القصة القصيرة جداً في العالم العربي... من رحم الألفية الثالثة ولادتها وإيقاع العصر علة وجودها

نشر في 15-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 15-10-2014 | 00:02
قد يقول قائل: لماذا القصة القصيرة جداً، ألا تفي القصة القصيرة أو الأقصوصة بالغرض من ناحية الإيجاز؟ في الواقع أن تراجع القراءة في عصر التحولات الكبرى التكنولوجية وثورة الاتصالات، نظراً إلى انشغال الإنسان لدرجة لم يعد لديه وقت لمطالعة قصص طويلة وروايات، فرض على الأدباء التماشي مع هذا الواقع وابتكار نوع أدبي يعتمد الاختزال وعرض المعنى من دون تقميش أو تطريز أو تجميل من خلال التفاصيل، بل إيصال الهدف والرسالة إلى القارئ بأقل كم من الكلمات.

الملاحظ أن القصة القصيرة جداً بدأت تؤتي ثمارها، وازداد كتّابها ومتابعوها في أنحاء العالم العربي من المغرب إلى المشرق، ما دفع رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً د. جميل حمداوي، إلى التفاؤل بمستقبل هذا الفن الجديد الواعد، {فهو الجنس الأدبي الذي سيكون محظوظاً ضمن خانة السرديات بعدما تربعت الرواية والقصة القصيرة على كرسي الأدب لأكثر من قرن} على حد قوله.

على غرار أي نمط عربي جديد، تباينت الآراء حول هذا النوع القصصي الجديد بين مؤيد ومتحمس بشدة، وبين معارض ومنتقد بشدة، وحجة هؤلاء المعارضين أن القصة القصيرة تتسم بالسهولة، والتسيب، والرداءة، والميوعة، والإفراط في الكتابة، إلا أن ذلك كله لم يحد من انتشارها، وبدأت تظهر أنطولوجيات حولها، وتفرد لها وسائل الإعلام، سواء المكتوبة أو الإلكترونية، حيزاً واسعاً.

خصائص

في كتابه «خصائص القصة القصيرة جدا» (صدر عن دار السمطي للنشر والإعلام في القاهرة 2009)،  يوضح  د. جميل حمداوي، ناقد متخصص في القصة القصيرة جداً، أن هذا النمط جنس أدبي جديد يعتمد التكثيف الموحي، الحكاية المحبكة، الوحدة الموضوعية والعضوية، المفارقة المستفزة، خاصيتي الاتساق والانسجام، انبثاق التوتر الدرامي، التأرجح بين الواقعية والشاعرية والرمزية المقنعة. وقد أورد  مجموعة من الآراء لباحثين وأدباء عرب حول مفهومهم للقصة القصيرة جداً من بينهم:

الباحث السوري نبيل المجلي، الذي جمع خصائص القصة القصيرة جدا في أرجوزة على غرار منظومات النحو والفقه والحديث، فحصر أهم مميزاتها في خمسة عناصر أساسية ألا وهي: الحكائية، التكثيف، الوحدة، المفارقة، وفعلية الجملة.

أما المبدع السوري سليم عباسي، فحصر ملامح القصة القصيرة جداً في الحكائية، المفارقة، السخرية، التكثيف، اللجوء إلى الأنسنة، استخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، الاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، طرافة اللقطة، اختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها، وقد ذكر هذه الملامح في الغلاف الخارجي الخلفي من مجموعته القصصية: {البيت بيتك}.

بدورها تحصر الناقدة الدكتورة لبانة الموشح، عناصر القصة القصيرة جداً في: الحكاية، والتكثيف، والإدهاش.

في تحديده لشكل القصة القصيرة جداً يقول د. جميل حمداوي: «ينبغي أن تتخذ القصة القصيرة جداً حجماً محدوداً من الكلمات والجمل، وألا تتعدى مئة كلمة في غالب الأحوال. أي: خمسة أسطر على الأقل، وصفحة واحدة على الأكثر، كي لا تتحول إلى أقصوصة أو قصة قصيرة أو رواية بنفسها السردي المسهب والموسع. ويعني هذا أن يحترم الكاتب حجم هذا الفن المستحدث، وألا يتعدى نصف صفحة، ويختار الجمل ذات الفواصل القصيرة، والجمل البسيطة من حيث البنية التركيبية ذات المحمول الواحد».

