«كردستان سورية»... هل ستكون ضحية المصالح التركية - الأميركية؟

نشر في 04-10-2014
آخر تحديث 04-10-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر بعد مضي ما يقارب الشهرين على مرحلة الصدمة واللاتوازن السياسي التي مرت بها المنطقة عقب سيطرة "داعش" على مناطق واسعة من العراق، وتعرضه لمناطق في كردستان، وما تلاها من تطورات على الساحة السورية، بدأت أميركا والغرب بترتيب أوراقهما مرة أخرى للدخول في الفصل الأخير لسيناريو أعدته دوائر المخابرات الدولية، وأخرجته حكومات المنطقة، ومثلت فيه الشعوب العربية والميليشيات الإسلامية المسلحة دور البطولة، كل حسب المساحة المخصصة له، لتنذر بنهاية تراجيدية قد تطول سنوات.

في هذه المعمعة يتشكل الدور التركي مرة أخرى ليعيد تأثيره في مجريات الأحداث، لكن على نطاق أضيق مما كان عليه في بداية ما سمي بثورات الربيع العربي، بعد انحسار تأثيرها في تونس ومصر وليبيا وسورية، وما ساعد على بروز الدور لتركي من جديد هو تحركات "داعش" الميدانية في سورية والعراق، خصوصا تعرضه لإقليم كردستان العراق، ثم محاولاته المستمرة للسيطرة على مناطق كردستان سورية، ويتركز موقف تركيا في تعاملها مع الملف السوري حالياً على استغلال تحركات "داعش"، لضمان ما تصفه بالأمن القومي التركي.

 ويظهر أن هناك ترتيبات تركية– أميركية وتركية-غربية في هذا الصدد، يمكن إيجازها في النقاط التالية:

- تصريحات تركيا السابقة في عزمها إقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع العراق وسورية عقب سيطرة "داعش" على مدينة الموصل العراقية، وتحرشه بإقليم كردستان العراق، كانت تمهيدا لتحركات مرتبة سلفا مع تنظيم "داعش" لبدء قتاله الحالي مع الفصائل الكردية في سورية ومحاولته السيطرة على مناطق كردية محاذية لحدود تركيا الجنوبية.

- الموقف التركي السابق الرافض للمشاركة في أي جهد عسكري غربي ضد "داعش" بحجة وجود رهائن أتراك لدى التنظيم تغير بعد استحصال تركيا على موافقة أميركية غربية بتحريك جيوشها برا صوب سورية من خلال المناطق الكردية فيها.

- الموقف الأميركي والغربي الذي يؤكد عدم مشاركة قواتهما البرية في المعارك، وفي الوقت ذاته تأكيدهما أن الغارات الجوية الحالية لوحدها لن تحسم المعركة ضد "داعش"، مهّد لتركيا للتحرك نيابة عن المجتمع الدولي للتدخل برا، خصوصا في سورية التي لا تملك قوات محلية قادرة على التصدي الفعلي لعصابات "داعش".

- عودة التصريحات التركية إلى الحديث عن ضرورة إنشاء مناطق عازلة داخل الحدود السورية تكون منطلقا للمعارضة السورية المتمثلة بالجيش الحر لقتال قوات النظام السوري، وهو ما يعزز حاجة التحالف الدولي لوجود قوات برية تركية في تلك المناطق.

- فتح تنظيم "داعش" جبهة جديدة مع كرد سورية، في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى تهدئة القتال بعد بدء الغارات الأميركية عليه، والهزائم المتلاحقة التي تكبدها في العراق تدل على وجود تطمينات أميركية له بعدم التعرض له في مناطق القتال مع كرد سورية، وما يعزز من هذا الاعتقاد هو استمرار "داعش" في شن الهجمات على مدينة كوباني مع استمرار الغارات الجوية على مواقع هذا التنظيم في كل مناطق سورية.

- تصريحات قوات حماية الشعب الكردية السورية (المقربة من حزب العمال الكردستاني)، تشير الى تخوفها من التوجهات التركية هذه، من خلال دعوتها الحكومة التركية لمساعدتها إنسانيا ولوجستيا لا عسكريا، مع التأكيد أن الاستمرار في عملية السلام مع كرد تركيا سيقوض من تأثير "داعش" في المناطق الكردية المحاذية لتركيا.

- التضخيم الإعلامي التركي في سقوط عدد من القذائف داخل الأراضي التركية والتهويل الإعلامي لتأثيراتها، يشير إلى عزم تركيا كسب نقاط سياسية وأمنية من أجل أي تدخل مستقبلي لها هناك.

- ليس بمقدور قوات حماية الشعب الكردية الوقوف ضد رغبة المجتمع الدولي في إقامة منطقة عازلة (داخل الحدود السورية) لتكون منطلقا لقتال النظام السوري وعصابات "داعش".

- إن اتخاذ موقف كردي رافض للتدخل التركي في مناطق الأكراد سيؤدي بتركيا وحلفائها إلى الذهاب أبعد من ذلك، وفسح المجال أمام "داعش" للتحرك والسيطرة على مناطق جديدة في كردستان سورية، وكوباني لن تكون استثناء لهذه المناطق بالطبع.

لهذه الأسباب وأسباب أخرى كثيرة، فإن كردستان سورية تخضع اليوم إلى مساومات إقليمية ودولية بعيدة عن تطلعات الشعب الكردي وطموحه، وقوات حماية الشعب هناك مطالبة اليوم باستثمار أي جهد سياسي وعسكري حقيقي يعمل على إخراج مناطقها من الموازنات الدولية والإقليمية، التي تخطط لها تركيا بحجة حماية أمنها القومي، والمسؤولية الحقيقية الآن تقع على عاتق كرد سورية وتوجههم البعيد عن المصالح الحزبية نحو بيشمركة إقليم كردستان، وفسح المجال أمامها للتنسيق الثنائي بين الطرفين وإضعاف سيطرة "داعش" على هذه المناطق، وبالتالي سحب البساط من تحت أرجل الحكومة التركية للقبول بالوضع الجديد في وجود مناطق كردية في سورية لها جزء من السيادة قابلة للزيادة، إن استطاع الكرد في سورية استثمار الجهد الدولي هذا سياسياً واقتصادياً.

* كردستان العراق – دهوك

back to top