الشاعر سيف الرحبي: سلطنة عمان أرض التراث والشعر

نشر في 15-05-2015 | 00:02
آخر تحديث 15-05-2015 | 00:02
No Image Caption
تملك سلطنة عمان تراثاً مهماً يعُد معيناً مهماً للمبدع، إلا أن كثيراً من العرب لم يقرأه بشكل جيد... هذا ما يشكو منه الشاعر العماني سيف الرحبي، ويطالب بتسليط الضوء على التراث العماني لما فيه من ثراء للثقافة العربية والعالمية. وفي حوار مع «الجريدة» يتحدث عن هذا التراث، كذلك يتحدث عن قصيدة النثر، ويرى أنها أحد أشكال التعبير الشعري الأساسية، لافتاً إلى تجاوزها كثيرا من السجالات والإشكاليات، وقدرتها على خوض رهان المغامرة.
كيف تتجلى لك صورة المشهد الأدبي في عمان حالياً؟

الحركة الأدبية في حالة مد وتطور على أصعدة إبداعية متعددة، سواء على في السرد من قصة ورواية، أو في الشعر حيث ثمة شباب يكتبون شعراً حديثاً بشكل موفق في كثير من القصائد والدواوين،.يوجد أيضاً البحث الأكاديمي والنقدي والذي أخذ يشق طريقه إلى فضاء الثقافة العمانية، أو العربية عموماً. ظلت عمان لفترة طويلة تعاني  التجاهل وعدم اهتمام الآخر بثقافتها، وهذا يرجع في جزء ثقافي وجوهري إلى تقصيرنا نحن كعمانين لإيصال ثقافتنا إلى العالم العربي، الآن بدأت هذه الأمور تقل كثيراً لتوفر وسائل تواصل جديدة، انطلقت في هذا العالم إبداعات عدة تندرج في هذا الفضاء الثقافي.

لكن المثقف العماني عانى  الانحسار مقارنة بأقرانه في الدول الأخرى؟

المشكلة الأساسية في عمان سواء على صعيدها تراثها الكلاسيكي وهو تراث خلاق أنه لم يقرأه أقران العرب بشكل جيد. حتى إنه في العدد الأخير من مجلة {نزوة} أصدر الدكتور غازي السدري كتاباً بعنوان {حداثة السرد} يوزع مع المجلة، حيث أخذ مختارات من الشعرية الكلاسيكية العمانية، وهي شعرية اتضح أنها توازي قامات كبيرة، هو ليس انحساراً بقدر ما غابت وسائل لتسويق أو إيصال هذا النتاج الثقافي قديمه وحديثه إلى القارئ العربي والعالمي. وأعتقد في هذا الإطار أن مجلة {نزوة} أدت دوراً كجسر اتصال بين الثقافة العمانية إلى الفضاء العربي بصفة عامة.

هل ما زالت توجد قيود على حركة النشر بسلطنة عمان؟

لم تعُد الرقابة التقليدية تمارس دورها كما الماضي. بالطبع يظل هناك سقف في التعبير، كذلك توجد حالة صدام مع الذائقة التقليدية للأدب والمعرفة بمفهومهم الديني الضيق وليس المضمون الرحب الخلاق. أقصد ثمة سقف معين، لكن هذا لا يعرقل مسيرة الإبداع، والدليل أن مجلة {نزوة} وكثير من الإصدارات الطليعية تصدر في عمان. وجود سقف للحرية ضرورة أحياناً كي لا تؤدي الحرية الزائدة إلى غوغائية وفوضى يدخل على خطها الكثير من هواة الفضائح المجانية. أعُني أنه لا بد من أن تتُاح الحرية للإبداع الحقيقي، وهذا متواجد أيضاً وعلى المبدع أن يسعى ويتواصل لأجل حريته الحقيقية، فلا شيء يأتي هبة أو منحة.

تكتب قصيدة النثر، كيف تراها في ظل الجدال المتواصل بشأنها؟

قصيدة النثر في النهاية شكل تعبيري أساسي في الشعر العربي، وقد تجاوزت كثيراً من الإشكاليات والسجالات والتي ما كانت تعطي مردوداً إيجابياً مطلقاً، هل هي شعر أم لا؟ ثمة إشكالية أخرى وهي جوهر الشعر نفسه إياً كان شكله التعبيري، هل هو شعر حقيقي أم لا، ولا نتحدث  هنا عن التقييم السطحي. أتصور أن قصيدة النثر الآن تحتل المساحة الأكبر في فضاء الثقافة العربية. أعي بأن بها قصائد ردئية بالطبع، ولكن هذا موجود في جميع أنواع التعبير قديماً وحديثاً وهو لا يضير قصيدة النثر. علينا أن نتجاوز السجال القديم حول التقييم السطحي للشعر العربي. وفي النهاية أتذكر مقولة لأبي حيان التوحيدي: {أجمل ما تقرأه شعراً ستظنه نثراً}، فقد أدرك أبو حيان منذ قرون جوهر الشعر ولم يذهب إلى الشكل المجاني والسطحي.