يضيف: {هذا الحجم القصير جداً هو الميسم الحقيقي لهذا الجنس الأدبي الجديد، الذي ظهر ليواكب التطورات السريعة التي عرفها العالم بصفة عامة، والمجتمع المغربي والعربي بصفة خاصة. كما يستجيب هذا الحجم المحدود، من حيث الأسطر والكلمات، مع سرعة الإيقاع الواقعي، كثرة مشاغل الإنسان، تخبطه في أزمات يومية ومشاكل كثيرة، يستوجبها الظرف الزمني المعاصر؛ ما يجعل المتلقي أو القارئ لا يستطيع أن يقرأ الأعمال الأدبية الإبداعية الطويلة والمسترسلة. لذلك، يلجأ إلى القصة القصيرة والقصيرة جداً}.

 الرابطة العربية

في خلال انعقاد «المهرجان العربي الثاني للقصة القصيرة جداً» في مدينة الناظور (المغرب) في مارس 2013  تأسست «الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً»، بهدف جمع المبدعين والنقاد ومهتمي القصة القصيرة جداً في مؤسسة ثقافية راعية، تضمن حقوق هؤلاء، وتسهر على حمايتهم معنوياً وحقوقياً، مع تنظيم ورشات تكوينية متعددة في مجال القصة القصيرة جداً، تبادل الخبرات والمعارف والأفكار حول هذا الجنس الأدبي الجديد في ساحتنا الثقافية العربية.

كذلك من أهداف الرابطة تنمية الروح الإبداعية لدى كتاب القصة القصيرة جداً من خلال النشرات والوسائط الإعلامية المتعددة٬ مساعدة الأدباء في التعريف بهذا الإنتاج شرقاً وغرباً، التضامن مع كل كتاب القصة في الوطن العربي، الوقوف إلى جانبهم في القضايا الحقوقية أو الأدبية٬ فضلا عن تنظيم دورات، سواء في المغرب أم في الدول العربية.

 تألفت الإدارة المركزية من: الدكتور جميل حمداوي رئيساً، الدكتور جمال الدين الخضيري نائباً للرئيس، محمد العتروس أميناً للصندوق، حميد ركاطة نائباً له، الدكتورة سعاد مسكين مستشارة، واطمة بن محمود من تونس مسؤولة عن الإعلام، حسن علي البطران من السعودية كاتباً عاماً، الدكتور يوسف حطيني من فلسطين مشرفاً ثقافياً، محمد الغربي عمران من اليمن مسؤولاً عن العلاقات العامة، شريف عابدين من مصر منسقاً عاماً، جمعة الفاخري من ليبيا مسؤولا نشيطاً في الرابطة.

كذلك عينت إدارة الرابطة، في كل دولة عربية، من يمثلها معنوياً واعتبارياً، فعينت الناقدة الدكتور سعادة مسكين ممثلة عنها في المغرب، فاطمة بن محمود في تونس، جمعة الفاخري في ليبيا، حسن علي البطران في السعودية، نجلاء عطا الله في فلسطين، أسماء الزرعوني في الإمارات العربية المتحدة، محمد الغربي عمران في اليمن، شريف عابدين في مصر، هيفاء السنعوسي في الكويت، ميشلين حبيب في لبنان...

معلوم أن الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً مفتوحة لكتّاب القصة القصيرة جدا أو نقادها، شرط أن تكون لدى المبدع مجموعة قصصية قصيرة جداً، على  الأقلّ، ولدى الناقد مصنف نقدي واحد على الأقل.

مهرجانات وملتقيات

شكلت القصة القصيرة جداً، في الألفية الثالثة، محور ملتقيات ومهرجانات في أنحاء العالم العربي، شارك فيها نقاد وأدباء وأكاديميون ومهتمون في هذا الفن القصصي، انصبت اهتماماتهم على رصد قضايا هذا الفن الموضوعية وخصائصه الفنية والجمالية، والبحث في واقعه وآفاقه المستقبلية ومواضيعه المؤرقة، كإشكالية التجنيس والاعتراف واستكشاف الجذور، والبحث عن حلول لإيجاد نظريات نقدية ومقاربات منهجية ناجعة لمواكبة هذا الجنس الأدبي الجديد.

كذلك تضمنت الملتقيات قراءات إبداعية، ندوات نقدية، ورشات تكوينية تنظيراً وتطبيقاً، معارض للكتب والمجموعات الإبداعية المتعلقة بالقصة القصيرة جداً، تكريم المبدعين والنقاد، توزيع الجوائز في ضوء مسابقات تحددها لجانها وإداراتها.

ومن بين الدول التي بادرت إلى تنظيم ملتقيات حول القصة القصيرة جداً: سورية، المغرب، الإمارات العربية المتحدة (الشارقة)، ومصر.

