفضل التعامل مع الأكاديميين الذين يسمحون لتلك الجهات بمراقبة النتائج فقط، ويتعين على الباحثين عدم الخضوع لمثل تلك الشروط، كما يتعين على جهات التنظيم أن تعتبر الأكاديميين مثل حلفاء، وليس في صورة أعداء لها.وثانياً، يتعين علينا عدم السماح لعملنا النظري بأن يقع فريسة لضغوط جماعات الضغط، وفي معظم الأحيان يقوم الاقتصاديون ببناء نماذج تتجاهل بشكل محدد تلك الأجزاء من الحقيقة، والتي تكون غير مريحة أو ملائمة للصناعة المالية، وهي ممارسة يمكن أن تفضي إلى سياسة مضللة، ويجب على النظرية الجيدة أن تدفعنا إلى النظر الى العالم بطريقة مختلفة، وليس الى تشويه نظرتنا الى العالم خدمة لمصالح خاصة.وأخيراً، لدينا مسؤولية قاعات الدرس، وقد أظهرت تجربة حديثة العهد أن موظفي البنوك يتصرفون بطريقة غير نزيهة بقدر أكبر عندما يتم إطلاعهم على هويتهم المهنية، وهي حصيلة تمثل بشكل سيئ الثقافة التجارية السائدة في العمل المصرفي، فهل يمكن أن تكون الكليات التجارية قد دربت الطلاب عن غير قصد على التصرف بشكل غير نزيه؟ يتعين على البروفسور الذي يقوم بالتدريس تحقيق قوانين اجتماعية، أو سمعة تجارية مهنية على الأقل، وهي تمثل جزءاً من الدراسة العادية لنيل شهادة الماجستير، وتعول الأسواق على الثقة من أجل الأداء، وإذا أنتجنا طلبة لا يدركون أهمية الثقة فإننا نجازف بتقويض المؤسسة التي نعمل لدعمها. بوسع أكاديميي التمويل تحقيق فارق، ويتعين علينا الوقوف في الخطوط الأمامية في ساحة المعركة من أجل جعل التمويل أكثر فعالية وشفافية وفائدة بالنسبة إلى المجتمع، وإذا لم نضطر إلى القيام بذلك لأنه صحيح فيتعين علينا على الأقل عمله لأنه في مصلحتنا.* لويجي زنغاليس هو بروفسور الأمور المالية لدى الكلية التجارية بوث في شيكاغو