قصيدة التفعيلة

لكن لماذا يتركز الهجوم على قصيدة النثر دون غيرها؟

كسرت قصيدة النثر تابوه العروض التفعيلي، وجاءت بأطروحات جديدة، بينما أبقت قصيدة التفعيلة على جزء من هذا التراث العروضي النظري المتداول منذ قرون. كسرت قصيدة النثر هذا الإرث المتراكم لتذهب إلى فضاء أكثر رحابة وحرية، ومن هنا جرحت الذائقة العربية السائدة وخدشت الوعي وطوحت به إلى جوار بحيرة فكانت سجالاتها أكثر. وأي جديد في النهاية لا بد من أن يقاوم بهذا الوعي التقليدي وهذا ليس من صفات الإبداع، لأن الإبداع الحقيقي يذهب دائماً إلى رهانات المغامرة والفضاء المفتوح، يوفق إحياناً ويخُفق إحياناً أخرى. أما الركود إلى المستتب والمتداول فليس إبداعاً بل هو نوع من النظم واستعادة إنتاج وتكرار ممل.

لكن ثمة من يرى أن مشكلة قصيدة النثر تكمن في عدم وجود ذائقة نقدية حديثة تتعامل معها بصورة حقيقية.

ربما كان هذا في البدايات، لكن في الفترة الأخيرة انصبت إنجازات النقد العربية على هذا النص الجديد. ثمة أيضاً استفادة من إرث النقد العالمي تجاه هذه القصيدة مثل سوزان برنار والعالم الفرانكفوني، لأن إبداع العالم كله لا بد من أن يتفاعل ويستفيد من بعضه، لأنهم سبقوا سواء في مغامرات التعبير الإنسان وقطعاً في العلم والتكنولوجيا.

تترأس تحرير مجلة {نزوة} الثقافية. هل تعتقد أن الإصدارات الثقافية تقوم بدورها الحقيقي في الوقت الراهن؟

أعتقد جزئياً أننا نقوم بهذا الدور، رغم توافر وسائل الاتصال الحديث والنشر الإلكتروني الذي أصبح مهماً، فإن هذا لا يلغي دور المجلات الثقافية الجادة، على العكس تماماً النشر الإلكتروني فيه الغث والسمين. لكن المجلة تحاول دائماً أن تقدم ما هو أفضل وجديد وحقيقي، فمهما اختلط المشهد والتبس يظل الدور الحقيقي للمجلات الثقافية، وهي موجودة في المشرق والمغرب، وتقوم في إطار شروط وملابسات اللحظة الراهنة ثقافياً وسياسياً.

صدر لك ديوان أخير عن هيئة قصور الثقافة ضمن سلسلة {آفاق عربية} بعنوان {من بحر العرب إلى بحر الصين}. ماذا عن عوالم هذا الديوان؟

الديوان هو جزء من سلسلة كتب كتبتها في الشرق الآسيوي. أذهب إلى جزر منعزلة وبعيدة، أكتب فيها وليس عنها. أكتب عن عالمنا العربي الجريح، الكون والتباسات الوجود، فأحمل هذه النظرة التأملية. كونه نتاج عزلة روحية، ينحني الديوان منحى التأمل في التعاطي مع العالم والوجود. طبعاً مهما ابتعد الشعر وتحلق يبقى محلقاً مع التاريخ.

أصدرت دواوين شعرية عدة اشتبكت مع القصيدة، فإلى أين وصلت قصيدتك اليوم؟

لا أستطيع أن أقول بهذا الجرد أو التقييم. أكتب وأستمر في الكتابة، لأنها تشكِّل لي نوعاً من العزاء والخلاص أمام هذا العالم الدموي المتوحش. إزاء ما يجري في سورية من مذابح مفتوحة وتشريد لم يشهده التاريخ، فيما العالم صامت، أقف أحياناً عاجزاً، وأتساءل عن الدور الذي يؤديه الأدب أمام البربرية والقتل. نحن أفراد عُزل ليس لدينا سوى الكتابة والكلمة والاحتجاج على كل ما يدور.

back to top