يعدّ المغرب أكثر الدول العربية احتفاء بالقصة القصيرة جداً على صعد: الملتقيات، الندوات، الكتب، النظريات والمناهج النقدية، والإنتاج، فثمة أكثر من مئة مجموعة قصصية قصيرة جداً.

بدورها نظمت سورية مجموعة من الملتقيات العربية التي تعنى بالقصة القصيرة جداً إبداعاً ونقداً وكتابة وتنظيراً، من بينها: ملتقى دمشق وملتقى حلب.

ونظمت الشارقة ملتقى الشارقة العاشر للسرد تحت شعار{القصة القصيرة جداً: سؤال النوع وتطور السرد} (2013)، بمشاركة 32 مبدعاً ومفكراً عربياً من: مصر، سورية، فلسطين، المغرب، ليبيا، الجزائر، العراق، الإمارات.

 كذلك  انعقد مؤتمر الإسكندرية للسرديات، في دورته الأولى، في مكتبة الإسكندرية، (2013)، تحت اسم المبدع المصري مصطفى نصر، من تنظيم  مختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية والرابطة العربية للقصة القصيرة جداً في المغرب، وحضره مبدعون ونقاد من عشر دول عربية هي: مصر، والمغرب، وتونس، وسورية، وفلسطين، والسعودية، واليمن، وعمان، وليبيا، والأردن.

ركز المؤتمر على التعريف بفن القصة القصيرة جداً في مصر خصوصاً، والوطن العربي عموماً، واستعرض مختلف الإصدارات الإبداعية والنقدية، وطرح قضايا القصة القصيرة جداً على طاولة النقاش والتحليل والتقويم والتوجيه.

شهد المؤتمر، أيضاً، تكريم مبدعين ونقاد متميزين، ووزع جوائز على المستحقين منهم، وعقد ورش عمل، لقاءات تعارفية، قراءات إبداعية، فضلاً عن مناقشة تصورات واقعية وتوقعات مستقبلية حول فن القصة القصيرة جداً، من خلال رصد مسيرته التاريخية، واستكشاف تطوراته الكمية والفنية والجمالية.

قصص قصيرة جداً

ذاكرة ...

وضع أمامه دفاتر ذاكرته يريد مراجعتها... تأمّلها مليّاً... لم يقرأ كلمة واحدة صحيحة... ولا جملة تعجبه.

... سواد كليل مبهم

اغتاظ، فمزقها... رماها في كيس قمامة، ومضى... بلا ذاكرة

أحمد الصغير- تونس

قلوب

انتظر الطفل نهاية الأذان، ثم سأل أباه ببراءة:

-أبي، أين يسكن الله؟

-في قلوب المؤمنين يابني، أجاب الأب دون تردّد.

فكّر الطفل مليّاً، نظر إلى أبيه وقال مندهشاً:

-إلى هذا الحدّ قلوبهم كبيرة، يا أبي؟!

حسن لختام- المغرب

وحدة...

تسمرت أنظر إلى نافذة جارتي الحسناء، كانت تدير لي ظهرها، وتتكلم بصوت لافت... أصخت السمع ودققت النظر... لم يكن أمامها سوى مرآة تتشبث بالحائط... ترتفع وتيرة صوتها، تسب.. وتلعن ثم تهدأ و تستجدي...

فجأة صرخت: رد علي يا...؟ ..!

تناولت حذاءها عن الأرض وصوبته...!؟ تساقطت أشلاء المرآة محدثة دوياً قويا ..

لم أستطع إخفاء قهقهاتي

وقبل أن أُلملم نواجذي واكتم ضحكي كانت فردة الحذاء الثانية ترتطم بنافذتي...

مديحة الروسان- الجزائر

تنظم جمعية {جسور للبحث في الثقافة والفنون}، بتنسيق مع الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً، {المهرجان العربي الرابع الخاص بالقصة القصيرة جداً} (دورة القاصة آمنة برواضي) بين15 و16 مارس 2015، في مدينة الناظور المغربية، بشراكة مع بلديتها، مندوبية وزارة الثقافة بالناظور، فرع اتحاد كتاب المغرب فيها.

يتخلل برنامج هذه التظاهرة الثقافية الكبرى أنشطة ومحاور من بينها:

• محـــور الإبداع: خاص بالقراءات القصصية القصيرة جداً.

• محــور النقـــد: خاص بالدراسات والمقاربات والمحاضرات المواكبة للقصة القصيرة جداً.

• محـــور المسابقـــات: تنظم إدارة المهرجان مسابقة عربية كبرى في القصة القصيرة جداً إبداعاً ونقداً، باسم {جائزة سلام جميدار}، وهي مفتوحة أمام المبدعين والنقاد العرب، مهما اختلفت أعمارهم.

back to top